الزكاة والامن المجتمعي

لما كان البحث يتناول دور الزكاة والأمن المجتمعي ودور الزكاة فى تحقيق الأمن المجتمعى، سواء من خلال ما يتصل بموضوع الزكاة والدخل أو ما يتعلق بموضوع مصلحة الزكاة للمسلمين لذلك من المناسب أن نبدأه بإلقاء نظره على الأمن المجتمعى لتحديد ماهيته وأهميته وبيان مقوماته لنصل إلى أنه من أهم هذه المقومات الأمن الاقتصادى الذى يسعى لإشباع الحاجات الإنسانية خاصة للفقراء المحرومين والتى تتكفل بها الزكاة، وهذا ما سنحاول بيانه فى هذا المبحث الذى يسير على الوجه الذي يبين العلاقة بين الزكاة والأمن المجتمعي

الزكاة والدخل .. علاقة متبادلة مع الأمن الفكري

الأمن من الأمان ضد الخوف ويعنى به السكينة والاستقرار والطمأنينة مما يؤدى إلى الهدوء وراحة البال وإبعاد المخاوف على مستوى الفرد والجماعة.

ب – الحاجة إلى الأمن: لكى يحيا الإنسان فى الحياة لابد من إشباع حاجاته وحاجيات الإنسان كما هو عليه إجماع علماء الاجتماع ونقله عنهم علماء الاقتصاد تتمثل فى نوعين يستهدفان تحقيق الزكاة والدخل ومصلحة الزكاة للفقراء

النوع الأول: الحاجات الجسمية (الفسيولوجية) وتتعلق بكل ما يحافظ على وينمى جسم الإنسان من مأكل ومشرب وملبس ومسكن (أى كل ما يتعلق بصحة الإنسان).

النوع الثانى: الحاجات النفسية (السيكولوجية) وتتعلق بكل ما يحافظ على الجوانب الروحية للإنسان وتتمثل فى الأمن والانتماء والتقدير وتحقيق الذات.

ولا يمكن لأى إنسان أن يعيش بدون إشباع هذين النوعين من الحاجات وصولاً إلى الصحة والأمن اللذين يمثلان النعيم فى الدنيا كما قال ابن مسعد فى تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قال: الأمن والصحة( ).

ولقد سبق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة علماء الاجتماع فى تحديد الحاجات الإنسانية كما يظهر ما يلى:

1- لقد اعتبر القرآن الكريم إشباع هذين النوعين من الحاجات نعمة إلهية أنعم الله سبحانه وتعالى بها على خلقه كما جاء فى سورة قريش ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾( ).

2- فى إطار التصوير القرآنى لدعاء سيدنا إبراهيم u ربه لزوجته ووليده إسماعيل عندما تركهم فى أرض لا زرع فيها ولا مصادر للحياة طلب لهم ما يشبع حاجتهم الجسمية وعلى رأسها الطعام وما يشبع حاجتهم النفسية وعلى رأسها الأمن حيث يقول الله U: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾( ).

3- حينما يبتلى الله عباده يكون الابتلاء بنقص الموارد التى تشبع الحاجات الإنسانية بنوعها فيقول الله عز وجل: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾( ).

4- يصور القرآن الكريم آثار التخلف الاقتصادى بالجوع والخوف فى قوله تعالى ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾( ) فالكفر بنعمة الله هو عدم استغلالها بشكل سليم وهو معنى التخلف اقتصاديا.

5- يصور الرسول الكريم كمال الغنى والرغد (الرفاهية من خلال الزكاة والدخل ومصلحة الزكاة فى الحياة بتوافر ما يشبع الحاجات الإنسانية بنوعيها حيث جاء فى الحديث الشريف: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»( ) وهكذا تتضح أهمية وضرورة الأمن وحاجة الإنسان إليه.

مصلحة الزكاة للمسلمين الفقراء

أ – المجتمع: هو مجموعة من الأفراد تعيش فى بيئة محددة وموقع جغرافى واحد وتترابط مع بعضها من خلال مؤسسات تنظم علاقاتهم وتخدم حاجاتهم ويتشكل لدى هذه الجماعة تراثاً ثقافياً مشتركاً يجمعهم ويحسون معه بالانتماء والولاء إلى بعضهم يدفعهم إلى حماية المجتمع وتماسكه واستقراره من خلال الزكاة والدخل ومصلحة الزكاة

