اعلان

أسرار صحفي كتب خطاب السادات في الكنسيت.. كيف تمكن موسى صبري من إقناع الرئيس الراحل بإبعاد مبارك عن رئاسة الحكومة؟

إن شئت اطلق عليه "شاهد على العصر" بل أكثر من ذلك "ترس في ماكينة العصر" أو أطلق عليه "العصر في إنسان".. إنه موسى صبري، أسطى الصحافة الذي اختلف عليه الكثيرون واتفق عليه الكثيرون أيضًا، إنه "موسى صبري" .. موسى صبري الشاب الذي بدأ مشواره مع مؤسسة " أخبار اليوم" وتولى فيها وظيفة المحرر البرلماني، ثم اُختير نائبًا لرئيس تحرير صحيفة الأخبار ثم رئيسًا لتحرير مجلة الجيل، ثم رئيسًا لتحرير صحيفة الأخبار. 

انتقل للعمل فترة بصحيفة الجمهورية ثم عاد مرة أخرى رئيسًا لتحرير الأخبار. وفي عام 1974 عين نائبًا لدى رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم ثم رئيسًا له عام 1975، وظل موسى صبري محتفظًا بمنصبه كرئيس لمجلس إدارة دار أخبار اليوم ورئيس لتحرير صحيفة الأخبار إلى أن حان موعد خروجه على المعاش في نهاية عام 1984... وأشهر ما كتبه خطاب الرئيس الراحل محمد أنور السادات في الكنسيت والذي أحدث ضجة كبيرة في العالم أجمع، ليبداً في كتابة مذكراته التي دونها في كتاب باسم 50 عاما في قطار.. ليذكر فيها ما خفى عن ذاكرة الوطن.

يقول موسى صبري في كتابة 50 عامًا في قطار الصحافة: 

عندما رأيت حسني مبارك لأول مرة مع نائب رئيس الجمهورية- قلت للسادت : " لا تحرق حسني مبارك " .. بدأت علاقتي محدودة بالفريق حسني مبارك قائد الضربة الجوية الأولى بعد حرب أكتوبر مباشرةً.

مبارك النائب 

رأيته لأول مرة عندما دعى عدد من الكتاب ورجال الصحافة، إلى إحدى القاعات العسكرية، للإستماع إلى البيانات من قادة الجيش الذين حققوا نصر أكتوبر. كان ممتلئًا حيوية ونشاطًا وتحدث بحماسة على سجيته.. وشرح قصة الضربة الجوية الأولى. 

ثم قرر الرئيس السادات، اختيار حسني مبارك لمنصب رئيس الجمهورية، واتصل بي تليفونيًا، وطلب مني أن أجري حديثًا مع النائب الجديد، أقدمه فيه للقراء، وكذلك طلب من زميلي حمدي الجمال. 

ولقيته مرتين واستغرق اللقاءان ست ساعات. سألته في كل شئ ولكن معظم حديثه عن تاريخه العسكري. 

وفي هذين اللقاءين الطويلين، تبينت أنه رجل بسيط على طبيعته، لا يفتعل قولًا أو شعورًا، وقال لي إنه قبل هذا المنصب، لكي يعمل فقط مع الرئيس السادات.. وإذا حدث تغير رئيس الجمهورية، فإنه لن يستمر. 

وفي حالات عديدة، كان الرئيس السادات يحيلني إلى النائب حسني مبارك، في توضيح بعض الأمور.. كان يقول: "حسني عنده كل حاجه.. اتصل بيه. 

وجلست مع حسني مبارك، في حضرة السادات مرتين.. 

الأولى في منزل الرئيس السادات بالجيزة، في الفرندة المطلة على البحر، وكان الرئيس السادات يعد لتعديل وزاري.. وفي هذه الجلية أخطره بقرار بطرس غالي وزيرًا للدولة.. وطلب مني السادات الاطلاع على خطابات متبادلة بينه وبين الملك خالد ملك لسعودية، قبيل زيارة الرئيس لاسرائيل.. وقال للنائب :

- ادي لموسى كل هذه الأوراق 

وعند الانتهاء اصطحبني النائب حسني مبارك معه، في طائرة هيلوكبتر من منزل الرئيس في الجيزة.. إلى منزله في مصر الجديدة، وكان معنا جمال عبد العيزي سكرتير الرئيس الآن. 

وهناك سلمني النائب حسني مبارك كل هذه الوثائق، التي استخدمتها في كتابي عن حرب أكتوبر. 

كواليس كتابة خطاب السادات في الكنسيت 

وكان اللقاء الثاني مع السادات في وجود الدكتور أسامة الباز والمهندس عثمان أحمد عثمان.. قبيل زيارة الرئيس لاسرائيل.

كان الرئيس طلب مني إعداد خطابه في القدس.. وفي الوقت نفسه كانت وزارة الخارجية قد أعدت مشروع خطاب بطرس غالي وشاركه أسامة الباز.. وكان الاجتماع في استراحة الاسماعيلية، لسماع مشروع الخارجية ومشروع الخطاب الذي أعدته.. وفضل الرئيس السادات خطابي، لأنه تناول الجانب الإنساني لفكرة السلام وهذا ما كان يريده السادات.. وطلب من أسامة أن يضم الجانب القانوني إلى خطابي.. 

وحدث بعد عودتنا من "كامب دافيد".. أن كنت في لقاء مع الرئيس السادات في استراحة القناطر، أتلو عليه مشروع خطاب أعددته له، لكي يلقيه أمام مجلس الشعب.. وكان السادات قد طلب مني أن أترك فقرة أخيرة في الخطاب، يعلن فيها التغيير السياسي الذي أعتزمه. 

3 إشاعات 

وكان السادات قد أخطر ممدوح سالم رئيس الوزراء، قبل سفره إلى أمريكا، أنه سيجري هذا التغيير بعد العودة من أمريكا.. وتكتم ممدوح سالم الأمر، واستمر في مسئولياته رئيسًا للوزراء، وهو يعلم أنها أيامه الأخيرة، ولم يخطر أحدًا من الوزراء بذلك.. 

وبعد أن انتهيت من تلاوة الخطاب، وسماع ملاحظات السادات عليه فاجئني بالسؤال: 

- وانت ايه رأيك في التغيير؟ 

كان السؤال مفاجأة لي وكانت هناك إشاعات عديدة. 

وأجبت الرئيس السادات بقولي: 

- هناك ثلاث إشاعات.. الأولى تردد أن سيادتك ستتولى رياسة الوزارة. وهذا خطر كبير، لأن الناس سوف تحملك أي خطأ يُرتكب، أو أي تقصير من أي وزير.. ومثل ذلك ( وأمسكت بصحيفة الجمهورية وكانت أمامي) .. هذا الخبر عن انعدام أنابيب الأكسجين في مستشفى أبو الريش.. هذه مسئولية وزير الصحة.. ولكن الناس ستحملك المسئولية.. 

وقال السادات: 

- طيب والإشاعة الثانية؟ 

قلت: الاشاعة الثانية ترشيح النائب حسني مبارك لرئاسة الوزراء، وهذا أيضًا خطر كبير 

وسألني: لماذا؟

قلت: 

- سيادتك تثق في النائب في حسني مبارك ثقة كبرى، وهو جدير بهذه الثقة.، وهو رجل نزيه. لكن المسئوليات السياسية للحكم جديدة في حياته. وهو بعيد عن أخطبوط المناصب الوزارية، ولم يتول وزارة من قبل. ومعنى تولية رياسة الوزارة أنك سوف تحرقه وهذه خسارة كبيرة، لأنه رجل ممتاز.. 

وسألني: 

- والإشاعة الثالثة؟ 

قلت: الإشاعة الثالثة عن الدكتور مصطفى خليل.. وأعتقد أنه الأنسب لرياسة الوزراة في هذه المرحلة.. كما أن له خبرات طوبلة سابقة، فقد تولى مناصب وزارية عديدة في عهد عبد الناصر.. كما أنه رجل نزيه وصاحب الرأي.. 

قال السادات: 

- فعلًا.. أنه صاحب رأي.. وأريد أن أقول لك شيئًا لا تعرفه، لا تصدق أن وزيرًا كان يجرؤ على معارضة عبد الناصر في أي مناقشة.. باستثناء واحد فقد هو مصطفى خليل.. كان يختلف مع عبد الناصر ويتمسك برأيه و"يزرجن" معاه.. وأنا أحب الذي يناقشني ويقول لا .. وبحجة ومنطق. وأنهى السادات المقابة.. ولم يقل شيئًا عن قراره. 

المصدر: كتب موسى صبري 50 عامًا في قطار الصحافة 

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً