«إبراهيم سعدة».. رحلة في تاريخ صاحب عامود "أنور وجدي"

توفى الكاتب الصحفي إبراهيم سعدة رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير أخبار اليوم الأسبق، عن عمر يناهز 81 عامًا، ومن المقرر أن تقام صلاة الجنازة بمسجد عمر مكرم غدًا، على أن يتم الدفن بمقابر العائلة عقب صلاة الظهر.

حفر الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم سعدة إسمه في بلاط صاحبة الجلالة كواحد من أهم كتابها، وأبرز من شغلوا مناصب كبيرة فيها، وكان أول صحفي يجمع بين رئاسة تحرير صحيفة قومية وأخرى حزبية، حتى عين رئيسًا لمجلس إدارة أخبار اليوم.

رحلة طويلة خاضها الصحفي الكبير إبراهيم سعدة في بلاط صاحبة الجلالة، حافلة بكل ما يحلم صحفي أن يناله، بعد أن امتدت من ستينيات القرن الماضي إلى بداية الألفية.

يعد «سعدة» صاحب أحد أشهر الأعمدة في الصحافة المصرية على مدى عقود، وكان يوقعه باسم الفنان الراحل «أنور وجدي» في صحيفة الأخبار، في ترابط غير معهود بين مهنة البحث عن المتاعب والفن.

بدأت الصحافة تداعب إبراهيم سعدة منذ أن كان صبيًا، قبل أن يتم مرحلة التعليم الثانوي، فكان يراسل عددًا من المجلات التي تصدر في القاهرة، مثل «قصتى» و«أخبار الجريمة» التي كان يغذيهما أسبوعيًا بأخبار الحوادث التي كان يتابعها في أقسام الشرطة.

اهتمامه المبكر بالصحافة تعانق مع ولع زميله في المدرسة مصطفى شردي، الذي كان يراسل بدوره صحيفة «المصري»، ومن هنا بدأ الأخير ينقل خبراته المهنية إلى صديقه، ليشتركا أخيرًا في تحرير صحيفة المدرسة الصادرة باسم «الشاطئ».

بعد انتهاء المرحلة الثانوية، افترق طريق «سعدة»، الذي قرر دراسة الاقتصاد السياسي في سويسرا، عن زميله «شردي» الطالب بكلية الآداب قسم الصحافة جامعة القاهرة، وفي الإجازة الصيفية الأولى عاد «سعدة» إلى القاهرة، وكان على موعد مع الأخوين على ومصطفى أمين في «أخبار اليوم».

في هذا التوقيت، مطلع الستينات، استطاع «شردي» أن يوطّد علاقته بالأخوين أمين، بعد أن صار مدير مكتب الصحيفة في بورسعيد، ومن هنا قرر أن يعرّف الأخوين على صديقه القادم من سويسرا في زيارة خاطفة.

قبل انتهاء الإجازة، اصطحب «شردي» صديقه إلى شارع الصحافة، وصعد به داخل مبنى الصحيفة إلى الطابق التاسع حيث مكتب على أمين، فطرق «شردي» الباب ودخل دون استئذان بينما بقي الآخر منتظرًا في الخارج، ولم يسعف «شردي» على أمين حتى يرحب بقدومه، وتراجع لاستدعاء صديقه المتواري خلف الباب.

ذُهل على أمين من تصرف «شردي» الذي جاء بأحد أصدقائه ليقدمه إليه دون سابق معرفة أو موعد، ولكن «شردي» أخذ يقول: «أقدم لسيادتك صديقي وزميلي إبراهيم سعدة الذي يدرس في سويسرا ويريد أن يراسل الصحيفة من هناك، ولولا ثقتى في كفاءته لما تحمّلت هذه المسئولية، والدليل على ذلك أنه أحضر معه أول رسالة له من سويسرا.

ثار علي أمين غاضبًا على «شردي» وهو يقول له: «هى دى الصحافة التي اتعلمتها يا مصطفى في أخباراليوم؟! تقوم تجيب لنا واحد رجع من سويسرا منذ شهور، ومعه مقال عن (مشاهداته وملاحظاته في سويسرا) لتنشر في أخبار اليوم؟! ده ناسي إن اسمها أخبار اليوم وليس أخبار الأمس!».

