قصة "أبو مكة".. تحدى الإعاقة والإحباط ونظرات الشفقة (صور)

إن فقدان جزء أو عضو من الجسم لا يعني الإعاقة، بل الإعاقة الحقيقية هي النظرة الضيقة والتفكير المحدود، الذي يجعل صاحبه مكبل الأغلال، فاقدا للإرادة، التي تجعله يصمم على ما يريد، فيصبر على ما يواجهه من عقبات في سبيل الوصول إلى هدفه، لذا نستطيع القول بأنه لا يوجد إعاقة مع الإرادة، ذلك لأن الإرادة القوية تولد الإصرار على النجاح وكره الفشل، وإلا لما كان لدينا نماذج مشرفة لعلماء وفنانين وأدباء، ممن تحدوا الإعاقة؛ فبرعوا في تخصصاتهم المختلفة، مثل "طه حسين، مصطفى الرافعي، بيتهوفن، روزفلت" وغيرهم الكثير.

وإذا غُصنا في أعماق قصة كل شخصية من هذه الشخصيات، لنعرف كيف تغلبت على واقعها وصنعت مستقبلها، سنجد قصص عديدة وحكايات مختلفة، لكن القاسم المشترك بينهم جميعا هو الإرادة والإصرار والعزيمة؛ لذا استحقوا أن تحفر أسمائهم في التاريخ بحروف من ذهب، ونظرا لأن الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، قد أعلن 2018 عام ذوي الإحتياجات الخاصة، إلتقت كاميرا " أهل مصر"، مع أحد هذه النماذج المشرفة. 

"بالصبر وحنكة الرد وصلت.. وذلك وسط كمية كبيرة جدا من الإحباط"، بهذه الكلمات بدأ الكابتن محمد سعد حسن زيد، 30 سنة، من مركز بسيون، الحاصل على ليسانس أصول الدين والدعوة قسم العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، لاعب منتخب مصر للكرة الطائرة جلوس، ولاعب نادي الحرية ببورسعيد، حديثه لكاميرا "أهل مصر" قائلا: "ولدت في ذكرى المولد النبوي الشريف، وقت صلاة الفجر، حيث الابتهالات الدينية التي تتغنى بإسم المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لذا أطلق على والدي إسم "محمد"، وذلك رغم عزمه على تسميتي "حسن" على إسم جدي، وأراد أن يجعلني من أهل القرآن محتذيا بالحبيب المصطفى". 

وتابع الكابتن محمد قائلا: "كان أول تحدي في حياتي، عندما بدأت أحفظ القرآن الكريم - بالتجويد - وعمري 3 سنين، ونجحت فيه عندما ختمته وعمري 11سنة، وكنت قد إلتحقت بالمعهد الديني الإبتدائى في عزبة "أبو شنب"، وبدأ معه تحدي آخر، حيث كان المعهد يبعد عن المنزل 5 كيلو متر تقريبا، وكان لابد أن أقطع كل هذه المسافة وحيدا، مستعينا بدراجتي، وخلال هذه الفترة لم يكن هناك مايعرف بفصول الدمج - حتى بعد أن تخطيت المرحلة الإبتدائية والتحقت بمعهد الإعدادي والثانوي - لذا كنت كأي طالب طبيعي ، لكن الفرق الوحيد أنني كنت اضطر لتغيير ملابسي مرتين في اليوم - بمساعدة والدتي - نظرا لانها كانت تتسخ بسبب أن فصلي كان بالدور الثالث، فكنت أصعد السلم إما قبل زملائي ب 10 دقائق أو بعدهم، وكذلك في النزول".

أضاف محمد سعد، أنه بعد تجاوزه لهذه المرحلة -الإعدادي والثانوي- بدأت مرحلة جديدة وتحدي جديد في حياته، وهي مرحلة الجامعة والرياضة معا، مشيرًا إلى أنه قبل أن يصل إلى هذه المرحلة، كان كأي طفل يذهب إلى الجيم "الصالة الرياضية"، ليقوي عضلاته، ونظرا لأنه نشأ على الحرية والإعتماد على النفس وحب التحدي والمثابرة، وعدم الانطوائية أو التبعية، كان يلعب جميع الألعاب المناسبة وغير المناسبة له "ككرة القدم، الكاراتيه، رفع الأثقال"، وذلك حتى نصحه فتحي الحشاش المدير السابق لإدارة الشباب والرياضة بمركز بسيون، بالتوجه إلى إستاد طنطا؛ ليتخصص في لعبة مناسبة له ويخرج فيها جميع طاقته، وكذلك يحقق من خلالها الطموح الذي يصبوا إليه.

وأوضح "سعد"، أن انتقاله للسكن بطنطا، خلال فترة الجامعة، ساعده كثيرا في إستكمال مشواره الرياضي والإلتحاق بإستاد طنطا، لمواصلة مشواره، حيث تخصص في ألعاب القوى "جلة- قرص"، وكان مدربه آنذاك هو الكابتن محمد مبروك، كما كان يلعب- إلي جانب ألعاب القوى- الكرة الطائرة كهواية.

