في 16 ديسمبر، أصبح الرئيس السوداني عمر البشير أول زعيم عربي يزور سوريا منذ بدء الحرب الأهلية منذ سبع سنوات، وكان الرئيس السوري بشار الأسد في استقبال البشير في المطار دعماً لاستعادة سوريا لمكانتها الهامة في المنطقة، وقال المسؤولون إن الهدف من الاجتماع الذي استمر ليوم واحد في القصر الرئاسي دون حضور الصحفيين هو مناقشة العلاقات الثنائية، ومع ذلك فإن مثل هذا الاجتماع سيكون له تداعيات على العلاقات السورية العربية وكذلك على حليف سوريا القديم إيران .
وكتب المحلل الإيراني "حسن رستمي" في وكالة تسنيم للأنباء "في ظل الوضع الحالي ، فإن زيارة عمر البشير إلى دمشق لها أهمية كبيرة"، وأشار المقال إلى أنه بعد ثمانية أشهر فقط من الحرب الأهلية في سوريا،علقت جامعة الدول العربية سوريا، طبقت تطبيقًا اقتصاديًا وسياسيًا، وتتم زيارة البشير في وقت كان فيه العديد من القادة العرب "يعيدون النظر في موقفهم الراغبين في الإطاحة بالحكومة السورية".
وقال موقع المونيتور أن هناك طرف أو أطراف في الإقليم تربطها علاقات وثيقة بالبشير، تريد فتح الحوار مرة أخرى مع الأسد، وعودة العلاقات على ما كانت عليه قبل اندلاع الربيع العربي في 2011.
وتساءل الموقع هذه الزيارة لمصلحة من كانت؟ ولماذا لم يتم الإعلان عنها من قبلُ؟ وما العائد من ورائها سواء للبشير أو لبشار الأسد.
ويؤكد الموقع أن هناك احتمالية لوقوف السعودية وراء تلك الزيارة لطى صفحة الماضي التي دعم السعودية للمعارضة في سوريا، فعلى مدار السنوات الماضية، كانت التصريحات السعودية شديدة اللهجة لا تضع خيارات أمام الأسد إلا الرحيل عن السلطة طوعاً أو كرهاً، ولهذا قد يكون البشير قام بهذه الزيارة لتهيئة الأجواء للقاء بين الأسد ومحمد بن سلمان، لضمان التنسيق الروسي أو وقوف موسكو بصف الرياض حتى تمر أزمة اغتيال جمال خاشقجي بأقل الخسائر، ولعل الصورة التي التُقطت للرئيس فلاديمير بويتن والتي كشفت السلام الحار بينه وبين محمد بن سلمان.
روسيا ايضاً وراء هذه الزيارة
ثمة احتمال آخر وراء هذه الزيارة، وهو رغبة روسيا في تطبيع عربي، إذ قد تفتح هذه الزيارة الأبواب خلفها لعدد من القادة، من أجل كسر الحصار المفروض على الأسد، وإعادة إنتاجه بصورة جديدةٍ، بعد الحرب الأهلية التي خلّفت آلاف القتلى وملايين المهاجرين.
ولعل ما يعزز هذا الاحتمال الطائرة العسكرية الروسية التي أقلّت البشير إلى دمشق، والتي تسببت في إحراج مسؤول روسي عندما سُئل عن هذه الطائرة، ما دفعه لمحاولة التخفيف من وطأة السؤال، بإحالة الأمر إلى وزارة الدفاع الروسية، لمعرفة سبب وجود هذه الطائرة بمطار دمشق وأمامها الرئيس السوداني عمر البشير، فقد يكون القيصر الروسي دعا الرئيس السوداني، الذي أصبح يجيد في الفترة الأخيرة أداء هذه الأدوار، في ضوء تحسُّن العلاقات في الفترة الأخيرة بين الخرطوم وموسكو بعد زيارة البشير الأخيرة لروسيا، بعدما فقد الأمل في دور أميركي لرفع اسمه من "الجنائية الدولية"، ورفع اسم بلاده من قائمة العقوبات الأميركية، رغم الوعود الإماراتية بهذا الأمر عقب مشاركة قوات البشير في حرب اليمن.
الرئيس التونسي ورغبة الإمارات في ذلك
قد يستغرب البعض من احتمالية وجود دور تونسي في هذه الزيارة، لكن الأمر قد يكون بيد حكومة أبوظبي التي تربطها علاقات وثيقة بالرئيس التونسي الباجي قايد السبسي -وتحاول إعادة فتح سفارتها مرة أخرى في سوريا- رغم معارضة حركة النهضة، شريكه في الحكم، أي خطوة مثل هذه، لكن التطورات الأخيرة التي أشعلت الساحة التونسية والخلاف على حكومة رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد، قد تسببا في توتر كبير بين السبسي و"النهضة" التي يقودها راشد الغنوشي، اتهم على أثرها الرئيس التونسي الحزبَ الإسلامي بتدبير محاولة لاغتياله دون أن يكشف تفاصيلها.
ومما يدعم هذا الاحتمال، التصريح السريع لوزارة الخارجية الروسية عقب هذه الزيارة، والتي عبرت فيه عن أملها بأن تساعد هذه الزيارة في عودة سوريا الشاملة إلى جامعة الدول العربية، خاصةً أن القمة المقبلة تستضيفها تونس في مارس 2019.
ثانياً: ماذا استفاد البشير والأسد؟
هذه الزيارة رغم أنها لم تتجاوز الساعات، فإنها مثَّلت أهمية كبيرة لكل من الأسد والبشير على السواء، فالبشير قدَّم نفسه الآن بأنه عراب عودة العلاقات بين الدول العربية، التي تقف معظمها على استحياء من تطبيع العلاقات من نظام الأسد، خوفاً من غضبة شعوبهم، وفي الوقت نفسه، قدَّم هدية كبيرة لبشار الأسد ومِن ورائه سوريا وإيران.
أيضاً المحيطون ببشار الأسد وصفوا هذه الزيارة بأنها مهمة للغاية، وهي كذلك بالفعل، لأنها الأولى من زعيم عربي لدمشق منذ الثورة؛ ومن ثم سيكون خلفها تفكير العديد من القادة العرب في عودة العلاقات مع النظام السوري وإعادة الشرعية له مرة أخرى.