تحل اليوم ذكري رحيل الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي أطلق عليه مريديه "طبيب القلوب" والذي تاب بين يديه الكثيرين، والذي كان الشعراوي من أشهر مفسري القرآن الكريم حتي لقبه الكثيرين بإمام الدعاة.
كان للإمام الراحل العديد من المواقف السياسية التي جعلت الكثرين يسعون الي استقطابه كمتحدث لهم نظرا لشعبيته الطاغية ومكانته في القلوب لكنه كان يرفض بشكل مستمر التدخل في الحياة السياسية وفي إحدى المرات، طلب منه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تولي حقيبة وزارة الأوقاف، فوافق بعد تردد، وهم بالسلطة وهمت به، لولا أن رأى برهان علمه ومداد كلماته يأبيان الانزلاق في وحل السياسة، فناداه قلبه وعقله وضميره:"لا يا سيدي عُد إلى ما كنت".
وكان ذلك الموقف نتيجة واقعة شهيرة تعود إلى مهاجمة بعض النواب لسياسيات الرئيس السادات، فاعترض الشيخ على مهاجمة النواب للسادات، قائلا: "لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وقد تسببت تلك الكلمات في حالة من الجدل، وكانت مأخذا أخذه البعض على الإمام".
وقام "الشعراوي" بتقديم استقالته فيما بعد، قائلًا كلمته الخالدة:"أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة، وألا يصل أهل الدين إلى السياسة".
كان إمام الدعاة يوجه العديد من الرسائل الي المصريين والرؤساء حيث وجه رسالة للرئيس الأسبق مبارك يمكن اعتبارها خطابًا مفتوحًا إلي كل رئيس يتولي أمر هذا البلد، قال له: إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل.. ونحن سنعينك بأن نصلي من أجلك، كما سبق له توجيه رسالة للحزب الحاكم قال فيها: رجّح ولا تجرح، ولا تضبط نفسك على " نعم " دون استحقاق، فدوام الوفاق نفاق!
كما نصح أحزاب المعارضة بعدم التشبث بـ"لا"، قائلًا: المعارضة عرض رأى أمام رأي فلا هي فرض ولا هي رفض فلاتضبطوا أنفسكم على (لا) بدون إنصاف".
وهو يري أن الثائر الحق هو من يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد.. وكان يتمني أن يصل الدين إلي أهل السياسة.. ولا يصل أهل الدين إلي السياسة ! وكانت له مقولة شهيرة هي " لو رصدت ما حدث لمصر فلن يبق إلا أن تسأل: كيف تبقى مصر حتى الآن ؟ ذلك لأنها كنانة الله في أرضه، ومن يعتدي على نسلها وأمنها ومالها، يأخذه الله اخذ عزيز مقتدر".
مقولات الشيخ
له عدد من المقولات المشهورة من بينها أن« المال عبد مخلص.. لكنه سيد رديء»، ودائمًا ما كان يردد أن الحساب في كل شيء مؤجل إلي يوم القيامة ماعدا ظلم الناس، وأنه لا تجد أى معركة بين حق وحق لأن الحق واحد.. ولا تطول أى معركة بين حق وباطل لأن الباطل دائمًا زهوقًا، ونصح الدعاة قائلًا " الدين كلمة تقال وسلوك يفعل، وإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة، وكانت كلمته لشباب المسلمين هي " لا تقلق من تدابير البشر..فأقصي ما يستطيعون فعله معك هو تنفيذ ارادة الله ".. ودائمًا ما كان يبشرهم قائلًا " سيأتي يوم وتجد من يضحي من أجل ابتسامة يرسمها علي وجهك، فلا تغلق ابواب قلبك.. فليس كل من يدقها ينوي جرحها ".
وقال لكل البشر: إن لم تستطع قول الحق.. فلا تصفق للباطل !، كما نصحهم " لا تعبدوه ليعطي.. بل اعبدوه ليرضي "، وكان يذكرهم دائمًا " لا يقلق من كان له أب، فكيف يقلق من كان له رب ؟! ".. وكان يردد دائمًا " " الحياة أهم من أن تنسى.. ولكنها أتفه من أن تكون غاية " ! وختامًا لا ننسى مقولته الشهيرة " أن الإنسان منا حين تغيب الشمس، يحاول فى الظلام أن يجد له ضوئا، هذا الضوء يختلف باختلاف قدرات الناس وإمكانياتهم، ولكن حين تطلع الشمس يطفىء كل انسان مصباحه، فأطفئوا مصابيحكم فقد سطعت شمس الله.
أوسمة الإمام
حصل "الشعراوي" علي العديد من الأوسمة والجوائز، منها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى قبل تعيينه وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى والدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية واختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، واختارته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم كشخصية العام الإسلامية في دورتها الأولى عام 1418 هجري الموافق 1998 ميلادي.
أما عن رأيه في المرأة فكان يري أن المرأة في ظل الإسلام نالت من الحقوق ما لم تناله في كافة العصور السابقة، وطالب الإمام بخروج المرأة لسوق العمل، طالما لن يمنعها ذلك الدور من أداء مهامها الأساسية في المنزل.
الشيخ والأزهر
أما عن الازهر فكان يري أنه كعبة العلم، ومقصد العلماء، يأتون إليه لينهلوا من بحر علومه، مشيرًا إلى أن الأزهر هو الذي صدر للدنيا بأسرها علوم الإسلام، وهو حصن الإسلام المنيع، الذي تتحطم على أبوابه هجمات المعتدين
سيرة عامرة
جدير بالذكر أن الإمام الراحل تولي عدة مناصب، منها أنه عمل مدرسًا بمعهد طنطا الأزهري وأعير للعمل بالسعودية سنة 1950، وعمل مدرسًا بكلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وعين وكيلًا لمعهد طنطا الأزهري سنة 1960، ومديرًا للدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف سنة 1961، ومفتشًا للعلوم العربية بالأزهر الشريف 1962، مديرًا لمكتب الأمام الأكبر شيخ الأزهر حسن مأمون 1964، ورئيسًا لبعثة الأزهر في الجزائر 1966م، وأستاذًا زائرًا بجامعة الملك عبدالعزيز بكلية الشريعة بمكة المكرمة 1970، ورئيس قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز 1972، ووزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر بجمهورية مصر العربية 1976، وعُيِّن عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية 1980، وتم اختياره عضوًا بمجلس الشورى بجمهورية مصر العربية 1980، وعرضت عليه مشيخة الأزهر وعرضت عليه العديد من المناصب السياسية الرفيعة لكنه فضَّل المضي قدمًا في العمل الدعوى والوعظ ونشر تعاليم الإسلام الصحيح.