كان التحاق محمد سعد، بألعاب القوى بإستاد طنطا، خلال هذه الفترة، بمثابة فاتحة خير عليه، حيث حصل على المركز الأول على الجمهورية، وانتقل للعب بأندية كبيرة كـ"الإنتاج الحربي، إتحاد الشرطة"، كما فاز بـ"50 ميدالية" محلية مابين الذهب والفضة، بلعبتي الجلة والقرص، علاوة على أنه قد مثل مصر في تصفيات كأس العالم بالإمارات، ولكن "يافرحة ماتمت"، استبعد محمد، من المنتخب لأسباب تتعلق بتصنيفه الطبي أثناء تواجده بالإمارات، وبذلك ضاع حلمه في المشاركة بأوليمبيات لندن 2012؛ فترك هذه اللعبة نظرا لكرهه الفشل، ولكن لم تنتهي رحلة طموحه إلى هذا الحد.

فقد واجه "سعد" العديد من الصعوبات بعد قراره بالانسحاب من "ألعاب القوى"، وكان يلمس لغات كثيرة من المحيطين به، منها الشفقة والعطف، ومنها الإحباط والاستسلام للأمر الواقع، لكنه وسط كل هذه اللغات كان له شعار واحد، جعله يتغلب على جميع المحيطين به ولا يسمع سوى صوت طموحه.

"إذا أساء إلى موجود ، محته ذاكرتي من هذا الوجود؛ فلا أشعر أنه موجود"، بهذه الكلمات رد محمد سعد، على كل صوت أحبطه أو أظهر له نوع من الشفقة، وبذلك بدأ تحدٍ جديد في مشواره الرياضي، حيث قال: "لم تربكني أو تهزني مصمصة شفايف المحيطين بي أو حتى نظرات شفقتهم على وضعي، بل صنعت من الأزمة شعاعا من النور، أضاء لي المستقبل، وفتحت طريقا آخر لنفسي؛ فتحولت من لعب الكرة الطائرة - لعبة جماعية - كهواية إلى الإحتراف بها، وتحقيق ماعجزت عن الوصول إليه بألعاب القوى". 

وتابع محمد سعد قائلا : "لقد حققت نجاحا كبيرا في هذه اللعبة ليس على مستوى مصر فقط، بل العالم، حيث أحرزت على المستوى المحلي ' 40 ميدالية ' مابين ذهب وفضة ، بالإضافة إلى 2 كأس أفضل لاعب على مستوى الجمهورية، علاوة على مشاركتي في بطولة رواندا 2015 بأفريقيا، وحصولي على الميدالية الذهبية، وكذلك حصولي على الميدالية الذهبية ببطولة إيطاليا 2016، والميدالية البرونزية في بطولة كأس العالم للقارات بالصين 2016، وأخيرا الفوز بالميدالية البرونزية في بطولة دورة الألعاب الأولمبية' ريو دي جانيرو' 2016. 

أضاف محمد سعد: "أن الدافع وراء تحقيقي لهذه الميداليات ليس حبي للتحدي فقط، بل رؤية رأتها أمي لي في صغري؛ فكانت بمثابة حافز يدفعني للنجاح والوصول للقمة، حيث قالت لي يوما، لقد شاهدتك في منامي تقف على قدميك كأي شخص طبيعي، وكنت أطول واحد بالموجودين".

كما قال: "إن مقولة وراء كل رجل عظيم إمرأة، مقولة صحيحة تماما، فقد أكرمني الله بزوجة صالحة، كما أكرمني بفتاة جميلة سميتها مكة، تأثرا بالعالمي محمد صلاح".

واختتم 'محمد سعد' حديثه لـ "أهل مصر"، مناشدًا الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بتفعيل قانون ذوي الإعاقة الجديد لعام 2018، بأن تعتمده اللائحة التنفيذية، بكافة بنوده التي صدق عليها الرئيس واقرها مجلس النواب، مما سيساهم في حل جميع المشكلات التي تواجه ذوي الاعاقة، سواء الخاصة بسبل الاتاحة أو حتى الخاصة بالتعيين ' الـ 5% ' ؛ فلا ينتهوا من مرحلة التعليم ليصطدموا بواقع أليم، وهو عدم توفير وظائف لهم، بالرغم من أن منهم من يعول أسرة.

كما طالب الكابتن محمد سعد، اللواء هشام السعيد محافظ الغربية، بنظرة لذوي الإعاقة وإنشاء أندية خاصة بهم، كـ"نادي الإرادة والتحدي" بكفر الشيخ، أو حتى تخصيص ملعب فرعي لهم، قائلا: "لا يوجد مقرات لأندية ذوي الإعاقة بالمحافظة، ونادي السلام الذي تخرجت منه، كان عبارة عن غرفة تحت سلم الاستاد، و"كنا بنتمرن على الأسفلت بين المنشآت وبعضها"، مضيفا أنه لايوجد إهتمام بأماكن تدريبهم، فالصالة المغطاة بنادي طنطا تلزمهم بموعد محدد ومكان معين، لذا يضطروا للقيام بالتمرين على البلاط بعد وضع بساط، وتثبيت قوائم حديد لمد الشبكة عليها، رغم أن من حقهم على الدولة أن توفر لهم أماكن مناسبة ليتمرنوا بها.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً