شهدت الفترة الماضية تطورًا كبيرًا للاقتصاد المصري، نظرًا للإجراءات الإصلاحية التي تنفذها الحكومة خلال المرحلة الحالية، منذ قرار تحرير سعر الصرف، والتي نالت استحسان جميع المؤسسات الاقتصادية العالمية.
واتخذت الحكومة المصرية قرار تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي بالحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، حصلت مصر على نحو 8 مليار دولار منه حتى الآن، وتسعى للحصول على الشريحة الخامسة بقيمة 2 مليار جنيه في ديسمبر المقبل، وفقًا لتصريحات وزير المالية، فيما تزور بعثة صندوق النقد الدولي مصر خلال الشهر الجاري، من أجل مراجعة البرنامج الإصلاحي التي تنفذه الحكومة.
وتبرز في الأفق عدد من المؤشرات التي تدل على تحسن الاقتصاد المصري، وأن الفترة المقبلة ستشهد نموًا كبيرًا في الاقتصاد، حيث أكد صندوق النقد الدولي في أحدث دراسة له، أن معدل وتيرة نمو الاقتصاد المصري تبلغ أكثر من ضعف نسبة المتوقع لمنطقة الشرق الأوسط. وترصد «أهل مصر» أبرز هذه المؤشرات فيما يلي:
تقرير صندوق النقد الدولي:
رفع صندوق النقد الدولي صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي عن مصر توقعاته لأداء الاقتصاد المصري، وتوقعاته بخصوص معدل النمو والذي أكد أنه سيرتفع إلى 5.3 % خلال 2018، ويسجل 5.6% خلال 2019. وهو ما فسره العديد من الخبراء الاقتصاديين، بأن ذلك لا يعني سوى أن الاقتصاد المصري خرج من النطاق الخطير، ويسير نحو الاتجاه الصحيح.
وقال الخبير الاقتصادي، رشاد عبده، إن برنامج الإصلاح التي تنفذه الحكومة، والتي اتخذت من أجله العديد من الإجراءات الصعبة خلال المرحلة الماضية، يشهد تحركًا كبيرًا وفقًا لما أعلنته العديد من المؤسسات المالية العالمية، والتي كان آخرها تقرير صندوق النقد الدولي، بشأن زيادة توقعاته للاقتصاد المصري، والتي تعد بمثابة شهادة جديدة لجذب مزيد من الاستثمارات خلال الفترة المقبلة، وطمأنينة للمستثمرين الحالين.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن الخطة التي تم إعلانها من قبل الحكومة، بشأن الوصول لمعدلات نمو نحو 5.3 % خلال العام المالي الجاري، تسير بشكل جيد، وشهدت تحركًا مميزًا من جانب القيادة السياسية، من أجل جذب الاستثمارات، عن طريق العمل على التواصل مع مختلف الشركات العالمية، وتقديم مزايا تحفزية من أجل استقبال استثمارات جديدة، خلال المرحلة المقبلة.
من ناحية أخرى أكد محمد الشوادفي الخبير الاقتصادي، أن الحكومة تسعي خلال المرحلة الحالية للاستثمار في رأس المال البشري، من أجل التأهيل والتطوير لكي يتواكب مع الإجراءات الاقتصادية التي يتم اتخاذها من قبل الحكومة المصرية خلال السنوات المقبلة.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن مؤشرات الأداء التي تم تنفيذها تدل على أن الوضع الاقتصادي تغير، وهو ما أدى بالضرورة لرفع صندوق النقد لمعدلات النمو، بنحو 5.3% في 2018، و5.5% العام المقبل، ونحو 6% حتى 2023، والتي من خلالها يتم زيادة فرص العمل، من أجل تقليل معدلات البطالة لنحو 9.9% العام المقبل بدلًا من 9.10% العام الجاري.
سندات دولية بغير الدولار واليورو
وتسعى الحكومة المصرية خلال المرحلة الحالية، لطرح سندات دولية بعملات غير الدولار واليورو، من أجل جذب مزيد من الاستثمارات خلال الفترة المقبلة، حيث قام وزير المالية الأسبوع الماضي بجولة أسيوية من أجل جذب عدد من الدول الأسيوية للمشاركة في السندات الدولية، حيث قام خلالها بالترويج بعدد من الدول مثل سنغافورة واليابان وماليزيا وبعض الدول الأخرى.
وطرحت مصر ملياري يورو من إصدار سندات في أبريل، وهو أول إصدار لها بالعملة الأوروبية الموحدة، وأعلن الدكتور محمد معيط وزير المالية، أن الوزارة تدرس حاليًا طرحها سندات دولية بعملات أخرى، من أجل التغلب على أزمة سد عجز الموازنة خلال العام المالي الجاري، ولمساعدة الدولة في برنامجها الإصلاحي، ولإعادة هيكلية الدين المصري، وسداد جزء من المستحقات المالية لها، مؤكدًا أنه سيتم طرح سندات دولية بعملة اليورو الأسبوع المقبل، لم يتم تحديد قيمتها بعد.
من جهتها قالت رضوى السويفي، رئيس قسم البحوث بشركة «فاروس» القابضة للاستثمارات المالية، إن أزمة الأسواق الناشئة على الاقتصاد المصري، لم تكن كبيرة على السوق المصري، كما يتم الترويج لها، مشيرة إلى أن تقرير صندوق النقد الدولي حول معدلات النمو، يعتبر وسيلة جيدة للحكومة أمام المؤسسات المختلفة، أثناء الترويج للسندات الدولية.
وأوضحت السويفي، أن استمرار استقرار الجنيه المصري خلال الفترة الماضية ساهم في زيادة أمان للمستثمرين والراغبين في زيادة استثماراتهم داخل الاقتصاد المصري، وطمأنهم على الاقتصاد المصري، ما أدى لزيادة عدد من الشركات العاملة داخل السوق المصري لاستثماراتهم، خلال المرحلة الماضية.
تنمية سيناء
تعتبر تنمية سيناء أحد أهم المشروعات القومية التي تركز عليها الحكومة المصرية خلال الفترة الحالية، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، من خلال جذب مزيد من الاستثمارات خلال الفترة المقبلة، وتسعى وزارة الاستثمارات للحصول على نحو مليار دولار من البنك الدولي لتنمية سيناء، عن طريق إقامة عدد من المشروعات العمرانية، وإنشاء شبكة طرق مع باقي محافظات الجمهورية، كما بحثت مع نائب مساعد وزير الخزانة الأمريكي دعم تنمية سيناء، وزيادات الاستثمارات هناك.
وتستهدف الحكومة الحصول على نحو 5 مليارات دولار لتنفيذ البرنامج القومي لتنمية سيناء، للقضاء على الإرهاب، عن طريق الحصول على 4 مليارات دولار من صناديق التمويل العربية، ومليار دولار من البنك الدولي، من خلال الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والصندوق الكويتي للتنمية، والصندوق السعودي، وصندوق أبو ظبي، وتضمن الخريطة الاستثمارية بسيناء التي أعلنت عنها وزارة الاستثمار، على نحو أكثر من 100 فرصة استثمارية في قطاعات البنية التحتية، والزراعة، والصناعة، والسياحة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما تضم إنشاء مينائي الطور والعريش، ومحطات لتحلية المياه، ومحطات كهرباء، وإنشاء جامعة الملك سلمان في الطور، وعدد من الطرق والمدارس.
وأعلنت الحكومة المصرية عن إنشاء عاصمة اقتصادية جديدة بسيناء، بمدينة سلام، والتي تم وضعها ضمن خطة الحكومة لعام 2022، والتي من خلالها يتم إنشاء ميناء تجاري ومطار دولي، ومنطقة صناعية حرة، بجانب عدد من الأحياء السكنية، ومركز للتجارة والأعمال يضم شركات وبنوك عالمية، وتسعى الحكومة المصرية للانتهاء من تنفيذ المشاريع الممولة من الصناديق العربية لمشروع تنمية سيناء، بإجمالي 2.5 مليار دولار، للحصول على تمويلات إضافية العام المقبل، كما تسعى لإقامة 7 تجمعات زراعية، و5 محطات لتحلية المياه، وتطوير ميناء الصيد البحري بالطور، وإقامة عدد من المناطق الاستثمارية، وتطوير طريق عيون «موسى – شرم الشيخ».
من جانبه قال الخبير الاقتصادي خالد الشافعي، إن تنمية سيناء، واحدة من المشروعات القومية التي تسعى الحكومة لتنفيذها وفقًا لمخططات زيادة فاعلية الاقتصاد الوطني، وللوصول لمعدلات النمو المطلوبة، باعتبارها أحد المناطق الاستيراتيجة المهمة، حيث يقع بها محور قناة السويس، والذي يقام بجواره العديد من المشروعات العمرانية والصناعية والتجارية.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن خطة تنمية سيناء، تعني تحرك استراتيجي مهم، لما لها من مكانة كبيرة وموقع جغرافي مميز، تختلف عن باقي مناطق الجمهورية، كما أنها تمتلك العديد من المناطق السياحية المميزة، والتي تستجلب العديد من السياح من مختلف دول العالم، ويحتاجون لمزيد الخدمات، بجانب خطة الحكومة التي تسعي لتنفيذها، وإقامة العديد من المناطق الصناعية، والتي من بينها المدينة الروسية، ومدينة صناعة السيارات، والمدينة الأسبانية، وغيرها من المدن الصناعية.
بدائل استيراد البترول
وتركز الحكومة المصرية خلال المرحلة الماضية على تقليل مخاطر ارتفاع سعر البترول، وتأثيره على الموازنة العامة للدولة، باعتبار ارتفاع سعر برميل النفط لنحو 86 دولار، بدلا 67 دولار وفقًا لموازنة العام الحالي، باعتباره أحد التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري، خاصة في ظل استيراد مصر لنحو 30% من احتياجاتها الشهرية، بنحو 800 مليون دولار شهريًا.
وحدثت خلال العام الماضي، أزمة مع شركة أرامكو السعودية بسبب بعض المواقف السياسية لمصر، والتي عن طريقها تم وقف توريد البترول لمصر، وتعد زيارة رئيس دولة تتارستان لمصر ذات أهمية كبري للبحث عن بدائل لاستيراد البترول، باعتبارها أحد الكيانات الفيدرالية التابعة لدولة روسيا، والتي تتميز بإنتاجها النفطي، والذي يسجل 32 مليون طن من النفط الخام سنويا، وتحتل المرتبة السادسة في روسيا من حيث حجم استخراج البترول، باحتياطي أكثر من مليار طن.
وجاءت تصريحات وزير المالية، لتؤكد على أن الحكومة المصرية تسعى لتأمين واردتها النفطية عن طريق توقيع اتفاقيات، وهو ما يكشف عن نية الحكومة للبحث عن بدائل لاستيراد البترول، وبلغ حجم استهلاك مصر من المنتجات البترولية والغاز الطبيعي العام الماضي نحو 78 مليون طن، مقابل 75.2 مليون طن خلال العام قبل الماضي.
وقال محمد سعد الدين، رئيس جمعية مستثمري الغاز، إن مصر تسعى لتقليل واردات المواد البترولية خلال المرحلة المقبلة، والتي تسجل نحو 30% من الاحتياجات الشهرية، من أجل سد الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، من خلال الاكتشافات الجديدة، مشيرًا إلى أن حجم الاستهلاك من المواد البترولية بلغ نحو 82 مليون طن سنويًا، بإنتاج يصل لنحو 67 مليون طن.
وأوضح أن مصر تستورد موادًا بترولية، بقيمة 7 مليارات دولار سنويًا، وفقًا لبيانات وزارة البترول ما أدى لوجود أزمة بسبب ارتفاع سعر برميل البترول خلال الفترة الماضية، وسبب أزمة كبيرة في موازنة العام الجاري، وتبحث الحكومة توفير بدائل لسد العجز.
وقال رمضان أبوالعلا الخبير البترولي، إن تأمين احتياجات مصر من البترول لمدة عامين وفقًا لتصريحات وزارة المالية، يرفع من حجم المخصصات المالية للدولة تجاه توفير احتياجاتها البترولية، مشيرًا إلى أن إجراءات الحكومة تبدو جيدة نحو زيادة إنتاج البترول والغاز من أجل تقليل حجم الاستيراد، ولكنها لا تكفي خلال الفترة الحالية.
وأوضح الخبير البترولي، أن تذبذب أسعار البترول خلال المرحلة الماضية، هو ما دفع الحكومة لاتخاذ مثل تلك الإجراءات، وتوجهها نحو وجود تحوط لتأمين احتياحتها، مشيرًا إلى أن أسعار النفط لا يحكمها قواعد العرض والطلب العالميين على البترول، ولكن الظروف الاقتصادية والأزمات العالمية هي المتحكم الرئيسي فيها، لافتًا إلى أن توجه الحكومة يعني تحسن الظروف الاقتصادية خلال المرحلة الحالية، نتيجة للإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي نفذتها الحكومة.
ويتوقع العديد من الخبراء ارتفاع سعر شراء خام برنت مقابل 90 دولارًا للبرميل بنهاية أكتوبر المقبل، نتيجة للحرب التجارية الدائرة حاليًا بين عدد من الدول الكبرى، وفرض عقوبات على النفط الإيراني.