جاءت دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور مع الجزائر، بعد صراع طويل استمر بين البلدين بشأن الصحراء الغربية.
مبادرة لتخطي حاجز الأزمة
وأوضح العاهل المغربي إن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين، مؤكدا على أنه لا حاجة لوجود طرف ثالث للتدخل أو الوساطة بين الجانبين.
وقال العاهل المغربي في خطاب للشعب المغربي، إن المغرب مستعد لإحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور مع الجزائر، من أجل تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين.
وتتمثل مهمة هذه الآلية في الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات.
ويمكن أن تشكل هذه الآلية وفق الملك محمد السادس إطاراً عملياً للتعاون في مختلف القضايا الثنائية، وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية التي تزخر بها المنطقة المغاربية. كما ستساهم في تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية، لا سيما في ما يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة.
ومن المفترض أن تتيح هذه الآلية للبلدين مناقشة كل القضايا الثنائية دون محظورات، وأن تضع على طاولة البحث كل الشكاوى، من مثل المخدّرات والتهريب وقضية الصحراء المغربية والوقائع التاريخية غير الموضّحة والاتفاقيات التي لم تحترم.
أصل النزاع
ويمثل النزاع بشأن الصحراء الغربية أحد أكبر المعوقات التي تواجه العلاقات المغربية الجزائرية، إذ تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال إقليم الصحراء عن المغرب، ويسمى جناحها العسكري جيش التحرير الشعبي الصحراوي.
وتتألف مجموعة الأفراد الذين أسسوا الجبهة من شباب مغاربة ينحدرون من أصول صحراوية، كانوا يتابعون دراستهم في جامعة محمد الخامس بالرباط.
وكانت البداية عندما استغلوا احتفالات موسم طانطان للسير في مظاهرة في الأزقة الضيقة لهذه المدينة، التي لم تكن حينئذ مدينة بالمعنى الدقيق للكلمة، ولما كانوا قد أخلوا بالتوازن القائم منذ عشر سنوات مضت، ما كان الرد ليتأخر، فقد أمر قائد المنطقة باعتقال هؤلاء العابثين بالنظام، وعندما لم يجد سجنا ليضعهم فيه، قرر على عجل أن يلقي بهم في قبو من الطين المقوى مساحته عشرة أمتار مربعة، له باب واحد منخفض ومسطح، بدون نافذة، في حرارة تخنق الأنفاس.
خلال هذه الفترة، كان المغرب يواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة، ترتيب الأولويات كانت مختلفا بالنظر إلى ظروف المرحلة، واتسامها بسياق طغت عليه الحرب الباردة والنزاعات العربية التي لم يكن لها أول ولا آخر، ولهذا السبب بعينه، تحركت نزعة الانتقام بداخل هؤلاء الطلاب المغاربة من أصل صحراوي، عقب قمع مظاهرة طانطان وما أعقبها من اعتقالات وسوء معاملة وتنكيل.
وقد دفع سوء المعاملة بهؤلاء الشباب الجامعيين إلى التحالف مع بعض البلدان، في ظل سياق الحرب الباردة والنزاعات العربية والأفريقية، وخلال تلك الفترة، كانت التحالفات مباحة.
وبالفعل استضافت الجزائر هؤلاء الطلاب، نظرا للخلافات التي كانت قائمة آنذاك بين المغرب والجزائر بخصوص الحدود المشتركة، وفي وقت كان فيه المغرب قد أبرم اتفاقا مع أسبانيا، في إطار العلاقات التاريخية التي كانت دائما قائمة بين البلدين، وقد استرجع المغرب صحراءه عن طريق التفاوض والتوافق، حسب مسلسل عادي مع أسبانيا.
ولما كان المغرب قد استرجع أقاليمه الجنوبية، لم تجد البوليساريو طريقة أفضل من اقتياد جزء من الساكنة الصحراوية إلى مخيمات أقامتها فوق التراب الجزائري، وسمتها مخيمات لاجئين، أو مسميات وهمية، كمخيم العيون، والسمارة، وأوسرد، أو مخيم الداخلة.
لقد كذبت البوليساريو وخدعت جزءا من الساكنة الذي تم اقتيادهم إلى تندوف بالجزائر. كل الصحراويين يعرفون أنه خلال نونبر ودجنبر من سنة 1975، طلبت البوليساريو من العديد من الناس الحضور لتجمع بكلتة زمور، وعندما حضروا طلب منهم عقد تجمع آخر ببئر الحلو، وبعد ذلك، طلب منهم الحضور لتندوف من أجل الإيقاع بهم في الشرك، ومنعهم نهائيا من الخروج.
ولسوء الحظ، بقي أغلبهم محاصرا بتندوف إلى يومنا هذا، بسبب انعدام وسائل النقل. لكن الكثير منهم تنبهوا إلى الشرك الذي وقعوا فيه، فوظفوا جميع الوسائل من أجل العودة إلى ديارهم في السمارة والعيون والداخلة وأوسرد.
وهذه الحقيقة يعرفها جميع الصحراويين، لقد خططت البوليساريو عن سبق إصرار لإنشاء مخيمات فوق التراب الجزائري فنفذت ذلك.