“موتى سيقترن بحادثة مثيرة”.. لم تكن تلك الكلمات كلمات عابرة ولكنها تنبؤات من رجل عشق الرومانسية وعاش من أجل الحب، فلم يكن يوسف السباعى وزيرًا للثقافة فقط، ولكنه كان قائدا وأديبا وصحفيا ومفكرا سياسيا، ولد فى 10 يونيو ١٩١٧ بالسيدة زينب، وقد تخرج في الكلية الحربية عام ١٩٣٧، وعمل مدرسًا بها، ثم عمل مديرًا للمتحف الحربى عام ١٩٥٢، وتم ترقيته إلى رتبة العميد وكان لعلاقته القوية الأثر فى دعمه للأدب حيث كان وسيطًا لعرض فكرة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، على الرئيس جمال عبد الناصر، الذى وافق عليها وأمر بتعيينه سكرتيرا عاما للمجلس، ثم توالت إنجازاته فى مجال الأدب من إنشاء “نادى القصة”، ومن ثم تعيينه وزيرا للثقافة.
لم يكن "فارس الرومانسية ورائد الأمن الثقافي"، جبانًا يومًا، وحتى اللحظة الأخيرة له فى الحياة لم يخف الموت، وتحد الخوف من القتل بشجاعة ولكن.. قُتل بدم بارد، وذلك فى رحلة هى الأسوأ فى تاريخ مصر حيث كان "السباعى" وزير الثقافة المصرية، قادمًا من أمريكا متجهًا إلى العاصمة القبرصية على رأس وفد مصرى للمشاركة فى مؤتمر "التضامن الأفرو آسيوى السادس"، الذى عُقد لصالح القضية الفلسطينية.
لم يترك "رائد الأمن الثقافي"، بابا لم يدافع فيه عن القضية الفلسطينية، وذلك ما أكده بكتاباته التى تعد خير دليل على دعمه للقضية الفلسطينية، حيث كتب عشرات المقالات دفاعًا عن قضيتهم، كما أن روايته "طريق العودة" تتحدث عن القضية الفلسطينية بشكل مباشر، وتشير إلى ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين.
زخرت المكتبات السينمائية بقصصه المميزة التى ترجمت إلى أعمال فنية متميزة شارك فيها أشهر النجوم وألمعهم، فمن الروايات نذكر نائب عزرائيل، أرض النفاق، إنى راحلة، فديتك يا ليل، البحث عن جسد، بين الأطلال، رد قلبى، طريق العودة، نادية، جفت الدموع، ليل له آخر، نحن لا نزرع الشوك، لست وحدك، ابتسامة على شفتيه، العمر لحظة، أطياف، اثنتا عشرة امرأة، خبايا الصدور، اثنا عشر رجلًا، فى موكب الهوى، من العالم المجهول، مبكى العشاق، شارع الحب، اذكرينى.
ومن المسرحيات قدم: أقوى من الزمن، أم رتيبة، ومن القصص نذكر بين أبو الريش وجنينة ناميش، يا أمة ضحكت، الشيخ زعرب وآخرون.
حصل "السباعى" خلال رحلته بين دروب الثقافة على عدد من التكريمات والجوائز منها: جائزة الدولة التقديرية فى الآداب، وسام الاستحقاق الإيطالى من طبقة فارس، وفى عام 1970 حصل على جائزة لينين للسلام، ومنح وسام الجمهورية من الطبقة الأولى من جمهورية مصر العربية، وفى عام 1976م فاز بجائزة وزارة الثقافة والإرشاد القومى عن أحسن قصة لفيلمى "رد قلبى" و"جميلة الجزائرية"، وأحسن حوار لفيلم رد قلبى وأحسن سيناريو لفيلم "الليلة الأخيرة".
وتعود قصة خياله إلى صباح الثامن عشر من فبراير 1978 حينما نزل "السباعى" من غرفته بأحد فنادق قبرص التى كان قد وصلها اليوم السابق لرحيله على رأس الوفد المصرى المشارك فى مؤتمر التضامن الأفرو- آسيوى السادس بصفته أمين عام منظمة التضامن الإفريقى الآسيوى، ليشترى بعض الصحف من منفذ بيع الكتب والجرائد المجاور للفندق، لكن لم تمهله رصاصات الغدر لممارسة طقوسه اليومية، ليفارق الحياة سريعًا.. وتناقلت وكالات الأنباء الخبر. وظل السؤال معلقًا: من قتل يوسف السباعى؟ ولماذا؟
وتحولت جنازة السباعى إلى تظاهرة ثائرة ضد القضية الفلسطينية، ومنددة بما تعرض له الوفد المصرى فى قبرص، ما جعل الرئيس السادات يقرر حرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة التى كانوا يتمتعون بها فى مصر والتى أقرها الرئيس جمال عبد الناصر لهم منذ عام 1954.
كما أقيمت جنازة السباعى، فى 19 فبراير عام 1978، ولم يحضرها الرئيس السادات وأناب عنه نائب رئيس الجمهورية حينذاك محمد حسنى مبارك، ووزير الدفاع محمد عبد الغنى الجمصى.
جدير بالذكر أن السباعى قدم ٢٢ مجموعة قصصية وأصدر ١٦ رواية، وله مسرحية بعنوان “أم رتيبة” ونال جائزة الدولة التقديرية عام ١٩٧٣وعددًا كبيرًا من الأوسمة، ورأس تحرير عدد من المجلات والصحف منها الرسالة الجديدة وآخر ساعة والمصور والأهرام.
من أروع ما قال يوسف السباعي:
تلك هى العلة فى هذا البلد.. أن الذى يحس بالمصاب لا يملك منعه، والذى يملك منعه لا يكاد يحس به.
إن شر ما فى النفس البشرية هى أنها تعتاد الفضل من صاحب الفضل، فلا تعود تراه فضلا.
نحن شعب يحب الموتى، ولا يرى مزايا الأحياء حتى يستقروا فى باطن الأرض.
إن مبعث شقائنا فى الحياة هو المقارنة بين النعم.
يعلنون ما لا يبطنون.. ويقولون ما لا يفعلون.. يدعون التسابق إلى مصلحة البلد وهم إلى مصالحهم أسبق.. ويدعون الحرص على إنقاذ الفقير والعامل والفلاح وهم على ثرواتهم أحرص.
ألا تدرى أنه رُبَّ ضحكة تخرج من صدورنا طليقة مخلصة، تجعلنا أشدّ إيمانا بالله، وأكثر حمدًا له وقربًا منه.. ألا تدرى أنه رُبّ أغنية جميلة أرهفت منا الحس ورققت المشاعر.. تطهر نفوسنا وترسب شوائبنا.. وتحلّق بنا إلى السماوات أكثر من ألف ركعة وسجدة؟
إن إلهاما فى داخلنا يدفعنا أحيانا إلى الطريق الصحيح الذى يجب أن نسلكه.