الشركات التريليونية .. امبراطوريات اقتصادية جديدة تحكم العالم، بعد أن حطمت شركة أبل حاجز التريليون دولار منذ أسابيع لحقتها شركة أمازون لتنضم إلى نادي الشركات التريليونية، في الطريق الفابت المالكة لمواقع لـ «جوجل وفيسبوك ومايكروسوفت».
شركات وليدة قوامها الأفكار والإبداع، وليس رأس المال، لم تبدأ برأسمال كبير لكنها كانت مجرد أفكار دون رأسمال مثل، لكنها استطاعت أن تزيح الشركات التقليدية ذات التاريخ مثل شركات الطاقة.
شركة أمازون تم تأسيسها عام 1995 على يد جيف بيزوس، وبدأت كمتجر لبيع الكتب عبر الإنترنت لكنها توسعت كمتجر لبيع مختلف المنتجات وأصبحت تضم 222 ألف موظف، اما ابل المتخصصة في صناعة الكومبيوتر والموبايل، ويبلغ عمرها 41 عامًا ويعمل بها 66 ألف موظف.
الشركات العملاقة باتت ظاهرة عالمية تثير القلق بعد أن تجاوزت ميزانية كل شركة منها موازنات بعض الدول، وهو ما جعل الأصوات ترتفع في أمريكا والغرب بضرورة سن تشريعات تضمن عدم هيمنة تلك الشركات وتوحشها، لأنه هذه الشركات ومنتجاتها وحلولها أصبحت سلاحا ضمن أسلحة الحروب التي تستخدمها الدول في صراعاتها وليس أدل على ذلك من اتهام روسيا بالتدخل من خلال فيسبوك للتأثير على الانتخابات الأمريكية، واتهامات لأمريكا بالتجسس على تليفون المستشارة الألمانية ميركل، ومنع شركات التكنولوجيا الصينية من العمل في امريكا ضمن الحرب التجارية بين البلدين وأيضا مطالبة ترامب لشركة آبل بعدم الاستثمار في الصين إذا أرادت تجنب الضرائب المرتفعة على منتجاتها.
الخبراء يحذرون من تغول شركات تكنولوجيا المعلومات العالمية العملاقة ليس فقط على الأفراد والمجتمعات بل وعلى الدول أيضًا، ما جعل شركات مثل "فيسبوك" و"جوجل" و"أمازون" تتعرض لهجوم وانتقادات حادة ليس فقط داخل دولها ولكن من دول أخرى وهو ما جعل الدعاوى تتصاعد لسن تشريعات عالمية تحول دون اندماج تلك الشركات العملاقة مع بعضها لما يمكن أن تؤدي إليه تلك الاندماجات من الاحتكارات، التي لن تمثل فقط خطرا على مصالح المستهلكين ومنتجين المواد الخام الأولية، وإنما خطرا على قدرة الدول ذاتها في توجيه دفة الاقتصاد العالمي.
قضية الضرائب المتحصلة من الشركات العملاقة أصبحت محل جدل كبير، كثير من الحكومات ترى أن ما يتم تحصيله من تلك الشركات لا يتناسب مع معدلات أرباحها، وأغلبها يتحايل لتجنب دفع الضرائب على الأرباح، كما أن توحشها يعيق الشركات الصغيرة، وهو ما جعل الخبراء يقترحون فرض ضرائب على "التدفقات النقدية" لتلك الشركات، خاصة الإعلانات بدلا من فرض ضريبة على الأرباح، التي يمكن نقلها بسهولة نسبية من بلد إلى آخر.
وتشير الإحصائيات إلى أن أقل من 10 في المئة من الشركات العالمية تسيطر على أكثر من 80 في المائة من الأرباح، وفي حين كانت البنوك وشركات الطاقة تتصدر قائمة أكبر الشركات العملاقة في العالم منذ 10 سنوات، إلا أن شركات التكنولوجيا صارت تتصدر التصنيف في الوقت الحالي.
العالم العربي في المقابل ما زال بعيدا عن الدخول في نادي الشركات التريليونية، وحتى قائمة أكبر الشركات المليارية العربية فإنها تخلو من شركات تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات أو المحتوى العربي، وأكبر شركة عربية هي الشركة السعودية للصناعت الأساسية سابك، التي لا تتجاوز قيمتها السوقية 86 مليار دولار يليها بنك قطر الوطني بقيمة 222 مليار دولار ثم بنك أبو ظبي بقيمة 182 مليار دولار ولا توجد سوى شركتي اتصالات في قائمة أكبر شركات عربية وهما اتصالات الإمارات برأسمال 34.9 مليار دولار واتصالات السعودية برأسمال 28.8 مليار دولار.
