كان عشقه لركوب الدراجة فريدًا من نوعه، فمنذ نعومة أظافره كان يعد الدقائق حتى ينتهي من واجباته المنزليه لكي يأخذ دراجته الصغيرة ويتجول بها في الشواع والأحياء المجاوة، وأدرك منذ طفولته أن مصيره ارتبط بهذه الهواية وعمل على تحقيق ذلك فأخذ يبحث عن السبيل الذي يستطيع من خلاله بناء مستبقله عن طريق أن ينال قسطًا وافرًا من التعليم، ويحصل على فرصة عمل كريمة تؤمن حياته دون أن يتخلى عن حلمه أو يترك هوايته.
كانت إقامته في الإسكندرية أثناء دراسته بمعهد الفنون الهندسية نقطة تحول فارقة في حياته، جعله هواها النقي وبحرها ذو المنظر الساحر يحصل على الهدوء والسلام النفسي الذي جعله يتمعن في تخطيط مستقبله بشكل يمكنه من ممارسة هوايته المفضلة، وعندها قرر أن يفتح ورشة للنجارة ليبرز من خلالها مواهبه في الديكور والأثاث، ولكن لم يمنعه عمله عن ركوب الدراجة، كان يستغل الإجازات ويخرج في رحلات بالمدن والقرى المحيطة.
سرعان ما دار في دوامة الحياة وتزوج من سيدة كانت خير معين له في رحلته، وفي ليلة من ذات الليالي قرر الدراج محمد المصري القيام بأكبر مغامرة في حياته، وهي السفر في أنحاء المحروسة بدراجته، وفي وسط الانتقادات التي وجهت إليه بسبب هذه الفكرة التي وصفها البعض بالجنون وتشجيع أهله وذويه على ممارسة هوايته حسم محمد أمره وقرر أن يخوض التجربة.
الاستعداد للرحلةبدأ محمد اتخاذ الاستعدادات اللازمة للرحلة الفريدة، سأل عن الطرق التي يسلكها، وحضَّر ما يكفيه من العدة والعتاد الذي يلزمه، وخرج من قرية بسيون في طنطا حيث مسقط رأسه متجها إلى أسوان بأقصى جنوب مصر مستعينًا في ذلك بدراجته. روى محمد تفاصيل رحله الـ16يومًا عبر الجمهورية التي وصفها بأنها كانت مليئة بالآلام التي تحمل بداخلها المتعة التي تكمن في تحقيق الهدف المرجو والوصول إلى خط النهاية.اختطاف في الواحاتكانت الرحلة جميلة في البداية وليس بها أي صعوبات خاصة وأنه كان يسير مع مجموعة من الدراجين ويرافقهم في رحلتهم ولكنه وقتها لم يكن يعلم ما ينتظره في الأيام القادمة.كان اليوم الخامس نقطة تحول فارقة في الرحلة، تركه قرناؤه ليكمل رحلته بمفرده في هذا الطريق الخالي من كل شيء، عندها حدث ما لم يكن يتوقعه، وصل إلى الواحات وتعرض لأصعب موقف شهده خلال الرحلة، هجم عليه 5 من المسلحين مجهولي الهوية، واختطفوه، وعندها تمكن الخوف منه ولكنه أخذ يفكر في حيلة للتخلص من محنته، فأخذ يتفاوض معهم حتى يتركوه يرحل وجلب لهم كل ما يملك من طعام وشراب واستطاع في النهاية أن يقنعهم أن يتركوه وشأنه.
طريق مظلمتركت هذه الحادثة أثرًا كبيرًا في نفس محمد، ولكن بالإيجاب وليس بالسلب، وتملكه من وقتها شعور قوي يدفعه لأن يكمل رحلته ويصل إلى خط النهاية الذي حدده لنفسه، ولكنه لم يكن يعلم أن الأسوء قادم، نعدما خرج من الواحات بالتحديد عند الفرافرة انصهرت إحدة إطارات العجلة من شدة الحرارة والسرعة التي كان يسير بها، وما زاد من حدة الأزمة تعطل جهاز التتبع الخاص به ما جعله يشعر أنه وحيد وتائه في هذا الطريق الوعر.قرر محمد أن يكمل طريقه مهما كانت النتائج، أصلح دراجته وسار بسرعة كبيرة في هذا الطريق المظلم الخالي من البشر والسيارات، وتمكن أخيرًا من الوصول لأسيوط، وأنساه استقبال أهلها الحافل كل متاعب الرحلة التي واجهها، وعندها أخذ قسطًا من الراحة، أخذ يعد نفسه للذهاب لوجهته القادمة وهي سوهاج.
من أسيوط لسوهاجعندما وصل إلى سوهاج قرر ألا يضيع الوقت ويتوجه مباشرة إلى الأقصر رغم شدة الحرارة وطول الطريق، وبالفعل ذهب إلى هناك في اليوم الثامن وهناك تجول في هذه المدينة الساحرة وحرص على زيارة آثارها ثم أخذ الاستعدادات اللازمة للتوجه إلى خط النهاية وهو أسوان.في اليوم الحادي عشرة اتجه محمد بخطى ثابته نحو أسوان رغم التعب الذي تمكن منه وفي خلال يومين استطاع تحقيق هدفه والوصول إلى محافظة أسوان بالدراجة، ومكث هناك لمدة ثلاثة أيام زار فيها الأماكن الأثرية والمعابد الفرعونية ثم عاد مرة أخرى بعد أن قطع 2100 كيلو متر بالدراجة.