يظل جثمان مصنع دمياط للألبان منتظرا ما تفعله به الأيام، يشهد على تاريخ ازدهار صناعة كانت الأشهر بدمياط لسنوات عديدة، بقاياه تروى لنا كيف احتلت دمياط مكانة كبرى بين دول العالم فى منتجات الألبان، الأمر الذى جعلها تتصدر قائمة البلدان المصدرة لمنتجات الألبان لعقود طويلة.
إدارات متعاقبة جميعها صنعت تاريخا، وآلاف الأيدى العاملة شاركت فى صنع هذا الصرح محققةً إنجازا قلما تجده مرة أخرى، ولكن للفساد رأى آخر، تدخلت رؤوس الأموال للإطاحة بهذا الكيان من أجل الانفراد بالسوق الخارجى، ربما كانت الدولة آنذاك لا تحتاج إلى ما يدره المصنع من مكاسب هائلة.
خطوات غير منطقية بدأت الدولة منتصف التسعينات فى اتخاذها حتى غلق المصنع بشكل مباشر بعد أن أغرقته الديون ليصبح ملكا للبنوك، منذ هذا الحين لم نسمع عن محاولة واحدة لإحياء هذا الجثمان ثانية، توقفت ماكيناته بشكل أبدى، وتسولت الأيدى العالمة عملاً آخر يقتاتون منه، وأمام تلك المشاهد ينتظر جثمان "مصنع ألبان دمياط" قبلة الحياة.
البداية حينما دخل أحد رجال الأعمال المشاهير فى مجال تصنيع الألبان، كانت وقتها المنافسة محسومة، ولما لا وقد تصدر منتج واحد فقط قائمة الأعلى مبيعا بأسواق الغرب كان وقتها منتج جبن يحمل اسم "الدمياطى" أحد المنتجات الأشهر بالأسواق الخارجية.
تمكنت قوى رأس المال بمعاونة السلطة وقتها من توقف خطوط انتاج كثيرة ومتعددة، بينما احتكر أحدهم مادة الفورمالين والتى تتدخل يشكل مباشر فى صناعة الألبان، بهذه الخطة تمكن النظم وقتها من محاصرة أبناء دمياط، شيئاً فشيئاً بدأت خطوات أخرى جميعها تصب فى مصلحة هؤلاء، فتح الأبواب أمامهم دون قيد للتصدير وكانت أبرز تلك المواقف هو قرار إعفاء صادرات دمياط من منتجات الألبان من الجمارك والصادر عام 89، أيضاً تسهيل استيراد المواد المستخدمة فى التصنيع.
مديرو البنوك: ننتطر الوقت المناسب لاستغلال أرض المصنع
كانت آراء مديري بنكي مصر والأهلى "الجهتان اللتان يمتلكان أرض المصنع حاليا"، أنهم ينتظران وقتا مناسبا لإعادة استغلال تلك المساحات والمقدرة بمئات الأفدنة، مؤكدين أن الثورات المتعاقبة على مصر ساهمت كثيرا فى عدم اتخاذ قرار واضح حيال الأمر، وأن هناك إجراءات سيتم اتباعها وفق سياسة البنك الأهلى صاحب الحظ الأكبر فى مساحات المصنع لإعادة استغلال تلك المساحات.
مؤسسة الرئاسة وأمل صناع الألبان في دمياط
ربما تمتلك مؤسسة الرئاسة قبلة الحياة لصناع الألبان بدمياط، خاصة بعد تسريب معلومات عن وضع ملف المصنع على طاولة الرئيس، وكشف مصدر مطلع أن هناك إجراءات يتم دراستها حاليا بغرض الاستفادة مرة أخرى من المصنع، واتجاه لإعادة المصانع المتوقفة لتدوير عجلة الإنتاج مرة أخرى.
وأكد المصدر الذى رفض ذكر اسمه، أن المصنع سيكون مشروع العام إذا انتهت الدراسة التى تجرى لإعادة استغلاله، موضحا أن دمياط ربما تنتظر قرارا مبهجا لهذا الشأن فى الفترة المقبلة.
محاولات لشراء المصنع
حاول بنك مصر عرض الأمر على بعض المستثمرين، للاستفادة من حصته بالمصنع، إلا أن باقى المساحة كانت عائقا أمام إتمام الثقفة، وأكد موظف سابق ببنك مصر، أن الصفقة كانت على وشك الانتهاء، ولكن عدم التوصل لاتفاق نهائى لبيع الأرض كاملة أجل الأمور، مشيرا إلى أن المبلغ كان مقدرا بـ 160 مليون جنيه، إلا أن الأمر توقف لعدم التوصل إلى اتفاق نهائى.
وأوضح المصدر، أن الدولة بدأت هى الأخرى تدرس الأمر لإعادة تشغيله، ما قد يكون سببا فى عدم سعى تلك البنوك للاستفادة من تلك المساحات بعد ذلك.
النائب محمد الزينى، وكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب ورئيس الغرفة التجارية بدمياط، قال إن الأمر يحتاج إلى جهات عليا للتدخل، مشيراً إلى أن القيادة السياسية تعلم جيداً مدى أهمية هذا المشروع فى تطوير الصناعة وتحقيق التطوير المنشود فى الأحوال الاقتصادية، موضحاً ان هناك مساعٍ حثيثة لإعادة استغلال المصنع مرة أخرى ولكن بعض الإجراءات تحتاج إلى دراسة جيدة.
وأشار "الزينى" إلى وضوح اتجاهات القيادة السياسية الحالية، لافتا إلى صعوبة اتخاذ قرار متسرع بخصوص مصنع ألبان دمياط دون دراسة حتى لا تأتى بنتائج عكسية.
وأنهى رئيس الغرفة التجارية حديثه قائلاً: إذا أردنا أن نستغل مساحات المصنع مرة أخرى، علينا التروى وتجميع كافة الخيوط لاتخاذ الإجراءات السليمة والقرار الصائب، ونحن كنواب برلمان لن نتأخر عن خدمة الدولة فى هذا الشأن.