سجلت مذكرات صلاح أبو سيف على شرائط كاسيت، وقمت بصياغتها في بداية التسعينات، وهو تاريخ يجب أن يتذكره قارئ المذكرات، حتى يستوعب الأحداث التاريخية الماضية، وقبل أن أنهي تسجيلاتي مع المخرج الكبير، تعرض لمرضه الأخير، فقررت صياغة ما سجلت ليراجعه وهو ما فعل، ولكن المرض لم يهمل الأستاذ مواصلة التسجيل، فكانت هذه الصفحات هى كل ما خرجت منه، وفي زحام الحياة فقدت المذكرات وحزنت، ولكني سعدت بالحصول عليها وتحمست لاقتراح الناقد السينمائي طارق الشناوي بنشرها ضمن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فقد شعرت بأن قيمتها ستتضاعف، وتفضل طارق الشناوي بكتابة المقدمة، هكذا بدأ الكاتب الصحفي عادل حمودة حديثه أثناء ندوة كتاب "صلاح أبو سيف مذكرات مجهولة"، التي أقيمت بالمسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، وحرص علي حضورها الفنانة لبلبة، وعدد كبير من السينمائيين والصحفيين.
"المذكرات المجهولة" أحد أهم الضربات التي حققها المهرجان هذا العام
وقال الناقد السينمائي طارق الشناوي: بالصدفة علمت من الكاتب عادل حمودة، إنه التقي في التسعينات بالمخرج صلاح أبو سيف في أحد المقاهي الشهيرة التي شكلت حالة ثقافية وفنية من الكتاب والمبدعين، وكان وقتها صاحب كتاب "مذكرات مجهولة"، واحد من أهم النجوم المتألقين في الصحافة، مشيرًا إلى أن مخرج فيلم "شباب إمرأة" كان يستيقظ مبكراً، ومن ثم تم الاتفاق على تسجيل المذكرات، مع عادل حمودة، كاشفًا أنه علم هذا بالصدفة، ونقل لإدارة المهرجان أن يكون "مذكرات صلاح أبو سيف" الذي أطلق عليها عادل حمودة "المذكرات المجهولة" لأنها بالفعل مجهولة وغير معروفة، وهي أحد أهم الضربات من وجهة نظره التي حققها المهرجان هذا العام في دورة استثنائية، متابعًا التقيت بـ "صلاح أبو سيف" في مهرجانات خارج مصر وداخلها، من بينها موسكو باريس تطوان.
وأضاف الشناوي: فوجئت بأشياء كثيرة كنت أتجاهلها رغم تخصصي ومتابعتي، واستطاع "عادل حمودة"، أن ينقل ما "باح" به صلاح أبو سيف، في توقيت كان يرغب فيه أن يقوم بذلك وأصبحت المذكرات ثرية جداً، وعلى المستوى الشخصي عندي سعادة مضاعفة بالعمل مع كاتب المذكرات عادل حمودة.
وأعرب عادل حمودة، عن سعادته بطرح الكتاب في مهرجان القاهرة السينمائي، وبالحضور الكثيف في الندوة، مؤكدًا أن المخرج صلاح أبو سيف كان لديه مميزات شخصية نادرة جداً، كان شخص متواضع جداً بسيط حريص على قيمة الوقت، وكان يستيقظ مبكراً فى منزله في "حي عابدين" حيث يجلس على مكتبه ومعه ورقة وقلم يكتب جدول أعماله.
وأضاف حمودة: تواجدت مع "صلاح أبو سيف" في بيته وبدأ يروي لي عبر الكاسيت كل تفاصيل حياته، والمشاكل الفنية لأفلامه يوميا، فصياغة مذكرات لرجل بحجم وقيمة صلاح أبو سيف، شيء ليس بالسهل لخوفه من الكتابة، وكنت أعرض عليه فصل بعد فصل إلى أن تعرض لوعكة صحية أدت إلي الوفاة.
والد صلاح أبو سيف كان يغير زواجاته مثلما يغير ثيابه
واستكمل حمودة حديثه قائلا: اختصرت المذكرات على ما وافق عليه "صلاح" فقط، ولم أضف لها وكتبت هذه المذكرات في شتاء 1992، مشيرًا إلى أن والد صلاح أبو سيف عمدة قرية في صعيد مصر تسمي "الحومة"، تبعد عن القاهرة حوالي 125 كليو متر، وكان ثريا يملك أغلب أراضي القرية، وكان مزواجًا يغير زوجاته كما يغير ثيابه، ولكن والدة "صلاح" كانت من البندر" القاهرة، تسكن في حي" بولاق"، وقبل ميلاده بشهر، أرسلت الأخت الشقيقة تلغراف لوالده وعاش أبو سيف في حارة "بولاق" تسمي "قسوت"، وهي حارة كانت مركز تعذيب للمماليك حسب وصفه.
وأوضح عادل حمودة أن صلاح أبو سيف كان يتجه ناحية "اليسار السياسي"، لأنه يطالب بالعدالة الاجتماعية ويحارب الصراع الطبقي الذي كان موجود في المجتمع آنذاك بشكل حاد، وهو ما وضح جداً في عدد كبير من الأفلام السينمائية مثل"بداية ونهاية"، حيث كان صلاح يسكن بين كوبري فاصل بين الزمالك الحي الأرستقراطي وبولاق الحي المتواضع، وبالتالي كان العبور يأخذ دقائق قليلة جداً، ولكنه في الحقيقة كان ينقل الانسان من عالم قوي جدا وراقٍ، إلى عالم متواضع وبسيط وفقير.
وقال حمودة: من سمات صلاح أبو سيف الواضحة في أفلامه فكرة الانتقال من حي لآخر مثل فيلم "الأسطي حسن"، وكذلك "شباب إمراة"، وأيضًا انتقال اجتماعي كما حدث في "بداية ونهاية"، وهو انتقال طبقي يدفع الإنسان إلى الانتحار.
صلاح أبو سيف لم يكمل تعليمه لأسباب اقتصادية
وأشار "حمودة"، إلي أن صلاح أبو سيف لم يكمل تعليمه لأسباب اقتصادية، وعمل مدير شركة المحلة، ومن هنا بدأت معرفته بنيازي مصطفي فور رجوعه من ألمانيا، حيث قرر زملاءه جمع مبلغ من المال ليسافر باريس ليكمل تعليمه، قبل الحرب العالمية الثانية، وسافر أوروبا يحمل معه شنطة بها بطانية وبعض الملابس.
وقال حمودة: عندما سافر أبو سيف إلى مارسيليا جلس بغرفته يبكي، وذهبت له صاحبة البنسيون وأخبرها برغبته في العودة إلي مصر، ومن هنا جاءت فكرة فيلم "شباب امرأة" مع السيدة العجوز صاحبة الفندق، وهو من أقنع الكاتب نجيب محفوظ بكتابة السيناريو مع السيد بدير "مثل "الوحش" و" ريا وسكينة" وغيرها من الأفلام السينمائية.