استمرارًا لفعاليات المؤتمر العالمي الرابع للإفتاء الذي تقيمه دار الإفتاء المصرية، تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، عقدت الجلسة الخامسة بالمؤتمر تحت عنوان " ضوابط الإفتاء في المستجدات الاقتصادية ".
وترأس الجلسة الدكتور أبو بكر عثمان إبراهيم وزير الشئون الدينية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالسودان، وشارك في الجلسة الدكتور نصر فريد واصل – عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والشيخ محمد رفيع عثماني مفتي دار العلوم كراتشي، وفضيلة الأستاذ الدكتور ذو الكفل محمد البكري المفتي الفيدرالي لدولة ماليزيا، وفضيلة الأستاذ الدكتور مبارك الحربي عضو هيئة الفتوى في وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، وفضيلة الشيخ أبوبكر أحمد - الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بعموم الهند ورئيس جامعة مركز الثقافة السنية الإسلامية، كيرالا، الهند، وفضيلة الدكتور عمرو الورداني أمين الفتوى ومدير التدريب بدار الإفتاء المصرية
بدأ الدكتور نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف مفتي الديار المصرية الأسبق كلمته بتعريف المال فى اللغة العربية وفى الشرع والمال النقدى وغير النقدي.
وعن أهمية المال بالنسبة للإنسان قال د. واصل فهو مع الإنسان كالروح مع الجسد ولا غنى لأحدهما عن الآخر في شريعة الإسلام فهما صنوان ووجهان لعملة واحدة لا غنى لأحدهما عن الآخر في قبول هذه العملة بين الناس والاعتداد بها في معاملاتهم المدنية والتجارية.
وأردف د. واصل : تقسيمات المال عند فقهاء الإسلام متعددة أقسامه وأنواعه فهو إما عقار أو منقول أو مثلي أو قيمي أو متقوم أو غير متقوم فهو ينقسم عندهم باعتبار الثبات وعدمه إلى عقار ومنقول.
ولفت الدكتور واصل النظر إلى أثر هذا التقسيم عند الفقهاء تظهر في بيان أحكام منها حق الشفعة التي تثبت للشريك مع شريكه أو الجار مع جاره فهي لا تثبت في المبيع إلا إذا كان عقاراً أما المنقول فلا شفعة فيه إلا إذا كان تابعاً للعقار كما هو الحال في المباني التي فوق الأرض. وهذا مذهب جمهور الفقهاء، أما مذهب الإمام مالك فالشفعة تثبت للعقار وملحقاته ولو بعد انفصالها عنه.
وأشار د. واصل إلى أن سوق رأس المال أو البورصة من الأمور المؤسسية الفنية التي تركها الشارع الإسلامي للإنسان ليعمل عليها ويطورها بما يوائم حياته العصرية في البيع والشراء والعقود المالية المتعلقة بها ويدبر من خلالها كل أمور حياته المعيشية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، فالمؤسسة من الوجهة الشرعية لا يحكم عليها بالحل أو بالحرمة لأنها مجرد وعاء لما يدور فيها أو يتم من خلالها, وإنما الحكم بالحل أو الحرمة على ما يوضع فيها من حيث كونه حراماً وغير مشروع أو كونه حلالاً ومشروعاً ومحققاً لمصالح العباد الشرعية.
وأوضح د. واصل أن الأسواق المالية التى يدار الإقتصاد من خلالها تتعدد ومنها سوق السلع والخدمات وسوق المال والنقد وأسواق رأس المال، كما تتعدد أنواع سوق الأوراق المالية إلى أولية وثانوية.
واستعرض د. واصل أنواع الأوراق المالية القابلة للتداول في السوق وهى: الأسهم والسندات, والصكوك, وأذون الخزانة, وشهادات الإيداع البنكية, والمصرفية القابلة للتداول, والقبول المصرفي، وكذلك حكم التعامل في الصكوك والأوراق المالية العصرية في إطار الأحكام الشرعية والفتاوي العصرية، مع بيان مجموعة من الفتاوي الشرعية لدار الإفتاء المصرية في التعامل بالصكوك والأوراق المالية.
وختم فضيلته كلمته بأهم نتائج البحث المقدم للمؤتمر ومنها أسهم الشركات الأسمية غير المختلطة والسندات الحكومية وأذون الخزانة والصكوك الشرعية كلها مشروعة والصكوك والأوراق المالية التي يتم تداولها في البورصة وسوق الأوراق المالية بالبيع والشراء عمل مشروع ومباح عند عامة العلماء والفقهاء والمفتين للديار المصري حالياً وسابقاً، وكذلك السندات غير الحكومية هي سندات قرض بفائدة محددة ثابتة زيادة على أصل الدين وبذلك نرى فيها شبهة الربا وعدم مشروعيته من الناحية الشرعية الإسلامية ومعنا جمهور الفقهاء والعلماء والمفتين.
من جانبه قال الدكتور ذو الكفل بن محمد البكري مفتي الولايات الفيدرالية الماليزية إن الإسلام نهى عن أكل الربا والوقوع فيه, وقد نهى أيضاً عن الغرر وخداع الناس, وأخبر أن من غش المسلمين فليس منهم, فالمعاملات التي تحمل في طياتها نوعاً من الغرر أو الغش أو الخداع للمساهمين والمشاركين يُدخلها في هذا الباب المنهي عنه, وقد اتسمت الشريعة بنصاعة تعاملاتها وتمييزها بشروط واضحة مثل تجارة الذهب بالذهب والفضة بالفضة, التي اشترط فيها الحضور للمتعاقدين بالمجلس ولو حكماً, والقبض الفوري ونقل الملكية المالية بعد كل صفقة دون أي تأخير أو تأجيل يدخلها في باب المخالفات الشرعية.
ولفت د. البكري النظر إلى أنه قد انتشر في السنوات القليلة الماضية ظاهرتان اقتصاديتان اختلف أهل العلم في حكمهما وهما التسويق الشبكي, والفوركس والموضوعان منفصلان في الكيفية والإجراء.
وأضاف فضيلة الدكتور البكرى: إن علماء الأمة اختلفوا في هاتين المسألتين إلى فريقين: الأول, أفتى بجوازهما شرعاً لما انطوتا عليه من توسعة على الناس وإتاحة الفرص لهم لاقتحام السوق والتربح, وخاصة أصحاب رؤوس الأموال الضئيلة, وعدم احتكار التجارة لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة, وعودهما بالنفع على الراغبين في التجارة بتلك التجارب الجديدة المغرية, وأفتى أصحاب الرأي الثاني بحرمتها لمخالفتها الشريعة الإسلامية, لما يشوبها من مخالفات قوية تمنعها الشريعة الإسلامية ومقاصدها, حيث تضمنتا الغرر الذي يؤدي إلى كوارث, ويتسبب في هلاك أموال المغرر بهم, وكذلك وقوع بعض المعاملات في تلك المنظومة داخل إطار المال الربوي المحرم, وفقدانها لشروط بعض هذه المعاملات مثل التوقيت والحضور في العقد.
وأشار الدكتور البكري إلى إنه من الصعب أسلمة هذه المعاملة أو تطويرها وصبغها بصبغة إسلامية لما تنطوي على مخالفات وموانع شرعية كثيرة تنقلها من حيز أصل الإباحة إلى حيز المنع والحرمة, وإن تم إلغاء بعض الفوائد فقوبلت بارتياح من قبل شريحة واسعة من رجال الأعمال المسلمين وشباب أمتنا, ستظل الموانع والمحاذير راسية ومتربعة فيها في قاعها في خفاء, وهذه مسؤولية أهل العلم وفقهاء الأمة في توعية الناس وإرشادهم إلى ما يرضي الله عز وجل.
وختم الدكتور البكري كلمته بعدة توصيات منها أنه يجب على الجهات المسؤولة أنواعها وأقسامها في الدول المعنية بالأمر النظر بروح الجدية والحرص الشديد على تحفيز رجال الأعمال والصناعات والزراعات من خلال المشروعات الإنتاجية المجدية, والتجارة الصحيحة المربحة التي تستخدم رؤوس الأموال بدراسات جدوى وخبرات ثاقبة, وتدر أموالاً وأرباحاً بطريقة صحيحة, تنهض بالفرد والمجتمعات, وأن تحارب كل ظاهرة يثبت خبثها وتلاعبها بالاقتصاد والشرع ومشاعر وأحلام الناس.
وقال الدكتور مبارك الحربي عضو هيئة الإفتاء في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت إن التطور في التبادل التجاري كان نتيجة لتجدد الحاجات, واختلاف الأزمان , وتباعد الأماكن , وتبدل الأعراف ,حتى وصل الحال إلى ما نحن عليه الآن من استحداث نقود يسهل حملها , وحفظها , وتحويلها وهذا شأن المعاملات المالية قديماً وحديثاً , تبدأ فكرة بسيطة ثم تتطور شيئاً فشيئاً ، ومن هذا المنطلق لم ينص الشارع على كل مسألة مالية بعينها ؛ لأن النصوص محدودة , والمستجدات المالية غير معدودة , فجعل الأصل في التعامل الإباحة , وبذلك سايرت الشريعة كل تطور مالي , ولم تتأخر يوما عن إيجاد الحلول الشرعية لمعضلات المستجدات الحالية , وظل الفقه الإسلامي يحمل راية هذا التجديد وفق ضوابط وشروط حددها أهل العلم.
واستعرض د. مبارك الحربي مفهوم النوازل لغة واصطلاحًا، ثم بيّن تاريخ تدوين النوازل، كما عرض لأهم خصائص مؤلفات النوازل الفقهية مؤكدًا على أن مؤلفات النوازل الفقهية تتميز بعدة خصائص لا يشاركها فيها غيرها من الفنون الأخرى.
وأضاف دكتور الحربي أن من أهم خصائص النوازل الفقهية التجدد المستمر الذي لا يقف عند حد ذلك أن لكل نازلة زمانها ومكانها ومصالحها ومفاسدها , مع اختلاف أحوال المكلفين وبيئاتهم ، ويعد التجدد المستمر للنازلة الفقهية هو الوجه المشرق للفقه الإسلامي الذي يواكب حياة الناس واحتياجاتهم .
ولفت الدكتور الحربي النظر إلى شروط يجب توافرها في الناظر للنوازل المستجدة وخاصة المالية المعاصرة، كما بيّن مراحل النظر في النوازل المالية المعاصرة، والتي لا تكون إلا ممن استجمع الشرائط المقررة في باب الاجتهاد، فيشترط في جواز فتواه وقبولها شروط في غاية الدقة نظر اً لصعوبة المهمة.
وأشار الدكتور الحربي إلى طرق وكيفية بحث النازلة من فتاوى الصحابة ومن التابعين وما بعدهم من الفقهاء، ومن خلال الفتاوى الفقهاء المدونة، ومن خلال الاستفادة من قرارات المجامع الفقهية.
وعرض الدكتور الحربي لأهم النتائج منها التأكيد على لزوم منهج الفقهاء النوازليين القدامى في النظر في النوازل المستجدة، ولا يعني ذلك صلاحية اجتهاداتهم للأزمان التي تليهم، فلكل زمان ظروفه فإن النوازل تختلف باختلاف الأزمان والأماكن والعادات والبيئات والأفراد والجماعات.
واختتم الدكتور الحربي كلمته بعدة توصيات منها الاهتمام بدراسة المزالق الفقهية المتعلقة بمنهجية النظر في تحقيق مناط النازلة، وإنشاء أقسام علمية في كليات الشريعة تعنى بدراسة النوازل، وطرائق النظر فيها حسب ما تقتضيه مستجدات العصر، مع إعادة صياغة الفقه المالي صياغة اقتصادية معاصرة من حيث المصطلحات والتمثيل , والتقسيم , وملاءمة الواقع وتطبيقاته .
وقال فضيلة الشيخ أبوبكر أحمد الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بعموم الهند إن الافتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل لان المفتي وارث الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطأ ولهذا قالوا المفتي موقع عن الله تعالى: عن ابن المنكدر قال العالم بين الله تعالى وخلقه فينظر كيف يدخل بينهم. وعن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة.
واستعرض فضيلة الشيخ أبو بكر معنى مفهوم الإفتاء وأركان الفتوى وأهميتها وشروط المفتي، محذرا من الفتوى بغير علم لأنها تتضمن الكذب على الرسول (صلى الله عليه وسلم ).
وشدد فضيلة الشيخ أبو بكر على خطورة التساهل في الافتاء وترك التقيد بآراء العلماء وطريقهم يؤدي الي التطرف والارهاب والبدعة والضلالة. فعلى المفتي أن يحقق المسألة كما حقق السلف الصالح قبل الافتاء والكتابة
وختم الشيخ كلمته بقوله على المفتي ألا يذهب بالمستفتين مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال. والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة بلا إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموما عند العلماء الراسخين.