عمّق الإعلان المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، المخاوف من وجود فراغ أمني في البلد المنكوب، خاصة أن تركيا كانت تنتظر هذا الانسحاب منذ فترة طويلة للقضاء على الأكراد الذين كانوا تحت الحماية الأمريكية والذين ساعدوا في دحر تنظيم داعش لكسب أراضي ومكاسب سياسية في سوريا، برعاية إدارة ترامب.
واتخذ القرار الأمريكي بعد أن تحدث ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث عارضت تركيا بشدة الدعم الأمريكي لميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي، التي هي الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، حزب العمال الكردستاني، الذي نشط منذ الثمانينيات في تركيا، وفي ديسمبر، أرسلت تركيا آلاف المقاتلين الأتراك بالإضافة إلى المتمردين العرب السوريين الذين يعملون تحت رعايتها للحدود التركية السورية، وهددت تركيا مرارا بغزو المناطق التي يسيطر عليها الأكراد إلا أنهم لم يحصلوا على الفرصة في السابق بسبب الحماية الأمريكية.
وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إن القلق ينبع من تهديد الغزو التركي جزئيا، وفقًا لتقارير من منطقة عفرين في شمال غرب سوريا، وهي منطقة استولت عليها تركيا بمساعدة المتمردين السوريين في مارس من هذا العام، ومنذ الغزو التركي شهدت هذه المنطقة الكردية، التي كانت تحت سيطرة الميليشيات الكردية في حزب الاتحاد الديمقراطي، تحولاً ديمغرافيا كبيرا، فالعرب السوريين الذين كانوا يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة والذين تم طردهم هذا العام عندما استسلم المتمردون في المنطقة انتقلوا إلى منازل الأكراد الذين فروا من عفرين خلال الهجوم التركي، وبالإضافة إلى التحول الديموغرافي، قامت الفصائل السورية المسلحة التي تعمل تحت رعاية تركيا بنهب عفرين واستمرت في سرقة السكان وإهانتهم عند حواجز الطرق واعتقال أي شخص يشتبه في أنه يؤوي معارضة للحكام الجدد، وخاصة المعارضة للعرب السوريين الذين استولوا على منازل الأكراد.
وفي يوليو 2018، ومع تزايد الإشارات من إدارة ترامب بأن الولايات المتحدة تنوي الانسحاب من سوريا، حاول حزب الاتحاد الديمقراطي الحصول على تنازلات من نظام الأسد مقابل عودة نظامية جزئية للسلطة المركزية إلى المناطق الخاضعة لحكم حزب الاتحاد الديمقراطي، وفشلت المفاوضات على ما يبدو لأن النظام أصر على العودة الكاملة للوضع قبل الحرب ورفض منح الأكراد أي سمة مميزة للحكم الذاتي.
الأكراد المتضرر الوحيد
وتقول صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن الأكراد هم الطرف الأكثر تضرراً لأنهم سيتحولون إلى هدف تركي مباشر، قد يكون قريبًا جداً، خصوصاً أن القوات التركية تحتشد على الحدود الجنوبية المحاذية لسوريا استعداداً لمهاجمة منطقة شرقي الفرات الواقعة تحت سيطرة الأكراد.
وتضيف الصحيفة أن غالب الظن أن الأمر له علاقة بتركيا، إذ يبدو أن واشنطن عندما قررت المفاضلة بين الحليف التركي التاريخي، والحليف الكردي، الذي يستخدم «حصان طروادة» في الأزمة السورية، قررت اختيار أنقرة، لذلك اعتبرت قوات سوريا الديمقراطية هذا الانسحاب «طعنة في الظهر»، وخيانة لدماء آلاف المقاتلين.
هل سيتوقف الأكراد عن مهاجمة داعش؟
حذرت مسؤولة كردية في باريس من أن قوات سوريا الديموقراطية، وهي تحالف يضم فصائل عربية وكردية، قد تضطر للتوقف عن قتال الإرهابيين في المنطقة إذا اضطرت لإعادة نشر قواتها لمواجهة هجوم تركي محتمل.
وقالت عندما لم يكن الأميركيون موجودين في المنطقة كنا نحارب الإرهاب، وسنستمر في مهمتنا هذه لكن بمواجهة الإرهاب هذا سيكون أمرًا صعباً لأن قواتنا ستضطر إلى الانسحاب من الجبهة في دير الزور لتأخذ أماكنها على الحدود مع تركيا.
وقالت الصحيفة إن هذا تصريح بشكل واضح بمعاونة داعش للعودة إلى مقاليد الأمور لكسب أراضي مناصفة بعد تخلي أمريكا عنهم.
وتعتقد الصحيفة أن حزب الاتحاد الديمقراطي سوف يتفاوض مع النظام «ويوافق على أي شروط من شأنها أن تمنع الدخول إلى منطقة تركيا حتى على حساب استسلام الحلم» للحكم الذاتي الكردي، ووافق المسؤول الكبير من حزب الاتحاد الديمقراطي، مشددًا على أن الخطرالأكبر في المنطقة تفرضه تركيا وحلفاؤها العرب، الذين يعتبرهم «متطرفين».
وتخوض قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية معارك عنيفة منذ سبتمبر ضد آخر جيب للتنظيم على الضفاف الشرقية لنهر الفرات في محافظة دير الزور.
ويخشى الأكراد أن تشن تركيا هجوما عليهم قد يؤدي إلى إطلاق مئات المتطرفين الأجانب المعتقلين لديهم.
وطردت قوات سوريا الديموقراطية خلال العامين الأخيرين التنظيم من مناطق واسعة في شمال وشمال شرق البلاد، أبرزها مدينة الرقة التي كانت تعد معقله الرئيسي في سوريا.
نقلا عن العدد الورقي.