دائما ما يلجأ المصريون لحيل مبتكرة فى مواجهة الغلاء، سواء باستخدام التقسيط أو عمل الجمعيات. وتجبر متطلبات الزواج كثير من الشباب على استئجار ما يمكن لإتمام الزفاف، مثل ”السيارات وفساتين الزفاف” وغيرها، لكن أن يصل الأمر لاسئجار شبكة العروس، لكن هل يمكن أن يصل الأمر إلى استئجار "شبكة العروسة"؟
مع الارتفاع الحاد فى أسعار الذهب، أقبل بعض المصريين على استئجار الشبكة التى تقدم للعروس من خواتم وأساور ذهبية، للتزين بها فى حفلات الزفاف، وذلك لحفظ ماء الوجه أمام الأقارب والجيران، حيث يمثل ثمن الشبكة، أحد الأعباء التى يواجها المقبلون على الزواج، فى ظل ارتفاع البطالة وزيادة العنوسة.
وأشار عاملون فى سوق الذهب، إلى قيام بعض الأسر بطلب استئجار الذهب، لاستخدامه فى الزواج كبديل لعملية الشراء التى باتت تكبد الشباب مبالغ طائلة، وبخاصة بعد ارتفاع سعر الذهب وتجاوز سعر جرام عيار 21 إلى أكثر من 400 جنيه، إثر تصويت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى.
من الصعب رصد هذه الظاهرة بدقة، لأن جزء أساسى من إتمام الموضوع هو ”الكتمان والسرية”، حيث تستأجر العروس الشبكة، لكى تتباهى بها أمام الأهل والأقارب، ولن تبوح بذلك أمامهم.
ويقول محمود سالم، صاحب محل ذهب بمنطقة الطالبية بالجيزة، إن هذا الموضوع انتشر بشكل كبير فى الفترات الأخيرة، وبخاصة أن ظروف الشباب لا تمكنهم من شراء ”الشبكة.
وأشار أشرف عثمان، تاجر ذهب، إلى أن ظاهرة استئجار الذهب موجودة بالسوق المصرية ولكنها ضعيفة وتكاد تكون منعدمة الآن، وتنفذ فى أضيق الحدود، وتعمل كخدمات وليس بدافع الحصول على عائد مادى من ورائها، خاصة مع الأصدقاء أو زبائن المحل.
وأضاف ”عثمان”: "لو فيه شخص عزيز على، وظروفه لا تسمح بشراء الشبكة، بيتفق معى، بعلم أهل العروس، على أخذ مشغولات ذهبية -يعنى كواجهة اجتماعية-، وبعد إتمام حفل الخطوبة أسترد المشغولات مرة أخرى".
وأوضح، أنه لا يرحب بإقبال الشباب على مثل هذه الخطوة، لأن الذهب فى الأصل هو من كماليات الزواج، ومن الممكن أن يستبدله الشباب بشيء آخر يستفاد منه فى إتمام الزواج، وبخاصة مع ارتفاع أسعاره، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الزواج نفسه.
وتابع: "إحدى زبائني، كانت تشترى مشغولات ذهبية لابنتها لاتمام الزفاف، ولما وجدت هذه السيدة ارتفاع تكاليف المشغولات ”دبلة وخاتم وأسورة”، قررت أن تأخذ فقط ”الدبلة والخاتم”، ونصحت عريس ابنتها أن يستفيد من قيمة الأسورة، فى شراء احتياجات الزفاف".
من جانبه، لا يرحب مايكل البطل، تاجر ذهب بشبرا، بفكرة تأجير الذهب للزبائن؛ لأنه لن يضمن حقه، بالإضافة إلى أنه لن يستطيع عرضه مرة أخرى بالمحل: ”الذهب لمّا بيتأجر زهوته بتروح”، مشيرا إلى أن "الشاب الذى يقبل باستئجار الذهب يخسر -على الأقل- قيمة الإيجار، دون أى استفادة".
وأضاف: "بعض الزبائن يدخلون المحل، ويطلبون استئجار الذهب، لكنى لن أضمن حقى حتى لو كتب لى الزبون (وصل أمانة).. الزبون ممكن ياخد الذهب وميظهرش تانى”.
شورط الإيجار
ترفض المحلات الكبيرة والمشهورة التعامل مع مستأجرى المصوغات الذهبية، ولا يقبل إلا عدد من المحلات الصغيرة، وبخاصة فى الأحياء الشعبية والأقاليم والقرى فى شمال وجنوب مصر، نظرا لحالة الركود التى يمر بها سوق الذهب، وعلى الأقل التاجر يكسب من هامش الربح المتمثل فى قيمة الإيجار، وبخاصة عندما تعرض نفس المشغولات للبيع أكثر من مرة.
وأوضح فؤاد عبد الباقى، جواهرجى بالصاغة، أنه سمع عن ظاهرة استئجار الشبكة، لكنه لم ير هذا الأمر بعينه، ولم يخض هذه التجربة، مشيرا إلى أن التاجر يتلقى من الزبون تأمينا بقيمة المشغولات المؤجرة، حتى يضمن حقه عند تعرض المشغولات للتلف أو الإضرار بها.
ومن جهته، أشار محمود سالم، صاحب محل ذهب، إلى أن استئجار الذهب يتم بناء على ضمانات بين التاجر والزبون، حيث تختلف قيمة الإيجار من منطقة إلى أخرى وحسب نوع الذهب المطلوب، فقد يصل إيجار الجرام عيار 21 إلى جنيه واحد فى اليوم، وذلك فى المناطق الشعبية، لكن ترتفع هذه القيمة إلى خمسة جنيهات فى بعض المناطق القريبة من المدن.
