كشف النقاب عن الوجوه السافرة

في هوجة الحرب الشعواء على النقاب، ألمح ظاهرة عجيبة.. المشايخ الذين قضوا عمرهم في حروب جانبية من أجل النقاب والجلابية القصيرة والذقن الطويلة، أين هم الآن من الميدان؟ أين ألسنتهم التي كانت تنهال كرابيج على ظهور من يفتح "بقه"، ويقول إن الخمار فرض والنقاب فضيلة؟ أين أنتم يا أصحاب الفضيلة؟ لن أنسى ما حييت إمامًا سلفيًّا له مريدون، سألته سيدة أعرفها عن حكم الشرع في خلع النقاب، وقالت لمولانا إن زوجها هددها بالنص "إن لم تخلعي النقاب، وترتدي الخمار فأنت طالق".

فانتفض الإمام، واتهبد، وصرخ: النقاب فرضضضضض. ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فعادت الزوجة بالفتوى، لتخبر زوجها، الذي لم يكن له اختيار؛ حيث إن الصيغة التي كلمها بها توقع الطلاق.

هذا الإمام ومن على شاكلته يثيرون ذلك السؤال: أين أنتم من قضيتكم الأولى والمصيرية؟

أين جعيركم ونعيركم وسعيركم على من لا يؤمن بأن النقاب فرض والخمار تبرج؟!

أين الشيخ محمد حسان؟ والشيخ برهامي والشيخ حسين يعقوب والشيخ بؤلة؟

أين المطالب الشعبية بعزل شيخ الأزهر لحظر النقاب؟ أين مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الذي وصف قرار منع النقاب من قبل بأنه تميز على أساس الجنس والدين من شأنه إحداث مزيد من التطرف؟

وأين المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي اعتبرت قرار منع النقاب انتهاكًا لمبادئ الخصوصية والحرية الشخصية وحرية المعتقد الديني؟

وأين رابطة طلاب العمل الإسلامي التي تبنت قضية المنتقبات، وأعلنت ضرورة التحرك بشكل جماعي ضاغط؛ لأن تلك اللغة الوحيدة التي تستجيب لها الدولة؟ هل تغيرت اللغة، أم تغيرت استجابة الدولة؟

لقد انكشف النقاب عن وجوهكم الخداعة.. انكشفت سوءات ألسنتكم.. ليتكم رجال بحق، تدافعون عن قناعاتكم، لو كانت هي قناعات فعلاً وتوجهات، لا أقنعة وتوجيهات.

وتسعفني ذاكرتي أن الإمام الأكبر الراحل سيد طنطاوي شيخ الأزهر كان أئمة وشباب السلفيين والإخوان والجماعة الإسلامية... إلخ يستشهدون في معاركهم معه في موضوع النقاب بكتبه؛ ليؤكدوا أن المنصب غيره. فأين أنتم الآن يا مجاهدي النقاب؟ وأين رزالتهم في تلك القضية؟

النائبة غادة عجمي كانت أصدق منكم، وبمعنى أدق كانت الصادقة عندما قالت "سبق أن تقدمت بمشروع قانون لحظر ارتداء النقاب في المؤسسات العامة، مستندة الى وجهة نظر اجتماعية وأمنية فقط، بغض النظر عن رأي الشرع في قضية ارتداء النقاب".

أنتم "بقى" تتكلمون بالشرع، ومؤمنون بأن الشرع حصري عليكم، حتى صرتم أنتم الشرع، فأين إطلالتكم البهية على قضيتكم التي هي أكل عيشكم؟

قناعتي الشخصية التي لا تعني أحدًا أن النقاب حرية شخصية، رغم أني استخدمت سلطاتي الاجتماعية لمنعه، بعد أن تركت زوجتي تلبسه تأثرًا بقناة الناس عندما كانت تتسرب إلى البيوت بمظهر يبهر النساء خاصة، من لحية وجلابية وورع وخشوع زائف، تركتها تلبسه من باب الحرية الخاصة، ولكني منعتها عندما وجدت أن به ضررًا لي ولزوجتي. أما شئون الغير فليس لي أن أتدخل فيها؛ لأنها لا تخصني، ولا أفتي في الشرع، رغم أني تربيت على يد عالم أزهري.

أما من حشروا أنوفهم في خصوصيات الخصوصيات، حتى باتوا يفرقون بين المرء وزوجه، فجاء الآن دورهم؛ ليبهرونا كما عودونا بغزواتهم، خاصة أن الملعب ملعبهم، ولكن يبدو أنهم خارج نطاق الخدمة، أو أن لديهم عذرًا شرعيًّا، هم أدرى به. أليسوا هم أدرى بالشرع؟ لعل المانع خير.

قلت وكتبت وهاتيت عندما ألح بعض المتسلفين في إقناعي بالنقاب بأن وجه المرأة ليس بعورة، بدليل وجوب كشفه في الصلاة والحج، وهذه الشعائر تتشدد في ستر العورة، وتأخذ بالعورة المغلظة، فكان الرد العجب: وجوب الكشف دليل على أن المرأة ترتديه.

ومع استشهادهم بقوله تعالى "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، والخوض في "ما ظهر منها"، لم ينتبه المشايخ الأجلاء إلى كلمة "زينة"، التي رفع الله بها قدر المرأة، ونحن سميناها "عورة" في كل كتب الفقه.

النقاب حرية شخصية نعم، ولكن كما قالت النائبة "في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وتخفي الإرهابيين وراءه لتنفيذ عمليات إرهابية، وكذلك في المعاملات الخدمية؛ منعا لوقوع عمليات النصب والاحتيال في الخدمات الحكومية، إضافة إلى عمليات التدريس والتعلم بالمدرسة، ومن حق الطفل أن يتعرف على معلمته ومشاهده تعبيرات الوجه أثناء التعلم"، فإني أحترم وجهة نظرها، خاصة أن عمليات التدريس كانت وراء خلع زوجتي النقاب، وهي في رأيي أشد التزامًا من أشباه النساء الذي تولوا يوم الزحف، بعد أن انكشف عن وجوهم الزائفة، ووضعوه على ألسنتهم البكماء.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً