3 ملايين ونصف راكب لخطوط مترو القاهرة يوميًا، عدد قابل للازدياد الدائم، رغم زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق في الآونة الأخيرة، ذلك العدد الضخم من البشر مثل فرصة سانحة ولقمة سائغة للباحثين عن المال والعاطلؤن عن العمل وحتى المتسولين، جميعهم وجدوا في المحطات "تحت الأرض" ملاذًا آمنًا ومصدر جيد للرزق، يضايقون الركاب تارة، وتارة أخرى يتعرضون لمضايقات رجال الأمن.
يعانى مترو القاهرة بالفترة الأخيرة من عدد من المشكلات المتشابكة إلى درجة التعقيد مما جعل حلها يحتاج لسنوات من القرارات الصائبة والتطبيق الملحوظ، فرغم وصول سعر تذكرة المترو إلى 7 جنيهات لتحسين الخدمات بشهر مايو إلا أنه قد مر على ذلك 4 أشهر دون أي تغير ملحوظ مع الأخذ فى الاعتبار بأن التحسن لن يكن بين ليلة وضحاها، لكن لا توجد أي مؤشرات على التحسن.
تحولت محطات المترو إلى منافذ تجارية لبيع المنتجات الرديئة بأسعار تناسب راكب المترو وتباينت المنتجات من سماعات هاتفية إلى ملابس وأدوات تجميل وإكسسوارات نسائية والروايات السوقية، ولا مانع من بعض المنتجات الغذائية المنتهية الصلاحية وتختلف المنتجات بالتزامن مع المواسم المصرية.
تقول "نادية" ذات الثلاثين عامًا التى اعتادت بيع "الحلى والإكسسوارات الصينية" داخل عربات المترو إنها تم الإمساك بها أكثر من مرة وتجريدها من بضاعتها.. "لو كنت لقيت مهنة تانية كنت اشتغلتها وريحت نفسي بدل ما أنا حاسة أن بهرب آثار".
أما "عم محمد" البالغ من العمر 65 عاما استنكر ما يؤخذ ضدهم من إجراءات، وعقب: "كان من الأولى أن تبحث الحكومة على الناهبين البلد وليس على أشخاص تشقى حتى لا تطعم أولادها من حرام".
البيع داخل عربات المترو له قوانينه الخاصة، فالأمر معقد جدا ويلزم أن يصرح لك بذلك من "المعلم فرحات" الذي يعد كبير محتكرى عربات المترو فكل خط له محتكر وكل محتكر له بائعين يوزعون على عربات المترو بشكل منتظم فإذا تجاوز أحدهم وقام بالبيع فى محطة محتكر آخر ربما يتعرض لأذى كبير ومن المؤكد لا يستطيع أحد البيع دون أخذ إذن ذلك المحتكر بل وأخذ البضاعة منه أيضا، فالأمر برمته قائم على البلطجة ولكن إذا تم القبض عليك فتلك مشكلتك وحدك.
قضى "عبد الرحمن" البالغ من العمر 14 عامًا سنة ونصف داخل محطات المترو نائما عاملا بعرباته بعد هروبه من سطوة زوجة الأب التى لم تكف عن ضربه وإهانته وطرده من منزل ابيه، فقرر أن يترك لها المنزل والمحافظة بأكملها فترك المنيا وجاء للقاهرة محاولا العمل ليكسب فقط ما يشبع معدته الصغيرة، ولكنه لم يجد سوى التعنيف والطرد من أصحاب المحال فور علمهم بهروبه من منزله فلم يجد أمامه سوى "مؤمن" 16 عاما يصاحبه فى النوم داخل عربات المترو وهو الذى عرفه على "المعلم" وعلمه كيفية بيع المناديل الورقية لينهى يومه بالعودة للمعلم ليعطيه ما كسبه طيلة اليوم ويأخذ فقط ما يكفى عشاء وفطورة لليوم المقبل.