وتابع: "كما يتم الاستئجار، من خلال ضامن للشاب وصورة بطاقته الشخصية وإقرار باستلام كمية الذهب التى يرغب فى استئجارها، ووصل أمانة على بياض، لكن بعض محال الذهب تشترط وجود سابق معرفة أو علاقة شخصية بين صاحب المحل وأسرة الشاب، كما يوضح العقد إقرار غرامة على التأخير، وتحمل الزبون لأى تلف تتعرض له المشغولات الذهبية".
هل تقبل العروس؟
استطلعنا آراء الشباب حول قبولهم فكرة "استئجار الشبكة"، فرحب وتحمس لها الشباب فيما رفضتها الفتيات.
ورأى عدد من الشباب، أن الفكرة جيدة وتراعى الظروف الاقتصادية التى يمر بها الشباب، وبخاصة مع ارتفاع أسعار الذهب وتكاليف الزواج، مشيرين إلى أن استئجار الشبكة يحل أزمة كبيرة لهم، وكذلك تحفظ للطرفين الشكل الاجتماعى أمام الأهل والجيران.
أما الفتيات، فقد رفضن الفكرة كليا، وقالت إحدهن: "دبلة أفضل من أن نبدأ حياتنا بكدبة كبيرة"، وأشارت أخرى: "قيمتى أكبر بكتير من الشبكة سواء رخيصة أو غالية". وأوضحت سيدات أنه يجب أن يكون هناك شفافية بين الطرفين، وبخاصة حول الإمكانات التى سوف يبدءون بها حياتهم.
خبراء النفس يجيبون
أشار دكتور طرف شوقى، أستاذ علم النفس، ونائب رئيس جامعة بنى سويف، إلى أن تعليق الناس على فكرة استئجار الشبكة بأنه للتباهى والتفاخر أمام الناس، "غير مقبول"، فالاستئجار مبدأ متعارف عليه فى الثقافة المصرية، حيث تجد من يستأجر فستان الفرح والسيارة ومكان الفرح، ولكنك لم تجد من يعلق.
وأوضح ”شوقى”، أنه يعتقد أن هناك أسباب لاستئجار الشبكة، منها "الحفاظ على ماء الوجه، فكل أسرة تريد أن تشعر أن ابنتها أخذت أبسط حقوقها أمام الآخرين، وأنهم لم يفرطوا فى حق بنتهم، وهناك دوافع أخرى لدى البنت فى قبولها باستئجار الشبكة منها الحفاظ على كرامة زوجها أمام أصدقائها وأقاربها، فلماذا نأخذه على أنه للتفاخر ولا نأخذه على أنه سمو فى العلاقة واحترام مشاعر الطرف الآخر".
وتابع: "استئجار الشبكة هو نوع من الترشيد فى نفقات الزواج وعودة للرسالة الأولى، ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم ”التمس خاتما ولو من حديد”؟
الدين بيقول إيه؟
اختلف علماء الدين حول حكم استئجار الشبكة، حيث أجاز بعضهم الاستئجار حرمه آخرون، وأكد الدكتور سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، أن شبكة العروس مشروعة ولا شيء فيها، ويجب على الإنسان أن يقدم لعروسته الشبكة كهدية، أو ما يسر قلبها ويطمئنها إليه، كأن يدفع لها مالا أو ذهبا، وتقدر هذه الشبكة حسب استطاعت كل إنسان، دون مغالاة أو تكلف.
وأشار ”عبد الجليل”، إلى أن استئجار الشبكة الذهب، غير جائز شرعا، فالذهب فى الحقيقة مال ولا يجوز إطلاقا استئجار أو تأجير المال، إنما يمكن الرهن والرهن بمعنى أن ندفع شيئا ثمينا للتاجر كضمان مقابل الحصول على الذهب، لوقت معين، وبعد ذلك يتم رجوع الذهب مقابل الحصول على الضمان، إنما فكرة أن يُأجر التاجر الذهب للناس، ليُستخدم فى حفل زفاف أو التزيين به لوقت معين ثم رده، مقابل دفع جزء من المال فهذا أمر غير جائز شرعًا.
بينما رد الدكتور عادل هندى، مدرس مساعد بكلية الدعوة بجامعة الأزهر، على فتوى لأحد الأشخاص يدعى (م.ط - من الشرقية)، وعنوانها "ما حكم تأجير الذهب فى الأفراح؟": "يجوز تأجير الذهب بقيمة محدودة وبزمن محدود، وبانتفاع معلوم ومحدد؛ لأنه من الأعيان الثابتة، وكل عين ثابتة -أى غير مستهلكه- استهلاك الطعام يجوز تأجيره وكل شىء يستهلك كالطعام وما شابه لا يجوز تأجيره.. ثم تُرد عين الشىء المستأجر [الذهب] إلى المؤجِّر [صاحب الذهب] وهذا ليس له علاقة بأنه سيبيعه بعد ذلك أو يؤجره".
كما أشار أن لجنة الفتوى بالأزهر، وبدار الإفتاء المصرية، أباحوا ذلك، وجاء فى الفتوى: ”لا بأس به، ولا حرج للإنسان أن يؤجر الحلى من الذهب والفضة لامرأة تلبسه ليوم أو يومين، أو ساعة أو ساعتين؛ لأن المنافع هنا مباحة، وكل نفع مباح يجوز عقد الإجارة عليه.