في زيارة مفاجئة للرئيس السوداني عمر البشير لسوريا يعقبها في الأيام القادمة زيارة أخرى للرئيس العراقي برهام صالح لدمشق، يطرح تساؤلاً لماذا في هذا التوقيت تحديداً ومن وراء تلك الزيارات المتعاقبة على البلد المنكوب، التي لم يدلخها أي رئيس عربي من 8 سنوات منذ اندلاع ثورة الربيع العربي، هل لروسيا يد أم السعودية في تحرك الأمور أم مصر.
وتعتبر العراق واحدة من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات رسمية مع نظام الأسد، وقواتها المسلحة وحكومتها الموالية لكن الميليشيات المدعومة من إيران قامت بعمليات في سوريا بالتنسيق مع النظام ضد الأهداف الجهادية.
كشف تقرير لصحيفة النيزويك الأمريكية أنه وسط تطورات سريعة تشير إلى قيام عدد من الأنظمة العربية ، بما في ذلك معارضي الأسد السابقين مثل السعودية والإمارات، بالتحرك لتطبيع العلاقات مع الأسد وإعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
وأكدت الصحيفة أن هذا تحرك مصري كبير لإنجاح مبادرات وقف إطلاق النار التي تبنتها القاهرة منذ عام لتهدئة الأوضاع في سوريا، لإعادة إعمار البلد المنكوب، حيث عملت مصر بالتنسيق مع الجانب الروسي لإنجاح العلاقات بين علاقة سوريا بالدول العربية الأخرى، من خلال اتصالات عملت عليها مصر الفترة الماضية.
ولقد طُردت سوريا من جامعة الدول العربية التي تضم 22 دولة بعد وقت قصير من اندلاع الحرب في عام 2011، وقد أقرت الدول العربية دمشق وأدانت الأسد بسبب استخدامه القوة العسكرية الهائلة وفشله في التفاوض مع المعارضة.
ولم يتضح على الفور سبب زيارة البشير، ولكن مع استعادة القوات الموالية لنظام الأسد للمدن الرئيسية ومراكز السكان ، أعرب بعض المسؤولين العرب عن رغبتهم في استكشاف إعادة العلاقات.
في أكتوبر ، قال الأسد لصحيفة كويتية غير معروفة أن سوريا قد توصلت إلى "تفاهم كبير" مع الدول العربية بعد سنوات من العداء،ولم يذكر اسم الدول العربية في المقابلة التي كانت الاولى له بورقة خليجية منذ اندلاع الحرب لكنه قال ان وفودا عربية وغربية بدأت زيارة سوريا للتحضير لاعادة فتح البعثات الدبلوماسية والبعثات الاخرى،وجاءت المقابلة في أعقاب احتضان دافئ مدهش بين وزير الخارجية السوري ونظيره البحريني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر في نيويورك.
أثار هذا التساؤل تساؤلات حول ما إذا كانت دول الخليج ، ومعظمها من أعداء حلفاء الأسد في إيران، تعيد النظر في علاقاتها مع سوريا.
وظل بشير زعيم السودان منذ عام 1989 وهو مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية في هولندا لمواجهة اتهامات بجرائم حرب ناتجة عن صراع في بلاده.
وبدأت الحرب السورية في عام 2011 عندما استجاب نظام البعث، الذي كان في السلطة منذ عام 1963، بقوة عسكرية إلى الاحتجاجات السلمية التي تطالب بالإصلاحات الديمقراطية خلال موجة الربيع العربي للانتفاضات، مما أدى إلى اندلاع تمرد مسلح تغذيه الانشقاقات الجماعية من الجيش السوري.
إن التكتيكات الوحشية التي اتبعها نظام الأسد بشكل أساسي، والتي شملت استخدام الأسلحة الكيميائية والحصار والإعدام الجماعي والتعذيب ضد المدنيين، أدت إلى تحقيقات في جرائم الحرب.
سوريا والعراق
مؤخرًا، أكد الرئيس العراقي "أهمية تضافر الجهود الدولية والاقليمية لإنهاء الأزمة السورية، وإيجاد حل دائم وشامل لكلّ مشاكل المنطقة"، وشدّد على أن "الاستقرار فى سوريا سينعكس على الاستقرار فى العراق والمنطقة".
من جانبها، أشارت إذاعة "المربد" العراقية إلى أنّ وزير النقل العراقي عبد الله لعيبي، بحث مع السفير السوري لدى العراق صطام دندح، فتح المعابر الحدودية في منطقة البوكمال والقائم لتسهيل حركة النقل والتبادل التجاري بين البلدين.
