في حرارة الشمس الحارقة في فصل الصيف، والبرودة القاسية في فصل الشتاء، يقوم بعض أهالي قرية شبرا خلفون التابعة لمركز مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، بتحويل الروبابيكيا لصناعات صديقة للبيئة، وتبدأ دورة عملهم بركوب العربة الكارو أو التروسيكلات، والمرور بين أنحاء القرية والقرى المجاورة، منادين "روبابيكياااااا .. بيكيااا"؛ وذلك لحمل كل ما هو قديم من أوراق وكتب وحديد، وصولاً للأجهزة الكهربائية الميئوس منها وشرائها بثمن بخس؛ لإعادة تدوريرها، وتحويل الروبابيكيا لصناعات صديقة للبيئة، ملقبين أنفسهم بأصدقاء البيئة. وتحتوي القرية على 200 مخزن وورشة لتجارة الخردة، التي يعمل بها كل كبير وصغير في القرية، فلا يوجد في القرية أحد يسمي فقيرا من كثرة تواجد الورش والعمل المتاح بداخلها. فمن لا يجدُ عملاً من أبناء القري المجاورة يذهب إليها للعمل بها، حيث يقبل على تجارة الخردة والعمل بها الأهالي؛ لكسر حجة البطالة، وبالتالي بناء العمائر.
تحويل الروبابيكيا لصناعات صديقة للبيئة
وبدأت قرية إصطباري المجاورة لها بافتتاح الورش الخاصة بها اقتداء بها؛ لتكون مثل قرية شبرا خلفون بها0% بطالة، حيث تعد مهنة القرية منذ حوالي 70 عاماً، وهي متوارثة أباً عن جد. وفي هذا السياق حاورت مراسلة «أهل مصر» أهالي القرية؛ لمعرفة المهنة أكثر.
مطالبة بنقابة لحفظ حقوقهم
فى البداية يقول سامي عبد السلام محمد صاحب أول مخزن للخردة في مدخل القرية: ورثت المهتة أبا عن جد منذ أن كان هذا المخزن كشكا صغيرا جدا من الحطب والبوص، فأصبح بالاجتهاد مصنعا كبيرا وبه 10 عمال أساسيين يقومون بفرز المواد، بالإضافة للأطفال أبناء العاملين الذين يأتون في أوقات فراغهم للعمل به، فضلاً عن 5 سائقين لعملية التوزيع بعد الفرز، وعدد العاملين الملقبين بالسريحة الذين يحضرون المنتجات إلي المخزن سواء علي العربة الكارو أو الموتوسيكلات، مشيرا إلى مطالبة بنقابة لحفظ حقوقهم .
وأضاف إن كل قطعة خردة لديه لها ثمن غالٍ جدا ولها زبونها المعروف، حيث نقوم بعرض البضائع أمام الجميع، ويقومون بأخذ ما يريدونه، كالحمامات التي يشتريها السباكون، والأدوات الكهربائية التي يشتريها فنى التصليح. أما الكتب والكراتين فيتم ذهابها تلقائيا إلى مصانع إعادة التدوير؛ لإعادة صُنعها.
ويحكي ماهر لبيب صاحب ورشة خردة: توفي والدي وأنا في الثامنة من عمري، فقررتُ العمل لإطعام إخوتي، وبدأت رحلة شقائي سريعا، حيث عملت في حمل الأثقال ورفعها للمنازل، بعد ذلك عملت كصبي في إحدي ورش الميكانيكا، ثم عملت صبيا في جمع الخردة من الطرق والمنازل، وصولاً إلي إقامة محل الخردة الخاص بي منذ 7 سنوات.
وتابع: تزوجت وأنجبت 4 من الأبناء في مختلف المراحل العُمرية، وتعد مهنة الخردوات أو ما نسميها الروبابيكيا هي المهنة السائدة في القرية التي يستطيع الأهالي من خلالها العيش بسلام.
وأضاف لبيب: لديَّ 12 عاملاً بالمخزن يتراوح أعمارهم بين 25 : 60 عاما، يعملون جاهدين لتوفير لقمة عيش حلال، هذا فضلاً عن أن جميع أهالي القرية لم يبحثوا عن العمل الحكومي؛ لأنه صعب المنال، واتجهوا إلي العمل الحر لجلب الرزق لأسرهم.
وقال محمد محمد الرفاعى صاحب ثاني أكبر ورشة خردة بالقرية: أعمل أنا وأشقائى وأولادى فى هذه المهنة منذ 25 عاما، حيث إنها مهنة صعبة، ولكن رزقها وفير، هذا فضلاً عن عملي لتعليم أبنائي بصورة جميلة، فأصبحوا في الجامعة والثانوية والإعدادية.
ويضيف: يأتي أبنائي وأبناء العاملين معي للعمل في الإجازة للمساعدة، حيث لديَّ رشة بها 30 عاملاً بالمخزن يقومون بالفرز، ولم نقتصر علي هؤلاء الطلاب فقط، بل لدينا من خريجي كليات "الهندسة والعلوم، والحاسبات والمعلومات" من يقومون بالعمل هنا.
ويؤكد محمود سامر الصديق أحد العاملين بورش الخردة أنه لا يخلو منزل في القرية إلا ويعمل عدد من أهله بداخل إحدى ورش الخردة، فلكل ورشة عمال معروفون، ولا يجب انتقال أحد من ورشة إلي أخرى، وقمنا بتجديد وتنظيف القرية وإدخال المرافق إليها بأنفسنا؛ وذلك لأننا نريد خدمة أنفسنا بأنفسنا، ولكن لدينا طلب صغير من الحكومة، وهو ضرورة عمل نقابة؛ لحفظ حقوقنا، بل ودعم الدولة لنا؛ لأننا نساعد في الحد من التلوث، وجذب العمالة والقضاء على البطالة.
ويضيف الصديق: لم يكن لهذه المهنة أي قوانين تحميها وتحافظ علي العاملين بها، فقمنا بوضع القانون الخاصة فيما بيننا؛ وذلك منعا للشجار بين بعضنا بعضا، وافتعال الكوارث، فلكل ورشة عاملوها بالشوارع "السريح الخاص بها"، يعطيهم صاحب العمل عربة كارو أو تروسيكل، وذلك للتجوال بها وجمع الخردة من الأهالى.
وقال أحمد شندي: أعمل في المهنة منذ أن كنت في العاشرة من عمري، حيث أعمل من ساعتين إلي 5 ساعات فيها، وذلك في الإجازات، فالورشة متكفلة بالعديد من الأدوات للعمل، سواء العربة الكارو أو التروسيكل والميكروفون؛ وذلك للخروج والمناداة لمن لديه بعض الخردة لبيعها.
وأشار شندي إلى أنه تعلم منذ صغره كيفة فرز المشتريات عن بعهضا بعضا، ومعرفة البلاستيك المعاد تدويره من قبل أو لا، حيث كان والده يعمل بهذه المهنة، وكان منذ صغره يرافقه لتعلمها، فأصبح يحصل عليها بأقل الأسعار من المواطنين، وفي بعض الأحيان يجمعها من القمامة الملقاة في الطريق دون أي أموال .
ويختتم سليم حسنين (صبي): نساعد الدولة في تنظيف البيئة بدلاً من تلويثها، بل واستخدام القديم وتدويره لعمل الجديد، وذلك بتدوير القمامة الملقاة على الأراضي والترع.