ينطلق العالم اليوم بخطى متسارعة نحو عصر رقمي جديد، تكتب فيه التطورات التكنولوجية فصلاً جديدًا من فصول العلاقة بين المواطن والدولة، حيث تغلغلت التكنولوجيا في حياة الأفراد والمجتمعات، بحيث أصبح المستهلك الرقمي هو ذاته مواطنًا رقميًّا (Digital Citizen) لديه توقعات مماثلة من الحكومات لتقديم تغييرات جذرية في آليات عملها، وطريقة تقديم الخدمات العامة الرقمية عالية الجودة، وهو ما يعني الدخول في عهد جديد من تقديم تلك الخدمات، يصبح فيه الابتكار ركيزة أساسية لمواكبة التطورات التكنولوجية واستخدامها في الوفاء بمتطلبات وتوقعات المواطنين.
بيد أن الابتكار ليس سهلاً طيّعاً يتعلّم من محاضرات أو نشرات أو غيرها بل يستلهم من عقيدة قيادات الجهات الحكومية في تطوير البيئة العملياتية والمعلوماتية والخدماتية، وتوفير الموارد والإمكانات للموظفين المبتكرين، مما يجعلهم قادرين على تطبيق الأفكار بفعالية وتطوير العمل الحكومي ليسهم في جعل الدولة الأكثر ابتكاراً في العالم إضافة إلى تشجيعهم على إطلاق أفكارهم ومناقشتها مع زملائهم ورؤسائهم، بهدف تحويلها إلى مشاريع متميزة تصبّ في جهود تحسين الأداء وتحقيق التميز والتنمية.
ويشمل الابتكار بناء التفكير الإيجابي والتوافق مع التحولات العالمية الجديدة وتحديات العصر وإعداد الخطط والبرامج وتقييم الأداء لتحقيق التميز الحكومي وتطبيق أساليب التخطيط الفعّال في الواقع العملي وكيفية المتابعة السليمة عن بعد.
من هنا جاءت فكرة إنشاء مركز سوهاج للابتكارات الحكومية على هامش مشاركتنا وعدد من العاملين بالمحافظة في فعاليات مؤتمر مصر للتميز الحكومي 2018، تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذي يعد الأول من نوعه في مصر لتحديث الأداء الحكومي، و بالتعاون بين وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري في مصر ووزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل في دولة الإمارات العربية الشقيقة.
كما سيقوم مركز سوهاج للابتكارات الحكومية بالعمل على تطوير مهارات المبدعين لضمان قدرتهم على تحويل أفكارهم إلى مشاريع ابتكاريه باعتبارهم دعامة التميّز المنشود في جودة وريادة وتطوير الأداء، و تحويل الأفكار الإبداعية إلى خطط تنظيمية واستنباط حلول استباقية للتحديات واستخدام الأدوات الابتكارية كمدخل لاستشراف المستقبل واتخاذ الابتكار والتميز كمقومات أساسية للانتقال بالعمل الحكومي إلى المستقبل.
ولعل أهمية مركز سوهاج للابتكارات الحكومية والرقمية Digital Public Services Innovation) (Sohag هو العمل على التحول نحو المميزات المتوقعة من الابتكار والأطر العامة الناظمة لذلك التحول، إنطلاقًا من كون الابتكار يحمل في طياته ثلاث قيم أساسية (وهي: الريادة، والإبداع، وإضفاء القيمة) فى تقديم الخدمات الحكومية الالكترونية العامة بمحافظة سوهاج، وكنتيجة لتطوير الأداء الوظيفي وتعزيز الابتكار والتميز و الإبداع، والذي يعكس وجهة نظرنا نحو المزيد من التعقيد والتخصص في أداء الأعمال، والاستجابة للسياق المحيط من متطلبات وتوقعات المواطنين، كما يعكس مدى سعينا لإيجاد الحلول المبتكرة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهنا، بناءً على السيناريوهات المستقبلية المتوقعة للمركز.
كما سيقوم المركز بدراسة تجارب عدة دول في مجال الابتكار واستخدام طرق حديثة وأفكار مختلفة ودعم ثقافة الابتكار، وتلقى آراء ومقترحات المواطنين من اجل تحديث وتطوير الأداء الحكومي للوصول إلى المعدلات التي يرضى عنها المواطن، وتقديم أعلى مستوى من الخدمات لهم بمختلف أنحاء المحافظة.
كما سيعمل المركز أيضا على تعزيز الابتكار و روح الإبداع لدى الموظفين في الجهاز الإداري ، وإعداد الخطط الخاصة بالابتكار والتميز بناءً على سيناريوهات مستقبلية، وتدريب هذه الجهات على قراءة المتغيرات بطريقة علمية، وتصميم النظم المتكاملة لاستشراف المستقبل، وتحليل البيئة الداخلية والخارجية وتحديد الفرص المتاحة سيعزز الاتجاه نحو ثقافة الابتكار في التخطيط ومتابعة الأعمال ووضع التنظيم الديناميكي الفعّال لتحقيق التميز الحكومي كنتيجة للتنسيق الخلاق ودعم جودة حياة العمل QWL والقيم المحورية لها.
ولقد تابعنا على مدى اليومين الماضيين فعاليات مؤتمر التميز الحكومي الذي شهد مشاركة واسعة من وزراء، ومحافظين، ورؤساء جامعات، ومسئولين حكوميين من مصر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والذي ناقش الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مجال التحديث الحكومي، وتطوير وبناء القدرات الحكومية والتدريب، وتطوير مهارات ريادة الأعمال كجزء من استراتيجية التعليم والتعلم، وصياغة السياسات، ومعالجة التحديات، كما كان بما تضمنه من عروض تقديمية ومناقشات شكلت صورة شاملة لعملية التميز الحكومي، كاشفاً عن خطة تعاون مشترك لعدد من المشاريع المستقبلية بين البلدين.
وبناءً عليه، فإننا نجد أن الحكومة الرقمية المبتكرة (Innovative Digital Government) يستدعي توافر مجموعة من المقومات من بينها: وجود بنية تحتية تكنولوجية قوية تسهم في توفير البيئة اللازمة للابتكار، وتوافر القدرات الإبداعية والذي يتجلى في العنصر البشري ودوره داخل الحكومة الرقمية المبتكرة، وتهيئة البيئة المجتمعية للابتكار من خلال إرساء الابتكار كقيمة في المجتمع، وضمان أمن المعلومات: وينعكس ذلك بشكل مباشر على درجة الثقة في الحكومة، فى قدرتها على تأمين التفاعلات الرقمية مع المواطنين وحماية بياناتهم الخاصة من خلال تفعيل تدابير التحقق المناسبة (Authentication Measures).
إن مفهوم استشراف المستقبل يمثل ضرورة ملحة في مسيرة التطوير، لتوظيف أدواته في استباق التحديات، والعمل على إيجاد حلولاً تقوم أساساً على الابتكار كمنهج لتطوير الخدمات والعمل الحكومي وفق رؤية مستقبليه فى مجتمع يتسم بشفافية الخدمات الرقمية والتفاعل الاستباقى وشخصنة الخدمات والمشاركة الثنائية والمشاركة الجماعية فى الابتكار والادراك الذكي للبيئة المحيطة .