والجدير ذكره أنه بعد فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن والذي بقي مغلقًا 3 سنوات بفعل الحرب، أعلن دبلوماسيون سوريون وعراقيون في تشرين الأول أنّ إعادة فتح معبر حدودي بين سوريا والعراق بات قريبًا، وفقاً أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال حينها وزير الخارجية السوري وليد المعلم "نحن ننظر الآن إلى مصلحة الشعبين السوري والعراقي في فتح معبر البوكمال في أقرب وقت ممكن"، ويعتبر معبر البوكمال الوحيد من ثلاثة معابر على الحدود العراقية في الشرق الأقصى لسوريا التي تسيطر عليها قوات النظام على الجانب السوري.
من جانبه، قال وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري إن فتح المعبر، المعروف باسم القائم في العراق، أصبح "وشيكًا"، مضيفًا: "بالنسبة لنا، لا تمثل المراكز الحدودية مجرد معابر جغرافية فحسب، بل أيضا ثقافية واقتصادية وسياسية وحتى ديموغرافية،ولهذا السبب بذلت جهود وسنستمر في بذلها من أجل فتح هذه المراكز الحدودية".
ونشرت صحيفة "الوطن" السورية تقريرًا أشارت فيه لوجود دلالات على قرب استئناف حركة الشاحنات التجارية عبر هذا المعبر، لافتة إلى زيارة قام بها وزير الداخلية السوري محمد الشعار إلى العراق والتقى خلالها عددًا من المسؤولين العراقيين.
ودعمت صحيفة "الوطن" توقعاتها بتقارير صحافية نقلت عن مسؤول في وزارة الداخلية العراقية أن الشعار سيبحث مع رئيس الحكومة حيدر العبادي ملفات عدّة، ولاسيما الحدود.
من جانبه، توقّع سعيد الصبيح الآمر العام للجمارك السورية الشهر الماضي أن تسجل حركة تبادل البضائع عبر البوكمال رقمًا قياسيًا، نطرًا لرغبة الجانبين السوري والعراقي في تطوير التبادل الاقتصادي، مؤكدًا أن البضائع السورية تلقى رواجًا واسعًا في الأسواق العراقية.
يشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق قد بلغ قبل اندلاع الأزمة السورية قرابة 3.5 مليار دولار، وشكلت صادرات سوريا إلى العراق معظمها.
وقد أعاد العراق مؤخرا نشر قواته على الحدود مع سوريا في محاولة لوقف تدفق الأسلحة ومقاتلي تنظيم "داعش"، حيث فقد التنظيم الكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها، لكنه لا يزال يحتفظ بوجوده بالقرب من الحدود.
ماذا عن الأردن؟
من جهة أخرى، التقت لجنة الشؤون الخارجية النيابية الأردنية بالقائم بأعمال السفير السوري في عمان أيمن علوش، حيث جرى بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها في المجالات كافة.
وقال أيمن علوش "إن الأردن يعني لنا الكثير ونحن نعاني ألما واحدا وتحديا واحدا وعدوا واحدا ونحن في خندق واحد".
وأكد الدبلوماسي السوري خلال استضافته في اجتماع عقدته لجنة الشؤون الخارجية النيابية في الأردن، أن سوريا قيادة وشعبا معنية وحريصة على تعزيز العلاقات مع الأردن في شتى المجالات.
الأسد.. بين تونس ولبنان:
وفي سياق إعادة العلاقات مع سوريا، كشف وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، أمس الثلاثاء، حقيقة دعوة الرئيس الأسد لحضور أعمال القمة العربية التي تحتضنها تونس في آذار 2019.
وأشار وزير الخارجية التونسي إلى أن اتخاذ قرار حول سوريا قد يتم بعد اجتماع الرؤساء العرب في القمة، قائلا: ''هم من يقررون وليست تونس من تقرر''.
من جانبها، ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" أنّ انقسامًا سياسيًا كبيرًا يسود لبنان حول دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة الاقتصادية العربية المقرر عقدها ببيروت في 20 ديسمبر المقبل، وتمارس بعض الأحزاب بما فيها حزب الله، ضغوطاً على المرجعيات السياسية لإقناعها دعوته للقمة، في وقت تحذّر فيه قوى محسوبة على فريق "14 مارس" من تداعيات الدعوة من دون الأخذ برأي جامعة الدول العربية.