تمكنت قطر من تخفيف الآثار الناجمة عن المقاطعة التي تتعرض لها من السعودية وحلفائها وحافظت على نمو اقتصادي مضطرد، إلا أن بعض القطاعات لا تزال تدفع رغم ذلك ثمن الأزمة المستمرة منذ عام.
ولجأت قطر الغنية بالغاز مع اندلاع الأزمة، إلى استغلال ثروتها الضخمة من أجل استيعاب موجة التأثيرات الأولى في القطاع المالي، وتأمين إمدادات الغذاء والطرق البحرية والموانئ، بحسب ما نقلته وكالة "فرانس برس"، عن محللين.
وكانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطعوا في الخامس من يونيو الماضي علاقاتهم الدبلوماسية بقطر وفرضت عليها حظرا جويا وبحريا، متّهمة الدوحة بدعم تنظيمات متطرفة في المنطقة، وهو ما نفته الدوحة.
وبحسب الوكالة، سعت الدول الأربع إلى فرض حصار على الاقتصاد القطري في محاولة لدفع الدوحة نحو الموافقة على شروط وضعتها هذه الدول لإعادة العلاقات معها وإنهاء المقاطعة، لكن آثار الأزمة تخطت حدود قطر على مدى السنة الماضية ووصلت إلى الدول المقاطعة أيضا، في وقت تشهد اقتصادات الخليج بشكل عام صعوبات جمة مع تراجع أسعار النفط.
وقالت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" في تقرير نشرته مايو الماضي إن الأرقام الأخيرة الصادرة في قطر تظهر أن "أخطر آثار المقاطعة على الاقتصاد انتهت".
وضخت الدوحة عشرات المليارات من الدولارات بعد انخفاض الودائع المصرفية في بداية الأزمة، ونجحت في إعادة القطاع المصرفي إلى وضعه الطبيعي.
وذكر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، الأربعاء، أن "النمو المتوقع يبقى في وضع مرن"، مضيفا أن "الأثر الاقتصادي المالي المباشر للأزمة كان قيد التحكم"، ورغم تراجع مداخيل النفط، حققت قطر نموا بنسبة 2.1 في المئة في 2017، كما كان عليه الحال في العام الذي سبق. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العام إلى 2.6 في المئة، وفقا لصندوق النقد.
وقال المحلل في معهد "كينغز كولدج" في لندن، أندرياس كريغ، لوكالة "فرانس برس" إن اقتصاد قطر "عانى على عدة جبهات إذ إن الوسائل اللوجستية "لمواجهته"أكثر تكلفة على المدى القصير".
ويرى الخبير البريطاني في الشؤون الخليجية، نيل باتريك، أن قطر "استخدمت قسما كبيرا من احتياطاتها وعائدات استثماراتها عند بدء الحصار"، ورغم أن قطاع السياحة فيها تعرض لخسائر، إلا أن قطر حققت "نجاحا اقتصاديا" بشكل عام بمساعدة تركيا وإيران وسلطنة عمان، حسبما يقول كريغ.
وطالت آثار الأزمة الدول المقاطعة لقطر أيضا، إذ يقول كريغ: "أعتقد أنه يجب ألا نستخف بالأثر الاقتصادي للمقاطعة على كل المنطقة. الخسارة الناجمة عن تعطيل التجارة الحرة تبلغ عشرات مليارات الدولارات في كل الدول".
وبحسب الوكالة، عانت إمارة دبي خصوصا من خسائر بمليارات الدولارات بعدما منعت الشركات القطرية من العمل فيها، وفقدت استثمارات قطرية في قطاع العقارات تقدر بمئات ملايين الدولارات، بينما خسرت السعودية ودولة الامارات عائدات تجارة المواد الغذائية مع قطر.
ووضعت الأزمة مجلس التعاون الخليجي في مهب الريح، ويحذر الخبراء من أن النزاع قد يخلق خليجا جديدا، مما يهدد استقرار المنطقة، خصوصا مع تحول قطر نحو تركيا وإيران.
ويخشى كريستيان أولريتشسن، وهو زميل في معهد بيكر بجامعة رايس، أن تؤثر الأزمة في الوحدة الإقليمية للخليج العربي، قائلا: "من الصعب جدا تصور كيفية عودة توحد الخليج العربي، فلقد خلقت عداوات قد تستغرق سنوات، ربما لا يتمكن جيل كامل من التغلب عليها".
وقال ديفيد روبرتس، الأستاذ المساعد في كينجز كوليدج، في لندن إنه "لا يبالغ إذا قال إن مراكز قوى جديدة في الشرق الأوسط آخذة في الظهور". ويبدو الكل خاسرا من هذه الأزمة. ويقول كريستوفر ديفيدسون، أستاذ السياسة في الشرق الأوسط في جامعة دورهام: "بالنسبة للفائزين والخاسرين من هذه الأزمة، فمن الواضح أنه لا يوجد فائزون حتى الآن، فالجميع كان خاسرا".
لكن خالد الجارالله، نائب وزير الخارجية الكويتي، يقول لوكالة "فرانس برس"، إن الجهود الدبلوماسية "مستمرة لحل الأزمة"، مضيفا أن "أحدث هذه الجهود والأفكار ستقدم خلال القمة الخليجية الأمريكية في سبتمبر وستكون هذه القمة فرصة لإنهاء هذه الأزمة".