شهد الاقتصاد المصري في الآونة الأخیرة حزمة من السیاسات التي تهدف إلى تصحیح الاختلالات الهیكلیة الداخلیة، وتخفیف حدة الصدمات الخارجیة التي قد یتعرض لها، من أجل استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وتمھید السبیل نحو نمو احتوائي مستدام على المدى الطویل.
وتأتي هذه السیاسات ضمن برنامج شامل تم إعداده بالتعاون بین الحكومة والبنك المركزي المصري، ویدعمه تمویل من صندوق النقد الدولي، والذي تمحور حول انتهاج سیاسة ضبط مالي، وتحریر سعر الصرف الذي یساھم في الحفاظ على التنافسیة والتكیف مع الصدمات الخارجیة، وتطبیق سیاسة نقدیة تقییدیة لاحتواء الضغوط التضخمیة.
وكشف التقرير المالي لعام 2017، الذي أصدره البنك المركزي اليوم، عن أن تلك الإصلاحات أدت للتحسن في المؤشرات العالمیة الاقتصادیة والمالیة إلى تحفیز محركات میزان المعاملات الجاریة والاستثمارات الأجنبیة المباشرة، وبالتالي تراجع المخاطر النظامیة التي قد تنتج عن تقلبات رؤوس الأموال الأجنبیة ونقص السیولة بالعملة الأجنبیة لدى القطاع المصرفي.
وأوضح التقرير على أن سیاسة تحریر سعر الصرف خلق میزة تنافسیة للصادرات المصریة غیر البترولیة، وساعدت على ترشید الواردات غیر البترولیة، بالتزامن مع انتعاش الاقتصاد العالمي الذي سجل معدل نمو 3.8% في عام2017 مقابل 3.2% في العام السابق.
وأكد التقرير على تحسن عجز المیزان التجاري إلى 36.5 ملیار دولار مقابل 37.8 ملیار دولار، كما سجلت حركة التجارة العالمیة معدل نمو 4.9٪ في عام 2017، مقابل 2.3 ٪ في العام السابق، مما انعكس علي إیرادات قناة السویس، والتي ارتفعت بمعدل 4.2 ٪ مقابل انخفاضھا بمعدل 3.1%.
وساھمت سیاسة تحریر سعر الصرف زیادة في تحویلات العاملین في الخارج بمعدل نمو 26.6 ٪ في عام 2017، مقابل ٢ ٪ في عام 2016، بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط بمعدل 23.3 ٪ بعد انخفاضھا بمعدل15.7%، وارتفعت إیرادات السیاحة لـ7.8 ملیار دولار مقابل 2.6 ملیار دولار نتیجة الاستقرار الأمني والسیاسي، وبذلك تراجع عجز میزان المعاملات الجاریة إلى 8.9 ملیار دولار في عام2017 مقابل 19.9 ملیار دولار في عام 2016، وھو ما یمثل 3.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقابل6.4%، واستمر العجز في التحسن لیسجل 1.9 ملیار دولار في الربع الأول من عام 2018 مقابل 3.1 ملیار دولار في نفس الفترة من عام 2017.
وبالنسبة لتطورات الأسواق المالیة العالمیة، فقد استمرت أسعار الفائدة عند مستویات منخفضة في الدول المتقدمة، وذلك على الرغم من تحول السیاسة النقدیة للولایات المتحدة الأمریكیة إلي رفع أسعار الفائدة تدریجیا منذ دیسمبر 2015، مما ساھم في زیادة تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة والاقتصادات النامیة، وعلي المستوي المحلي، فقد انعكس تحسن المؤشرات الاقتصادیة على تراجع مؤشر مبادلة مخاطر الائتمان للدیون المصریة، بمعدل30.2 ٪ لیسجل 315.7 نقطة في دیسمبر2017.
وعلى تحسن التصنیف الائتماني، تستحوذ مصر علي 25% من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبیة الموجھة لأفریقیا والشرق الأوسط خلال عام2017، حیث ارتفعت تدفقات استثمارات المحافظ في مصر إلي 23.8 ملیار دولار في عام 2017 مقابل 0.5 ملیار دولار في عام 2016، بینما سجلت تدفقات الاستثمار المباشر في مصر 7.4 ملیار دولار مقابل 8.1 ملیار دولار.
وقد أدت تلك التطورات إلى وفرة السیولة بالعملة الأجنبیة لدى القطاع المصرفي، لترتفع متوسط نسبتها الفعلیة إلى 73.5٪ في دیسمبر2017، مقابل 66.8٪ في دیسمبر2016، ولیسجل صافي الأصول الأجنبیة للقطاع المصرفي تدفقات للخارج بقیمة 9.5 ملیار دولار في دیسمبر 2017، مقابل تدفقات للداخل بقیمة 5.9 ملیار دولار في دیسمبر2016، وھو ما یعكس قدرة القطاع المصرفي على زیادة أصول، و خفض التزاماته بالخارج، وهو ما مكن القطاع من إتمام كافة الطلبات المعلقة في كل من تحویلات.
الشركات الأجنبیة وعملیات التجارة الخارجیة، وبالتالي تراجع صافي الاستثمارات الأخرى لینخفض فائض الحساب المالي إلى 23.3 ملیار، وحقق 10 دولار في عام 2017، مقابل 33.8 ملیار دولار في عام 2016، وحقق فائض 8.7 ملیار دولار في الربع الأول من عام 2018 مقابل 8.4 ملیار دولار في نفس الفترة من العام السابق.