ويؤكد حسين عبد الطيف أحد خبراء تكنولوجيا المعلومات، أن العالم يتجه حاليا للشركات الناشئة مع الوضع في الاعتبار أن مفهوم الشركة الناشئة لا يعني مجرد فكرة نابعة من حماس الشباب، لكنها تحولت إلى مجال للاستثمار وتكوين شركات ناجحة يصبح أصحابها أو مؤسسوها رجال أعمال، فشركة فيسبوك كانت ناشئة وكذلك جوجل وواتس آب وتويتر وغيرها، كلها بدأت شركات ناشئة مكونة من مجموعة شباب، ولكن خلال سنوات قليلة تم بيع بعضها بمليارات الدولارات في أكبر الصفقات التكنولوجية بالعالم.
ويقول الدكتور أحمد العطيفي خبير تكنولوجيا المعلومات ورئيس إحدى الشركات العاملة في مصر والدول العربية، إن الوطن العربي به مئات الشركات الناشئة ومصر تضم العشرات من تلك الشركات التى تمكن أصحابها من النجاح وتحقيق أرباح جيدة، لكن الشركات الناشئة في مصر أو المنطقة العربية ما زالت بعيدة عن تحقيق النجاح الذي حققته الشركات العالمية الكبري مثل فيسبوك أو جوجل أو أمازون أو غيرها لأن الأسلوب والمناخ الذي بدأت به تلك الشركات مختلف.
ويضيف أن الشركات الناشئة في مصر والمنطقة العربية تحتاج للكثير من الجهد والدعم وليس شرطا أن يكون الدعم كله تمويلًا، فالشباب الذين لديهم أفكار مبدعة لحل بعض المشكلات المهمة أو طرح منتجات وحلول يواجهون الكثير من المعوقات والروتين التي قد تعوق نجاحهم وحتى عندما ينجحون يظل نجاحهم محدودا.
ويتابع، أن هناك دولا عربية انتبهت لأهمية الإبداع ودعم الشباب المبدع وتحويل الأفكار إلى مشروعات منها الإمارات مثلا التي أطلقت مبادرات لتسريع النمو في الشركات الناشئة بدأت برأس مال بلغ 60 مليون دولار لمنح فرص للشركات الناشئة، وكذلك دول مثل المملكة العربية السعودية ومصر تسلك هذا الطريق.
ويضيف أن مجال ريادة الأعمال تطور بشكل ملحوظ في مصر، لكن هناك الكثير من الجهد ما زال مطلوبا، وما زالت مصر في مرتبة متأخرة بهذا المجال رغم أنها تمثل سوقا جذابة وواعدة، قوامها نحو 100 مليون نسمة، وهناك نمو كبير في حجم استخدام الانترنت وتكنولوجيا المعلومات .
ويؤكد عادل دانش أحد خبراء تكنولوجيا المعلومات، أن الاهتمام بالإبداع والشركات الناشئة يتطلب إعداد المناخ اللازم لذلك ومنه إعداد التشريعات واتخاذ السياسات اللازمة لدعم الشركات الناشئة، وشهدت الفترة الأخيرة الكثير من الخطوات في هذا السياق منها إصدار قوانين الاستثمار وتداول المعلومات والجرائم المعلوماتية وهناك تشريعات أخرى لحماية البيانات الشخصية وتنظيم المدفوعات الإلكترونية وغيرها من التشريعات التي تمهد المجال وتوفر المناخ اللازم لدعم الشركات الناشئة، كما يتم إنشاء صناديق للاستثمار في الشركات الناشئة وكذلك حضانات تكنولوجية لاحتضان الأفكار وتحويلها إلى مشروعات.
ويقول أحمد أبوالحظ، مدير إحدى الشركات الناشئة التي تعمل في مجال تطبيقات تكنولوجيا المعلومات الطبية، إن الشركات الناشئة في مصر تواجه الكثير من المشكلات في الاستثمار أو الضرائب المرتفعة التى تصل إلى 30%، ولابد من تذليل العقبات الإدارية والمالية وتقديم الحوافز اللازمة لتلك الشركات.
ويضيف أن الشركات الناشئة لا تجد الاهتمام الكافي حتى الآن كما يحدث في دول أخرى حققت نجاحا في هذا المجال، وحتى الآن لا يوجد ثقة في أن الشباب يمكنهم تأسيس شركات ناجحة، والبعض يظن أنهم مجرد شباب صغير ولكن فى الحقيقة الشركات الناشئة تضم رجال أعمال يحققون ملايين.
ويؤكد عمرو أبوعلم الرئيس التنفيذي السابق لشركة القرى الذكية أن الشركات الناشئة في مصر لا تحصل على الاهتمام الكافى كما أنها تواجه مشكلات كثيرة منها مشكلة التمويل، وهناك شركات ناشئة مؤهلة للتطور ولكن لا تجد المستثمر.
ويوضح أن هناك فارقا بين التطبيق والشركة، وإنشاء التطبيق قد يكون استثمارا ناجحا لكنه يختلف عن إطلاق شركة تنافس على الصعيد العالمى، والتطبيق هو مجرد قناة يمكن من خلالها لهذه الشركة أن تعمل، كما أن إنشاء الشركات المحلية التى يمكن أن تتنافس عالميا قد يستغرق وقتا طويلا.