والحاجة إلى المجتمع حاجة فطرية فى الإنسان ضرورية لقيام حياته، فإذا كان الإنسان فى فرديته يحب ذاته ويؤثر مصلحته الخاصة إلا أنه لا يمكنه تحقيق ذلك وحده بل لابد من مجتمع يعيش فيه ويتعامل معه، ولقد سبق علماء المسلمين فى إدراك هذه الحقيقة فيقول أبو حامد الغزالى: ثم عن الإنسان خلق بحيث لا يعيش وحده بل يضطر إلى الاجتماع مع غيره من أبناء جنسه»( ) ويقول الماوردى: «والإنسان مطبوع على الافتقار إلى جنسه واستعانته صفة لازمة بطبعه وخلقة قائمة فى جوهرة»( )، ربما أن كل إنسان فى هذا المجتمع له مصالح مع الآخرين إذا لابد من وجود صيغة للتعاون معهم والإحساس بالانتماء إليهم حتى تحقق مصالحه ويشعر بالأمن.

ب – مفهوم الأمن المجتمعى والحاجة إليه:

- مفهوم الأمن المجتمعى: ويعنى به الطمأنينة التى تنفى الخوف والفزع عن الإنسان فرداً أو جماعة فى سائر ميادين العمران الدنيوى بل وأيضاً فيما وراء هذه الحياة الدنيا( ) ومن منظور آخر يمكن القول إن الأمن المجتمعى هو توفير سبل الحياة بشكل يمكن لكل فرد فى المجتمع أن يشعر بالطمأنينة وتتحقق له السلامة على نفسه وماله وعرضه وفكره من خلال علاقات طيبة مع الآخرين ومؤسسات قادرة على توفير الحماية له.

- والأمن المجتمعى ضرورة حياة، فإذا كان الأمن الفردى من الحاجات الضرورية للإنسان فإن الأمن المجتمعى يأخذ نفس الضرورة لأنه لا يمكن تحقيق الأمن الفردى بدون أمن الجماعة.

ويصور الماوردى ذلك فى صورة بليغة يجمع فيها بين الأمن وصلاح الدنيا بأسرها ويجعل توفير ذلك على مستوى الفرد والجماعة متلازمان فيقول: «وأعلم أن صلاح الدنيا يعتبر من وجهين: أولهما ما تنتظم به أمور جملتها (ويدخل فيه الأمن الاجتماعى). والثانى: ما يصلح به حال كل واحد من أهلها (ويدخل فيه الأمن الفردى) فهما شيئان لا صلاح بأحدهما إلا بصاحبه، لأن من صلحت حاله مع فساد الدنيا واختلال أمورها لن يعدم أن يتعدى إليه فسادها ويقدح فيه اختلالها لأنه منها ما يستمد ولها يستعد، ومن فسدت حاله مع صلاح الدنيا وانتظام أمورها لم يجد لصلاحها لذة لأن الإنسان دنيا نفسه."

ويوضح بعد ذلك أن الأمن الاجتماعى من أهم مقومات صلاح الدنيا حيث يقول: «اعلم أن ما تصلح به الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة وأمورها ملتئمة ست أشياء هى قواعدها وأن تفرعت وهى: دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل وأمن عام (اجتماعى) وخصب دائم، وأمل فسيح" ويجعل الأمن هو محور هذه القواعد، فالدين يوفر الأمن الروحى والنفسى فى الدنيا، والأمن من عذاب الله فى الآخرة، والسلطان القاهر من أهم واجباته حماية المجتمع من العدوان الخارجى أو الداخلى والعدل الشامل من أهم مقومات الأمن.

أما الأمن ذاته فهو ضرورى لقيام القواعد الأخرى ويقول فيه «الأَمْنُ أَهْنَأُ عَيْشٍ.. لأَنَّ الْخَوْفَ يَقْبِضُ النَّاسَ عَنْ مَصَالِحِهِمْ ، وَيَحْجِزُهُمْ عَنْ تَصَرُّفِهِمْ ، وَيَكُفُّهُمْ عَنْ أَسْبَابِ الْمَوَادِّ الَّتِي بِهَا قِوَامُ أَوَدِهِمْ وَانْتِظَامُ جُمْلَتِهِمْ " ويجعل الخصب من نتائج الأمن، ولا يمكن لخائف أن يكون عنده أمل فسيح( ).

وهكذا نجد الأمن محور صلاح الدنيا والنجاة فى الآخرة.

جـ- مقومات وأنواع الأمن المجتمعى: إن الأمن المجتمعى مرتبط كما سبق القول بأمن كل إنسان فى المجتمع على نفسه وماله وأهله وعرضه وبالتالى نجد له جوانب عدة منها الأمن الاقتصادى والأمن الأسرى والأمن النفسى أو الروحى والأمن السياسى والأمن الفكرى أو الثقافى، ولكى يتحقق الأمن فى المجتمع لابد من توافر عدة مقومات أو أسباب من أهمها: العدل والحرية والتكافل وإشباع الحاجات والاستقرار ونظام دفاع وحماية داخلى وخارجى، وكلها مترابطة لا غنى لإحداهما عن الأخرى.

غير أن ما يرتبط ببحثنا من هذه المقومات هو: إشباع الحاجات والعدل والتكافل، فمن المعروف أنه توجد علاقة وثيقة بين الأمن والاقتصاد بشكل عام حيث يحتل الاقتصاد مكان الأولوية فى الحياة وهو مركز البناء الاجتماعى وبانتظامه يكون الاستقرار والأمن، وبدون اقتصاد سليم يحصل فيه كل فرد على ما يشبع حاجياته تنتشر الجرائم والاعتداء على الأموال ويعم الخوف والفزع الذى هما ضد الأمن, لأنه لا أمن لجائع ولا أمن من الجائع, ومن المعروف أن الهدف الاستراتيجى للاقتصاد هو الوصول إلى حالة الرفاهية لجميع الأفراد أو رغد العيش, والأهداف الموصلة لذلك (المرحلية) هى تحقيق كل من الكفاءة والعدالة، فالكفاءة: يعنى بها حسن استغلال وتخصيص الموارد المتاحة، والعدالة: يعنى بها توزيع الثروة والدخل فى المجتمع على جميع أفراده بما يضمن أن يصل كل فرد على كفايته للعيش بسلام، ومن حكمة الله عزوجل أن جعل بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء وواجب العدالة يقتضى وجود التكافل بين كل من الفريقين، والزكاة: تعمل فى هذا الإطار فهى من أساليب التكافل الإسلامية وتعمل على سد حاجة المحتاجين والمحرومين لكى يعيش المجتمع فى أمن مستقر وهذا ما سنوضحه فى المبحث التالى.

المبحث الثانى

دور الزكاة فى تحقيق الأمن الاجتماعى

موضوع الزكاة بشكل عام من الموضوعات المعروفة والتى سبق بحثها كثيراً كما أن له جوانب متعددة سواء فى فقه الزكاة أو فى الدراسات المختلفة حولها, ويصعب فى مقامنا ذكر كل ما يتعلق بالزكاة. وحيث إن موضوع البحث هو الزكاة والأمن المجتمعى لذلك سوف نكتفى بالإشارة إلى أهم جوانب الزكاة التى لها صلة أو تعمل على تحقيق الأمن المجتمعى وذلك فى الفقرات التالية:

أولاً: أهمية الزكاة للأمن المجتمعى:

الزكاة جزء من مال الأغنياء يمثل حقاً للفقراء والمحتاجين من أجل سد حاجاتهم حتى يمكنهم العيش والحياة، وإذا كان من أهم مقومات الأمن الاجتماعى كما سبق القول التكافل بين أفراد المجتمع وإشباع حاجات جميع أفراده فإنه بدون تحقيق ذلك سوف يختل الاستقرار فى المجتمع ويحل بدلاً منه التناحر والشقاق وهما من أهم أسباب الخوف والفزع، ولأن وجود أفراد فى المجتمع يعانون الجوع والبؤس والحرمان بجانب وجود أخوه لهم فى الوطن أغنياء يؤدى بهم إلى الحقد والحسد مما يدفعهم إلى الاعتداء على الأغنياء وأموالهم وينتشر الانحراف والإرهاب والفكر المتشدد ويعيش المجتمع كله فى حالة خوف وترويع مما يفقد معه الأمن، والزكاة من أهم الأساليب التى تحقق التكافل من أجل سد حاجة المحرومين, وبذلك فهى تعمل على استتاب الأمن للمجتمع

The study dealt with the role of Zakat and social security and the role of Zakat in achieving social security, whether through the subject of Zakat and income or the subject of the interest of Zakat for Muslims so it is appropriate to start by looking at the social security to determine what it is and importance and to determine its components to reach the most important These elements are the economic security that seeks to satisfy the humanitarian needs, especially for the poor who are deprived of Zakat, and this is what we will try to explain in this topic, which goes in the way that shows the relationship between Zakat and social security

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً