رغم ما تعرضت وتتعرض له لغتنا العربية، إلا أنها تظل خالدة خلود الزمان بسحرها الذي لا يقاوم، والذي جعل من عكفوا على دراستها من المستشرقين لأهداف عديدة، منها كيفية القضاء عليها، يقدمون شهاداتهم التاريخية، بعد أن وجدوا أنفسهم أسرى لروعتها التي لا يمكن أن توجد في أي لغة أخرى.. ونعرض لكم بعض أقوالهم عن لغتنا في يوم احتفال واحتفائنا بها.. اليوم العالمي للغة العربية 18 ديسمبر..
كارل بروكلمان: بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن العربية وحدها اللسان الذي أُحِل لهم أن يستعملوه في صلاتهم.
أوجست فيشر: إذا استثنينا الصين، فلا يوجد شعب آخر يحق له الافتخار بوفرةِ كتبِ علوم لغته وبشعورِه المبكرِ بحاجته إلى تنسيق مفرداتها، بحسب أصول وقواعد غير العرب.
هايوود: إن العرب في مجال المعجم يحتلون مكان المركز، سواء في الزمان أو المكان، بالنسبة للعالم القديم أو الحديثِ، وبالنسبة للشرقِ أو الغربِ.
ألفريد جيوم: يسهل على المرء أن يدرك مدى استيعاب اللغة العربية واتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية للعالم القديم بكل يسرٍ وسهولة، بوجود التعدد في تغيير دلالة استعمال الفعل والاسم.
وأوضح:إن الجذر الثلاثي باشتقاقاته البالغة الألفَ عداً، وكل منها متسق اتساقاً صوتياً مع شبيهه، مشكّلاً من أيّ جذر آخر، يصدر إيقاعاً طبيعياً لا سبيل إلى أن تخطئه الأذن، فنحن الإنجليز عندما ننطق بفكرة مجردة لا نفكر بالمعنى الأصلي للكلمة التي استخدمناها، فكلمة (Association) مثلاً تبدو منقطعة الصلة بـ (Socins) وهي الأصل، ولا بلفظة (Ad)، ومن اجتماعهما تتألف لفظة (Association) كما هو واضح وتختفي الدالة مدغمة لسهولة النطق، ولكن أصل الكلمة بالعربية لا يمكن أن يَستَسِر ويَستَدِق على المرء عند تجريد الكلمة المزيدة حتى يضيع تماماً، فوجود الأصل يظل بيناً محسوساً على الدوام، وما يعد في الإنجليزية محسناتٍ بديعيةً لا طائل تحتها، هو بلاغة غريزية عند العربي.
يوهان فيك: إن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسيا لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية“.
جوستاف جرونيباوم: ما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان، أما السعة فالأمر فيها واضح، ومن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات.
نولدكه: لا بد أن يزداد تعجب المرء من وفرة مفردات اللغة العربية، عندما يعرف أن علاقات المعيشة لدى العرب بسيطة جدا، ولكنهم في داخل هذه الدائرة يرمزون للفرق الدقيق في المعنى بكلمة خاصة، والعربية الكلاسيكية ليست غنية فقط بالمفردات، ولكنها غنية أيضا بالصيغ النحوية، وتهتمّ العربية بربط الجمل ببعضها… وهكذا أصبحت اللغة (البدوية) لغة للدين والمنتديات وشؤون الحياة الرفيعة، وفي شوارع المدينة، ثم أصبحت لغةَ المعاملات والعلوم.
رينان: من أغرب المدهِشات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمة من الرحالة، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقة معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها، ولم يُعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى، ولا نعرف شبيهاً بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرج وبقيت حافظةً لكيانها من كل شائبة.
لويس ماسينيون: استطاعت العربية أن تبرز طاقة الساميين في معالجة التعبير عن أدق خلجات الفكر، سواء كان ذلك في الاكتشافات العلمية والحسابية أو وصف المشاهدات أو خيالات النفس وأسرارها. واللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربية من أنقى اللغات، فقد تفرّدت بتفردها في طرق التعبير العلمي والفني والصوفي، إن التعبير العلمي الذي كان مستعملاً في القرون الوسطى لم يتناوله القدم ولكنه وقف أمام تقدّم القوى المادية فلم يتطور. أما الألفاظ المعبّرة عن المعاني الجدلية والنفسانية والصوفية فإنها لم تحتفظ بقيمتها فحسب بل تستطيع أن تؤثر في الفكر الغربي وتنشطه. ثم ذلك الإيجاز الذي تتسم به اللغة العربية والذي لا شبيه له في سائر لغات العالم والذي يُعدّ معجزةً لغويةً كما قال البيروني.
سيجريد هونكه: كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقَها السليم وسحرَها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة، فلقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم في هذا التيار يتكلمون اللغة العربية بشغفٍ، حتى إن اللغة القبطية مثلاً ماتت تماماً، بل إن اللغة الآرامية لغة المسيح قد تخلت إلى الأبد عن مركزها لتحتل مكانها لغة محمد.
د. جورج سارتون: وهبَ اللهُ اللغة العربية مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدون الوحي أحسن تدوين … بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن تعبر عنه بعباراتٍ عليها طلاوة وفيها متانة.
وتابع: إن اللغة العربية أسهل لغات العالم وأوضحها، فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقةٍ جديدةٍ لتسهيل السهل وتوضيح الواضح، إن الطلبة قبل الانقلاب الأخير في تركيا كانوا يكتبون ما أمليه عليهم من المحاضرات بالحروف العربية وبالسرعة التي اعتادوا عليها -لأن الكتابة العربية مختزلة من نفسها– أما اليوم فإن الطلبة يكتبون ما أمليه عليهم بالحروف اللاتينية، ولذلك لا يفتأون يسألون أن أعيد عليهم العبارات مراراً، وهم معذورون في ذلك لأن الكتابة الإفرنجية معقدة والكتابة العربية واضحة كل الوضوح، فإذا ما فتحتَ أي خطابٍ فلن تجدَ صعوبةً في قراءةِ أردأ خط به، وهذه هي طبيعة الكتابة العربية التي تتسم بالسهولة والوضوح.