اعلان

مكوجي الصالحين في طنطا: الشعرواي والنقشبدي ومصطفى إسماعيل كانو زبايني (فيديو وصور)

مكوجي الرجل شخصية غابت عن مسامعنا منذ فترة طويلة، وغطتها الأيام والسنين لدرجة أنها أصبحت كأسطورة لم نعلم تفاصيلها سوى من حواديت أجدادنا عنها، ولم يتبقى لنا من معالمها سوى أفلام الأبيض وأسود، التي ارتبطت في أذهاننا بالممثلين الراحلين، إسماعيل يس ومحمود شكوكو، الذين جسدوا لنا هذه الشخصية بكل تفاصيلها ومتاعبها ومواقفها الطريفة المضحكة، والتي كان أبرزها تأجير ملابس الزبائن وخطأ صبي المكوجي في توصيلها لأصحابها، بالإضافة إلى استخدامه كمرسال للغرام.

حظيت هذه الشخصية بأهمية كبيرة وإقبال كبير من الرجال والسيدات من مختلف الأعمار والمناصب خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، لذلك كانت مهنة مربحة آنذاك، لكن مع مرور الوقت وظهور الثورة الصناعية والتطور التكنولوجي، بدأت تتراجع أهمية مكوجي الرجل خاصة بعد اختراع المكواة الكهربائية لكن هذا لايعني أن هذه الشخصية قد اختفت نهائيا، فما زال لها جمهورها الذي يعشقها و لا يشعر بأناقته سوى بلمسة مكواة الرجل على ملابسه. 

قامت كاميرا "أهل مصر" بجولة ميدانية في شوارع طنطا بحثا عن أحد أقدم وأشهر "مكوجي" رجل بمحافظة الغربية، وفي شارع درب سيدى مسعود التقينا بعم "ربيع عبد الله علي هاشم"، مكوجي الشيوخ والقراء كما أطلقنا عليه والذي استطاع رغم كبر سنة، فهو يبلغ من العمر 58 سنة، أن يحافظ على هذه المهنة ويواصل العمل فيها، بل ويربي أبنائه ويعلمهم ليصلوا إلى أعلى الدرجات العلمية وذلك بالرغم من إرتفاع الأسعار، فلقد ورث هذه المهنة عن والده وأخيه الأكبر حسين رحمة الله عليهما، والذي عكف على تربيته، منذ وفاة والده وهو طفلا صغيرا، ثم قام بتدريبه على هذه المهنة ليواصل مسيرة أجداده لذا لم يكمل تعليمه بالمدرسة وخرج ليتعلم بمدرسة أخرى وهي الكي باستخدام القدم أو مايطلق عليها المكواة الرجل، وكانوا يقوموا بكي جميع أنواع الملابس الرجالي والحريمي والأطفال لذا كانت هذه المهنة مربحة آنذاك.

وأضاف عم ربيع قائلا: "أنهم بدأوا العمل في هذه المهنة منذ عام 1906 م، حيث قام والده بتأجير هذا المحل، والمضي قدما في هذه المهنة، مشيرا أن عدد كبير ممن عملوا في هذه المهنة بعد ذلك قد تخرجوا من هذا المحل، وأن عدد كبير من الشيوخ والقراء وكذلك أعضاء مجلس الشعب، أمثلة الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ الحصري والشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ سيد النقشبندي، والنائب أحمد الخولي، هذا علاوة على عدد كبير من العمد نكاد نقول جميع عمد المركز وعمد المناطق المجاورة - كعمدة نواج ، سبرباي ، طوخ ، ميت يزيد ،عمدة شبرا اليمن بمركز زفتى، كانوا يقومون بكي ملابسهم في هذا المحل.

كما أضاف عم ربيع ، أن المحل مازال يغلب عليه الطراز القديم وكذلك المكواة والمنضدة التي يكوي عليها ، حيث تحدد أعمارهم وفقا لعمر المحل ، موضحا أنه لم يدخل على المهنة أي تجديد، وكل ما قام بتغييره هو الانتقال من إستخدام الجاز في تشغيل الفرن، الذي تسخن فيه المكواة ،إلى العمل بأنابيب الغاز الكبيرة.

وأشار ربيع ، أن المكواة مكونة من عنصرين هما الحديد والزهر، هذا بالإضافة إلى قطعة من الخشب تثبت فوق المكواة ؛ لوضع القدم عليها أثناء الكي ، أما عن المنضدة التي يستخدمها في عملية الكي، والتي توضع في مستوى منخفض عن المكواة العادية التي نستخدمها في حياتنا اليومية فقال ، أنها مصنوعة من "خشب اللبخ" ، وتثبت عليها قطعة صغيرة من الصاج لوضع المكواة عليها خلال عملية الكي. 

كما أشار أن عملية كي الملابس باستخدام المكواة الرجل تبدأ من وضع المكواة في فرن مكون من 4 عيون ، موصل بأنبوبة غاز ، لمدة ربع ساعة ثم يقوم برفعها عن النار ، وفرد قطعة من القماش على الملابس، للقيام بكيها بإستخدام قدمه، لافتا أنه مع مرور الوقت تنخفض كمية الملابس التي يقوم بكيها يوميا، وبشكل تدريجي، و بالرغم من أن أسعاره لا تقارن بالأسعار التي يدفعها الفرد لشراء احتياجاته الخاصة ، فمثلا سعر كي البالطو 15 جنيه، القميص أو البنطلون 2 أو 3 جنيه، أما الجلباب فيحدد سعره وفقا لنوع القماش، معللا ذلك بظهور المكواة الكهربائية، التي جعلت عدد كبير من الناس يستغني عن المكوجي الرجل.

وأعرب عم ربيع عن استيائه، قائلا: "المهنة مبقتش مربحة زي زمان ، وفي نفس الوقت أنا معرفش أشتغل حاجة تانية غيرها ، خاصة بعد ما عملت عملية الغضروف في ظهري ، أصبحت أعمل 4 أو 5 ساعات في اليوم، يعني أبدأ من بعد صلاة الظهر وحتى الساعة 9 أو 10 مساءا ، وذلك بعد ما كنت بشتغل في اليوم الواحد 20 ساعة أو أكثر، مضيفا أن المهنة في طريقها للانقراض والاختفاء، خاصة بعد إرتفاع أسعار أنابيب الغاز ،فسعر الأنبوبة الكبيرة 130 جنيه، ولا تظل سوى 3 أيام فقط، هذا إلى جانب نقص العمالة".

ومن جانبه أكد وحيد نجم، موظف على المعاش بالمصرية للاتصالات، من قرية طوخ مزيد التابعة لمركز السنطة أحد عملاء عم ربيع أن والده كان يتعامل مع والد عم ربيع منذ 50 سنة تقريبا، وأنه واصل مسيرة والده في كي ملابسه الفلاحي لدي عم ربيع، مشيرا أنه من الريف والجلباب الفلاحي لا يستغني عن مكواة الرجل، وذلك على غرار القمصان والبناطيل أو كما يطلقون عليها الملابس الافرنجي ، التي يمكن غسلها وكيها بالمنزل.

أضاف هاشم محمد، مدير عام بالمعاش لمنطقة الغربية للضرائب العقارية ، قائلا : " أنا بحب الأناقة واللبس وعندي أنواع كثيرة للجلباب منها البلدي والشعراري والافرنجي ، وكنت باجي هنا المحل من وأنا عندي 10 سنين ، يعني بتعامل مع الحاج ربيع وأخوه قبله رحمة الله عليه منذ 40 أو 50 سنة، مشيرا إلى أن هناك أنواع معينة من الملابس، خاصة ذات الأقمشة الثقيلة، لا يجب أن يتم كيها سوى لدى عم ربيع.

وأوضح مدير عام الضرائب العقارية سابقا، أن المكواة العادية الكهربائية، بإمكان أي شخص أن يستخدمها ويكوي بها، حتى المدام في المنزل، أما المكواة الرجل فتحتاج لتعب ومشقة وحرفة، لافتا أنه يكوي في الموسم مرتين، لأنه يرتدي بدل.

وأشارت أم حمادة، أحد جيران عم ربيع ، أنها تتعامل معه منذ أن تزوجت وسكنت بالمنطقة التي يوجد بها محل عم ربيع ، أي منذ 30 سنة ، قائلة : " كنت بكوي عنده كل ملابسي وملابس أولادي وزوجي رحمة الله عليه، وأن الفرق بينه وبين المكواة العادية أن القطعة الواحدة التي يقوم بكيها تظل فترة 5 أو 6 غسلات مفرودة وليس بها أى كسرة أو كرمشة.

أضافت أم حمادة ، أن عم ربيع ومن قبله أخيه ووالده، هم أصل المهنة في المنطقة، وأن المهنة كادت أن تنقرض لعدم وجود شباب يتعلموا هذه المهنة ويكملوا المسيرة .

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً