صدرت عن دار روافد للنشر والتوزيع بالقاهرة المجموعة القصصية الأولى للكاتب السعودي محمد المطرفي بعنوان كمان قديم. تحتوي المجموعة على عشرات القصص القصيرة جدا، والتي ترصد أدق التفاصيل التي تبدو معتادة؛ لتكتشف ما بداخلها من فرادة وتمييز، وتقدم كمان قديم كولاج فنيا يمزج القصة القصيرة بفنون الموسيقى والرسم. ويركز محمد المطرفي على أنسنة الأشياء في العديد من قصص كمان قديم مثل: "حصان غريب، وحرية الطيور، وجثمان شجرة، وعشرة عصافير، وصورة عائلية، مهمة أخيرة للتراب، وموناليزا، ومشفى العقلاء، وعالم البهجة، ومصائر متقاطعة، وفيلٌ في فناء منزلي".
بقعة الضوء في أول النفق
يقول محمد المطرفي عن مجموعته القصصية: "كمان قديم مجموعتي القصصية الأولى بعد ثلاث روايات، كانت بقعة الضوء في أول النفق لا في آخره. اكتشفت من خلالها عالم القصة القصيرة المبهر وكيف تستطيع بكلماتٍ قليلة أن تقول الكثير وأن تلتقط صورةً فوتوغرافيةً بالكلمات، وأن تحول مقطوعةً موسيقيةً لحروف ولوحةً تشكيليةً لحكاية ونص سردي".
ويضيف:"في القصة القصيرة جداً عليك أن ترفع الستارة وتترك للقارئ حرية أن يؤدي المشهد في مخيلته ، وأن تهدي إليه مفتاح الفكرة وتترك له حرية أن يقتحم الخيال . كمان قديم ولوحات صغيرة أخرى الصادرة عن دار روافد أخذتني بيدي كطفلٍ صغير واقتحمت بي عالم القصة القصيرة وقالت لي : ابق هنا فهذا مكانك ."
من أجواء المجموعة:
"عاد من الحرب منتصرًا، لكنه خلَّف ذراعه اليمنى هناك، تحمل قوس كمانٍ قديم، وتحاول ألا تتعثر في جثث الأغاني المرتجلة، غرسها بين أصدقائه النائمين، علّها تنبت يومًا، وتنجب حقولًا من اللافندر. حين رآها آخر مرة، كانت تحمل قوسها القديم، وتحاول أن تعزف سيمفونيةً مرتجلةً،لزوجته خلف المحيط، كانت على وشك أن تنهي حفلتها، وتنحني بكل تواضعٍ لمستمعتها الوحيدة، قبل أن تقذف بها قذيفة عمياء إلى نهاية السيمفونية، كانت ماتزال متشبثةً بقوسها، حين طارت كفراشة نحو الضياء"
"أين يضع الناس أيديهم في موقفٍ كهذا.. فكر، فلم تسعفه ذاكرته، فهو يتذكر الوجوه ووضع الأقدام، أما الأيدي فلم تكن في يومٍ من الأيام محط اهتمامه، ولم تلفت نظره يومًا! .. آه لو كانت هناك طاولة، لسهل عليه الأمر ووضعهما خلفها، لكنه يقف هناك مكشوفًا دون حجاب! .. شعر أن يديه لا تنتميان لجسده، كأنهما عضوان نبتا فجأةً في تلك اللحظة، وهو عاجزٌ عن أن يجد لهما مكانًا يستريحان فيه!".
"كان آخر الأحياء على ظهر هذا الكوكب، عالقًا هنا على حافة العالم، هذه الكيلومترات الشاسعة له وحده، لا أحد ينازعه عليها، أو يشاركه فيها، هذه المساحات الشاسعة المهملة، كم من قلوبٍ توقفت وهي تحلم بامتلاك جزءٍ يسيرٍ منها، وكم من معارك وقعت بسببها، وملايين قتلوا في سبيلها، وها هي ملقية و مهملة أمامه بلا قيمة!".
"كان هو المالك الوحيد لها،لكنه لم يكن مستمتعًا بكل ذلك، فالمتعة تحتاج للشراكة،والنفوذ يحتاج لبشر،والسعادة تحتاج لقلوبٍ تقتسمها! .. ينام بالرغم من أملاكه الشاسعة في بقعةٍ لا تتجاوز المترين، ويأكل رغم هذه المزارع التي بلا نهاية، طبقًا صغيرًا لا يستطيع أن يتجاوزه!".