"ميت الحارون" قرية بمركز زفتى كانت منبع صناعة وإعادة تدوير إطارات السيارات المستعملة، حالها اليوم كحال مئات القرى الفقيرة فى مصر، التي سقطت من حسابات المسئولين، فلا مرافق أو خدمات أو حتى حضور إعلامى.
في تلك القرية كانت إطارات السيارات يتم تجميعها، وتذهب بحمولات ضخمة إليها؛ لتبدأ رحلة إعادة التدوير، وتوظيف تلك الإطارات في صناعات كثيرة.
"أهل مصر" تزور قرية "الذهب الأسود" كما يطلق عليها السائقون، لتعرض حالها على طبيعته..
الطريق إلى القرية متهالك وأحادى، وعلى جنباته مزارع الموالح، ويتخلل تلك الحقول عجل الكاوتش فى كل حدب وصوب، حتى إن بعض سكان القرية استعملوه لعمل ديكورات أمام منازلهم، وزراعة الأشجار وتقسيم الشرفات لأحواض وزراعة النباتات العطرية داخل العجلات، والمفارقه المضحكة أن بعض الفلاحين صنع من فرد الكوتش عششًا لتستظل بها حيواناتهم ولجلوسهم هم أيضاً على غرار تلك المصنوعة من القش والبوص على ضفاف الترع، وكأن تلك المهنة تحولت لأسلوب حياة.
التقينا بالأسطى طه أبو جنة صاحب إحدى ورش تصنيع الكاوتش بالقرية، والذي قال: يبدأ عملى أنا ومن معى فى الورشة بمجرد استلام العجلة الكاوتش، سواء من الشركات الكبرى، التى تمتلك أسطول سيارات نقل، أو من ورش الفك والتركيب المنتشرة على الطرق السريعة، فالتعامل بيننا تبادلى، نستلم منه فردة الكاوتش المتهالكة والتالفة لإعادة تدويرها، ويشترى منا هو بعض المنتجات كالطاقية، وهى أحد منتجات الكاوتش المفرغ للحام عجلة تالفة بشكل جزئى. أما بالنسبة للكاوتش التالف وغير الصالح فيأتى للورشة، ويصل سعر الواحد لـ500 أو 600 جنيه على حسب الحالة.
وأضاف أبو جنة: نبدأ فى قص العجلة من المقدمة البارزة؛ لنخرج طبقة "البلستين"، أى الكاوتش الخام الخالى من الأسلاك، وتلك الطبقة تعود مرة أخرى للفرم والدخول لمصانع الكاوتش لصناعة عجل جديد أو لصناعة الجبيبات الكوتشية التى تستخدم فى ملاعب الكرة الخماسية، وتفرد تحت النجيلة الصناعية، يليها استخراج الأطواق السلك، وهى عبارة عن الحلق الضيق داخل العجلة، وبعد استخراج الطوق نبدأ فى سلخ الكاوتش من عليه، ونبيعه لمصانع الحديد والصلب، ويدخل فى صناعة خراطيم الرى والشفط وتكعيبات العنب.
وتابع: أما المرحلة التالية فهى الطاقية، وهى عبارة عن تفريغ العجلة من الخارج وإزالة كافة الأسلاك الداخلية منها؛ لتخرج في الشكل النهائى عباره عن بطانة داخلية للكاوتش التالف، حيث إن بعض السائقين يتعرضون لحوادث عارضة خلال عملهم على الطرق، ففى بعض الأحيان تخترق قطع حديد أو زجاج عجل السيارة وهى جديدة، فبدلاً من تغييرها أو خسارتها يذهب بها لورشة الفك والتركيب، ويضع بداخلها الطاقية، ويليها الشنبر كنوع من تدعيم الكاوتش، إلا أننى لا أنصح بها كثيرًا، فهى لا تصلح إلا أن تكون كاحتياطى بالسيارة ليس إلا؛ وذلك للحفاظ على حياة السائق والمواطنين.
والمرحلة الأخيرة هى "ضهاري السلك"، وهي الطبقة الخارجية التى تلامس الأسفلت، الطبقة المنقوشة، فتدخل المحارق، وبعد ذلك تخرج فى صوره أسلاك تباع لشركات الحديد والصلب والكاوتش؛ للدخول في الصناعة مره أخرى.
موضجًا أن هذه المراحل لكاوتش التريلات والنقل الثقيل والجرارات.
وتابع: أما بالنسبة للسيارات الملاكي، فالعجلة لا تحتوى على أسلاك؛ لذلك تستخدم فى بعض الصناعات الأخرى كصناعه السيور الكاوتشية و"المقاطف الكاوتشية" والتى يستخدمها عمال المعمار والمزارعون، وعلى حسب حجم العجلة يكون حجم المقطف، وتتراوح الأسعار ما بين 40 و60 و80 جنيه، ويأتى إلينا عمال اليوميات والفواعلية لشراء تلك المعدات لحمل الركام والتراب.
وعلى صعيد متصل يقول أحد العمال بالورشة: انتشرت بعض الأقاويل عن قيام الصنايعية وأصحاب الورش بإعادة حفر الكاوتش وإعادة تركيبه للسيارات على الطرق، إلا أن ذلك عارٍ تمامًا من الصحة، نحن فعلاً نقوم بحفر الكاوتش الصغير، لكن ليس للسيارات الكبيرة أو الملاكى، وإنما للعربات "الكارو"، فأسوأ ما قد يحدث لها هو أن تقف مكانها بدون أى خسائر أو إصابات. مؤكدًا: نحن نعامل ضمائرنا، ويجب نغيير كاوتش سيارات النقل كل 6 أشهر؛ لضمان سلامة السائق، فهو الآخر لديه أطفال وأسرة فى انتظاره.
وأشار إلى أن صناعه الكاوتش فى طريقها للاندثار، حيث إن بعض القنوات الشهيره والصحفيين نزلوا للقرية لسماع مشكلاتنا، إلا أنهم لم يعرضوا أيًّا مما قلناه، وأطلقوا الصيحات بأن القرية "صفر فى نسبة البطالة" ، وهو ما جعلنا جميعًا لا نريد التعامل مع الإعلام، فلا أحد يشعر بما نعانيه، فصاحب الورشة يضطر لدفع يوميات العمال من رأس المال؛ وذلك للحفاظ على عمله من ناحية وعدم رغبته فى قطع عيش أحد؛ لأن كل واحد منهم وراءه أسره والتزامات.
ولفت إلى أنه مع كل زيادة تفرضها الدولة على أسعار الوقود تقترب صناعة الكاوتش من الموت، حيث إن تلك التكاليف تضاف على النقل والشحن والحرق وغيرها من مراحل الصناعة، حتى إن الشركات لم تعد تتعامل بصورة منتظمة كالماضى، ففى بعض الأحيان كنا نسلم الشركات بالأجل، ونستلم مستحقاتنا على دفعات، إلا أنهم الآن غير قادرين على السداد.
وتناول أبو جنة أطراف الحديث مرة أخرى قائلاً: نعم العمال والورش تعمل يوميًّا، وتخرج إنتاجًا كبيرًا جدًّا، لكن كالعادةه ينتهى به الحال داخل المخازن، ففى الماضى كانت المخازن فارغة، فكل الإنتاج كانت تستلمه الشركات والمصانع، أما الآن نعمل فقط ولا نبيع ولا نشترى، والأسواق فى حاله كود، حتى المصدرون رفعوا سعر استلام الشنابر والكاوتش؛ مما جعلنا عاجزين عن تصريف المنتج خارجيًّا, أما بالداخل فتواجهنا نفس المشكلة، فأصحاب الملاعب الخماسية يجددونها بعد مدة طويلة، مما جعل الإقبال عليها بطيئًا، وكذلك مصانع الأحذية وارتفاع أسعار الوقود؛ مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج ، وسيأتى اليوم الذى نغلق فيه محال عملنا وتموت الصنعة.