سارع «شردى» بالرد على أستاذه قائلًا: «حلمك علينا يا علي بيه، بص على عنوان الرسالة لتحكم على المحتوى قبل قراءته، كما علمتنا يا على بيه»، وأمسك على أمين بصفحات الرسالة وأخذ يطالع سطورها بسرعة، ثم ابتسم وأمسك بقلمه وكتب على رأس الصفحة الأولى «عزيزى موسى صبري تحقيق ممتاز، اقترح نشره في عدد (الجيل) القادم».

قبل الانصراف من المكتب، طلب على أمين من «شردى» و«سعدة» اللحاق به إلى مكتب توأمه مصطفى أمين، وهناك أشاد بـ«سعدة» وتوقع له مستقبلًا في المهنة، وقال عنه حينها: «ده إبراهيم سعدة يا مصطفى، وهو قماشة ممتازة سنصنع منها صحفي ممتاز».

بعد 6 أشهر من تفكك الجمهورية العربية المتحدة، سبتمبر 1961، تلقى «سعدة» برقية من مصطفى أمين رئيس تحرير أخبار اليوم، ينبهه إلى أن الضباط السبعة المعروفين بـ«جماعة النحلاوي»، والذين خططوا للانقلاب العسكرى في سوريا، والذي أنهى الوحدة مع مصر، في طريقهم من دمشق إلى سويسرا للإقامة فيها كلاجئين سياسيين.

بعد القبض على الضباط السبعة وافقت سويسرا على منحهم حق اللجوء السياسي والإقامة في مدينة لوزان عام 1962، واستطاع إبراهيم سعدة ضرب الحصار الإعلامي المفروض عليهم والتقى بهم في فندق إقامتهم، وأمضى معهم نحو 6 ساعات كاملة.

صبيحة يوم السبت الموافق 14 أبريل 1962، صدرت مانشتات «أخبار اليوم» بعنوان «الأسرار الكبرى»، وتحت العنوان نشرت إشارات كثيرة كان أخطرها «ضباط الانقلاب يعترفون: الملك سعود بن عبدالعزيز موّل الانقلاب»، وخصص مصطفى أمين مقاله الأسبوعي «كلمة من المحرر» كاملًا للحديث عن صاحب السبق الصحفي ومراسل الصحيفة في سويسرا إبراهيم سعدة.

أنهى «سعدة» دراسته في جنيف عام 1965 وعاد للاستقرار والعمل في القاهرة، فالتحق بالقسم الخارجي للصحيقة محررًا، ثم رئيسًا للقسم في الإصدار الأسبوعي فنائبًا لرئيس التحرير، حتى أصدر الرئيس أنور السادات قرارًا بتعيينه رئيسًا لتحرير أخبار اليوم عام 1980.

استمر «سعدة» في رئاسة تحرير أخبار اليوم حتى عام 1992 عندما جمع بين رئاستي التحرير والإدارة، ومنذ استقالته عام 2005، ظل «سعدة» متفرغًا للكتابة اليومية في «الأخبار» تحت عنوان «آخر عمود» حتى عام 2012.

في أكتوبر 2012 استدعاه جهاز الكسب غير المشروع بعد بلاغ من المحامي سمير صبري، ولم تثبت التحقيقات ضده أي شئ، وفي مطلع أبريل 2013، استدعته نيابة الأموال العامة العليا، ثم وضعت اسمه على قوائم ترقب الوصول بعد أن تبين سفره إلى سويسرا، على خلفية التحقيقات التي تجري في قضية «هدايا الأخبار».

وفي أواخر فبراير الماضي، خاطب الكاتب الصحفي عبدالمحسن سلامة نقيب الصحفيين المستشار نبيل صادق النائب العام للسماح برفع اسم إبراهيم سعدة من قوائم الترقب والوصول والسماح له بدخول البلاد، ووصل «سعدة» إلى مطار القاهرة على متن طائرة طبية خاصة، وجرى نقله بسيارة إسعاف إلى مستشفى الصفا بالمهندسين.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً