بالنسبة للصحافة الغربية والمحللين الذين يقرأون الأرقام بعقليتهم ونهجهم، ويغيب عن بالهم أن تركيا ليست دولة أوروبية، وأن أردوغان نموذج للدكتاتور الشرس المحترف واسع الحيلة، فإنهم يستخدمون الأرقام الاقتصادية والمعاشية الصعبة، ويستنطقونها بالمدخلات والمخرجات العلمية المجردة، لينتهواإلى القناعة بأن أردوغان في وضع صعب، وقد يخسر رهاناته التي قرر لأجلها الدعوة لانتخابات مبكّرة، معتمدًا أن يجعل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في يوم واحد، ولأول مرة بتاريخ تركيا.
عمليًا ومنطقيًا وفي كل الأعراف الديمقراطية الحقيقية، فإن الأرقام هي بالتأكيد ليست في صالح أردوغان وحزبه.
فقد أصبحت الأرقام القديمة التي كان حققها حزب أردوغان في السنوات العشر الأولى من حكمه كرئيس وزراء ثم رئيس، جزءًا من التاريخ البائد. و حلّت محلها اليوم خسارة الليرة التركية 20% خلال السنة الأخيرة، و 60% خسارة تراكمية خلال السنوات الخمس الماضية.
وعندما تضاف إلى ذلك معدلات تضخم من رقمين، ونسبة فائدة مصرفية 18%، وبيئة استثمارية طاردة، فإنه يصبح ثقيلًا جدًا على المواطن التركي العادي أن يصوّت لأردوغان بينما سعر كيلو البصل (حسب ما يسجله مراسل نيويورك تايمز) وصل اليوم إلى دولار، وكيلو البطاطا حوالي دولارين.
وهي أرقام يُفترض أن تأكل من طموحات أردوغان في أن يجعل من انتخابات اليوم المبكرة، مدخلًا لتحويل تركيا إلى سلطنة عثمانية على مقاسه الشخصي. ومثلها الأرقام التي تستذكرها الصحافة الأجنبية عن عدد الذين أعدموا وقتلوا وسجنوا وطردوا من وظائفهم العسكرية والقضائية والصحفية والأكاديمية، بعد المحاولة الانقلابية في يوليو 2016.
الأرقام التي يفترض أن تعمل ضد أردوغان، جرى توظيفها لتكون أداة لصالحه الشخصي
الوضع سيصبح أكثر سوءًا لو فاز
في عرضها للظروف والموجبات التي تفسر كيف أن “أردوغان يقف اليوم على حافة السكين يتصبب عرقًا”، حسب وصف صحيفة الغارديان البريطانية، فإن الصحافة الغربية تتوسع في عرض المخاطر والمآزق الكثيرة التي ستدخلها تركيا في حال نجاح أردوغان بالرئاسة، أوفي حال أن حزبه لم يتمكن من تحصيل الأغلبية التي تضمن تمرير القوانين واللوائح المزاجية التي سيتوسع بها هذا الرجل، خلال السنوات العشر القادمة.
من ذلك، كما تقول نيويورك تايمز في مقال رئيسي لهيئة التحرير، أن أردوغان سيعمق حالة العداء مع دول الجوار العربية، وكذلك مع أوروبا والولايات المتحدة؛ لأنه يرى في “العداء والاستعراض”، لغة شعبوية تخاطب أحلامه.
واعتمادًا على مثل هذه الأرقام والقراءات الصحيحة باللغة الديمقراطية، تنتهي معظم وسائل الإعلام الغربية إلى القناعة بأن أردوغان يقف في يوم الانتخابات على أرض طينية متحركة، وأنه لن يكون مفاجئًا أن يفشل في تحصيل نسبة ال 51% في الجولة الانتخابية الأولى للانتخابات، ما يعني أن دورة الإعادة لانتخابات الرئاسة، بعد أسبوعين، ربما تحمل مفاجأة كبرى بنجاح منافسه الرئيسي محرم انجه، الذي استطاع، يوم الأربعاء الماضي، أن يحشد مهرجانًا مليونيًا لصالحه.
أردوغان محترف سرقة انتخابات
هنري باركيه، وهو صاحب خبرة طويلة في الشؤون التركية، يعتقد أن أردوغان يمتلك من التجارب الغنية في “سرقة الانتخابات”، وفي تزوير إرادة الناس وترهيبهم، ما يؤهله لأن يكسب الانتخابات ويفاجئ الذين يراهنون على الأرقام الصعبة.. سواء كانت أرقام قياسات الرأي أو أرقام هبوط الليرة والتضخم والبورصة، وكلها لغير صالحه.
تحت عنوان “أردوغان سيفوز… باستخدام كل ما يلزمه من وسائل”، عرض محرر الفورين بوليسي جملة من المعطيات القانونية والإجرائية التي فرضها أردوغان على الانتخابات وأجوائها، وتضمنت مختلف أنواع الضوابط القانونية وغير القانونية التي تضمن “سرقة النجاح ” بتزوير الإرادة، و تزوير الأرقام.
فقد جرى تصنيع قانون الانتخاب برزمة كبيرة من الثغرات التي تسمح بالتلاعب. أولها شطب شرط أن تكون ورقة الاقتراع مختومة، وهو الأمر الذي جرى استخدامه في استفتاء 2017؛ لضمان الفوز وبنسبة عالية يعرف الجميع أنها مزوّرة، لكن لم يكن لديهم إثباتات التزوير.
وفي هذا الصدد، يستذكر المحرر أن عمليات التصفية الوظيفية التي جرت بعد محاولة 2016 الانقلابية، انتهت بحقيقة أن القضاة والضباط وكبار الموظفين، يرى كلّ منهم أنه مدين بوظيفته لأردوغان شخصيًا. وبالتالي فإن عملية التزوير، أينما أتيح ذلك، يقوم بها مراقبو الانتخابات بشكل طوعي.
وينقل التقرير تفاصيل من لقاء لأردوغان مع مؤيديه، قال لهم فيه بوضوح: “علينا أن نعمل أي شيء نستطيعه لإلغاء فرص المعارضة”، وهو تعبير مفهوم في الأعراف البيروقراطية التركية بأنه دعوة لتسويغ التزوير، بما في ذلك ترهيب المعارضة.
كذلك تضمنت تعليمات الاقتراع، تغييرات في طرق اختيار مندوبي الأحزاب لمراقبة عمليات التصويت، وأضحت محكومة لأهواء الموظفين المحليين الذين أضحى معروفًا أنهم موالون طوعًا أو قسرًا لأردوغان.
هذا فضلًا عما جرى مؤخرًا من إعادة توزيع مراكز الاقتراع، وعلى نحو أصبح معه صعبًا جدًا على الكثير من القرى الكردية أن تصل إلى مراكز الاقتراع البعيدة. مثلها في ذلك مثل الكثير من المناطق المحسوبة على أحزاب المعارضة.
ويخلص التقرير الميداني إلى القناعة بأن أردوغان لديه من الطموحات والشراسة الشخصية، مضافًا إليها خبرة طويلة في تزوير وسرقة الانتخابات، على نحو يحلل له أن يفعل كل ما هو ممكن أو لا يخطر بالبال، من أجل أن يفوز.
أما أرقام استطلاعات الرأي، ومعدلات تقدم المعارضة، وكذلك سوء الأحوال الاقتصادية والمعاشية، ومخاطرالمغامرات العسكرية والسياسية التي يقيم عليها أردوغان في أحلام السلطنة المستعادة، فإنها كفيلة بإسقاطه حتى لو كانت تركيا في ظله دولة ديمقراطية ومؤسسات. لكن – كما يقول التقرير – هذا هو أردوغان، وهذه هي تركيا التي أعاد أردوغان تصنيعها على مقاسه طوال عقدين، ولن يُعدم أي حيلة مافوية؛ لكي يسرق الانتخابات ويجعلها تنتهي بفوزه.