يلاحظ الكثيرون من المصريين المتابعين لزيارة الرئيس السيسي إلى النمسا، أن الذي يحضر معه الاتفاقيات ويجتمع به في كثير من الأحيان هو المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، مما جعل البعض يتساءل لماذا المستشار النمساوي تحديدا وليس رئيس الجمهورية، وكانت مفاجأة للبعض عندما عرفوا ان المستشار النمساوي هو رئيس الحكومة الاتحادية هناك، وهذا يرجع إلى طبيعة دستور الحكم الموجود هناك وهو ما نعرفه خلال التقرير التالي عن طريقة الحكم في النمسا، إذ أن رئيس الوزراء يعتبر هو الحاكم الفعلي للبلاد..
أسسا النمسا على أساس أنها جمهورية ديمقراطية، وقانونها ينبثق من الشعب، هكذا تنص المادة 1 من الدستور الاتحادي. وقد ألغي نظام الديمقراطية البرلمانية في النمسا في 4 مارس 1933 م، ولم تتمكن النمسا من مزاولة سلطاتها كدولة منذ 13 مارس 1938 م نظراً لوقوعها تحت الاحتلال الألماني. وظلت النمسا جزءاً من "الرايخ الثالث" حتى أبريل 1945.
ومثلما حدث للجمهورية الأولى، فإنّ الأحزاب السياسية هي التي أسست الجمهورية بعد تحرير النمسا في أبريل 1945. واتفقت الأحزاب الثلاثة المعارضة للفاشية، وهي الحزب الاشتراكي النمساوي، والحزب المسيحي الاجتماعي (حالياً حزب الشعب النمساوي) والحزب الشيوعي النمساوي، على تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة الدكتور كارل رينر وعلى إعلان استقلال النمسا. وصدر إعلان الاستقلال في 27 أبريل 1945 ، وتنحصر هذه المؤسسات على المستوى الاتحادي، رئاسة الجمهورية، البرلمان، المستشارية.
وفي الممارسة السياسية، تقدم الأحزاب السياسية مرشحيها لمنصب الرئاسة. ولكن الرؤساء الاتحاديين للجمهورية الثانية كانوا حريصين دائماً على ألاّ يراعوا سوى مصلحة الدولة ككل، لأنّ مناصبهم تسمو فوق الحزبية.
ويتولى الرئيس الاتحادي تمثيل الجمهورية في الخارج، وهو الذي يدعو المجلس الوطني لعقد دوراته، وينهي دورات الانعقاد. ويمكن للرئيس، في ظروف معينة، أن يحل المجلس الوطني، على ألاّ يحدث ذلك سوى مرة واحدة للسبب ذاته. ويقوم الرئيس بتعيين المستشار الاتحادي -الذي يكون عادة زعيم أقوى حزب في البلاد- كما يعين بقية أعضاء الحكومة بناء على اقتراح المستشار. ولا يمكن أن يشترك في الحكومة أي مرشح لا يوافق عليه الرئيس الاتحادي.
ومن واجبات رئيس الجمهورية إبرام المعاهدات الدولية، كما يؤدي محافظو المقاطعات الاتحادية اليمين القانونية أمامه عند تعيينهم. وهو الذي يصادق على توافق القوانين الاتحادية مع أحكام الدستور. وهو القائد الأعلى للجيش الاتحادي. والرئيس الاتحادي مسؤول قانونياً عن أي انتهاك لحرمة الدستور الاتحادي، ويمكن أن ينحى من منصبه باستفتاء شعبي.
يرأس الحكومة الاتحادية المستشار الإتحادي، الذي يدير بالاشتراك مع نائبه والوزراء الاتحاديين شؤون الحكم التي لا تندرج ضمن مسؤوليات الرئيس الاتحادي، ويمكن للوزراء الاتحاديين أن يستعينوا بوزراء دولة عند الحاجة. وحق التصويت في الحكومة الاتحادية مقصور على الوزراء الاتحاديين. ويجب أن تصدر القرارات بالإجماع. وتتناول قرارات الحكومة، ضمن جملة أمور، مقترحات القوانين التي تُحال إلى البرلمان كمشاريع قوانين.
كانت الحكومة المؤقتة التي ألّفها مستشار الدولة د. كارل رينر بعد إعادة تأسيس النمسا في عام 1945 تضم أعداداً متساوية تقريباً من سياسيي الحزب الاشتراكي النمساوي (SPO - الاشتراكيين الديمقراطيين)، وحزب الشعب النمساوي (OVP - المسيحيين الاجتماعيين)، والحزب الشيوعي النمساوي (KPO).
وبعد الانتخابات الأولى للمجلس الوطني في نوفمبر 1945، والتي حصل فيها الحزب الشيوعي النمساوي على أربعة مقاعد فقط من مجموع 165 مقعداً، بقي في الحكومة حتى عام 1947 وزير شيوعي واحد بجانب الوزراء الممثلين للحزبين الكبيرين. وباستثناء هذه الفترة، كانت الحكومات، منذ ديسمبر 1945 حتى إبريل 1966، حكومات ائتلافية بين حزب الشعب والحزب الاشتراكي، حيث كان المستشار يعين دائماً من حزب الشعب لكونه هو الحزب الأقوى آنذاك. وفي الفترة من إبريل 1966 إلى إبريل 1970 كان د. يوزف كلاوس مستشاراً لحكومة مكونة من حزب واحد هو حزب الشعب.