مع إشارات محتملة هنا وهناك بشأن ضعف أداء الاقتصاد العالمي، كانت شركات التكنولوجيا هي الضحية المؤكدة الأولى، وأثارت صانعة الآيفون "آبل" صدمة بالأسواق العالمية بعد إقبالها على خطوة لم تمارسها في العقدين الماضيين ألا وهي خفض التقديرات المحتملة لتلحق بها "سامسونسج" ثم تنضم "إل.جي" لهذه العائلة.
وعلى الرغم من الأداء المتباين للشركات الثلاثة في الثلاثة أشهر من يوليو وحتى سبتمبر من 2018، إلا النظرة المستقبلية المتشائمة بشأن أرقام الربع الأخير من العام نفسه كانت المشهد الرئيسي المعلن.
ويعتبر التعديل بالخفض للتوقعات المتعلقة بأرقام إيرادات هذه الشركات بمثابة علامة على التحديات التي تتعرض لها صناعة التكنولوجيا عالمياً.
وتشهد الأسواق العالمية تحذيرات جمة من تباطؤ محتمل للنمو الاقتصادي بالفترة المقبلة، وهو ما سبقه خفض صندوق النقد الدولي لتقديرات الناتج المحلي الإجمالي العالمي للمرة الأولى منذ عام 2016.
لكن بشكل خاص، فإن القلق بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي المحتمل في الصين يضع المستثمرين على حافة الهاوية، ولا سيما مع ترقب تطورات الحرب التجارية بين واشنطن وبكين التي تشهد هدنة في الوقت الراهن في مسعى للتواصل إلى اتفاق حقيقي أو فرض تعريفات جمركية.
ماذا يحدث؟
مع بداية العام الجديد، قادت "آبل" المسيرة، بعدما ذكر الرئيس التنفيذي للشركة "تيم كوك" في خطاب للمستثمرين أن إجمالي المبيعات بالربع المنتهي في ديسمبر الماضي ستبلغ 84 مليار دولار وهو أقل من التقديرات السابقة والتي كانت تتراوح بين 89 إلى 93 مليار دولار.
وتنظر الشركة الأمريكية إلى تباطؤ الطلب من جانب الصين مع ضعف بعض الاقتصادات بالأسواق الناشئة فضلاً عن الرياح المعاكسة من قوة الدولار بالعام الماضي، كانت أهم الدوافع المحركة لخفض التقديرات.
وبعد تحذيرات صانعة الآيفون، أقدمت "سامسونج إليكترونيكس" على الخطوة نفسها، لتشير إلى أنها تتوقع أن تسجل أرباحها التشغيلية 10.8 تريليون وون (9.67 مليار دولار) خلال الربع المنتهي في ديسمبر الماضي.
وتعتبر هذه التوقعات الجديدة أقل بنحو 28.7% عن الربع المقارن من 2017 كما أنه دون تكهنات المحللين بنسبة 18.2% والتي كانت تشير إلى أنها سوف تبلغ 13.2 تريليون وون.
كما أعلنت شركة تصنيع الهواتف الكورية الجنوبية أنها تتوقع هبوط إيراداتها عن نفس الفترة بنحو 11% على أساس سنوي لتسجل 59 تريليون وون وهو أقل من تكهنات السوق والبالغة 62.8 تريليون وون.
وأرجعت الشركة الإجراء الذي يحدث للمرة الأولى بعامين، إلى تراجع الطلب على رقائق الذاكرة إلى جانب المنافسة الصعبة في قطاع الهواتف الذكية.
وكانت شحنات هواتف سامسونج سجلت تراجعاً نسبته 13.4% في الثلاثة أشهر المنتهية في سبتمبر الماضي على أساس سنوي لتواصل بذلك تراجعها للفصل الرابع على التوالي بحسب أرقام شركة البيانات الدولية، كما بلغت أرباحها التشغيلية آنذاك 17.57 تريليون وون.
وبالمثل، توضح الشركة الكورية المصنعة للأجهزة الكهربية "إل.جي" أن الأرباح التشغيلية عن الربع الأخير من العام الماضي من المتوقع أن تتراجع بنحو 80% إلى 75.3 مليار وون (67.03 مليون دولار) بالثلاثة أشهر من أكتوبر وحتى نهاية ديسمبر الماضي على أساس سنوي ومقارنة مع تكهنات المحللين التي كانت تشير لأرباح في حدود 344 مليون دولار.
ومن المرجح كذلك أن تهبط إيرادات ثاني أكبر شركة مصنعة للتلفاز بنحو 7% إلى 15.8 تريليون وون بالربع المنتهي في ديسمبر مقارنة مع توقعات السوق التي تشير إلى أنها ستبلغ 16.3 تريليون وون.
وعلى النقيض من سامسونج، لم تقدم "إل.جي" مزيداً من التفاصيل حول سبب هذا الهبوط الحاد المحتمل في الأرباح التشغيلية لكنها احتفظت بدلاً من ذلك بالمعلومات لحين الإفصاح الرسمي عن نتائج أعمال الربع الرابع.
ماذا يقول المحللون؟
اتفق المحللون على أن تفاقم النزاعات التجارية في الآونة الأخيرة بين أكبر اقتصادين بالعالم تسبب في ضربة لأكبر سوق للهواتف الذكية عالمياً مع تراجع الطلب على الأجهزة الذكية عبر قطاع التكنولوجيا.
ويرى توانان نجوين المحلل من شركة "كاناليس" التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها في تعليقات مع وكالة "رويترز" أن السوق الصيني في الوقت الحالي وصل للذروة وأن دورات التحديث طويلة المدى للهواتف الذكية ستكون طبيعة جديدة.
ومن المحتمل أن يُضر كل من ضعف النمو الاقتصادي وانخفاض ثقة المستهلك بالقطاع خلال النصف الأول من عام 2019، وفقاً لـ"نجوين".
وتابع: "بالتأكيد كانت أبل أكبر ضحية لهذا الاتجاه".
واعتبر المحلل في شركة هاي للاستثمار والأوراق المالية "سونج ميونج سوب" أن خفض تقديرات شركة سامسونج بمثابة "صدمة" وأن الوضع لا يقتصر على شركة آبل فقط بل أيضاً على الشركات المصنعة للهواتف الذكية والخوادم وأجهزة الكمبيوتر.
وأوضح "مارك نيومان" المدير الإداري في شركة "سانفورد سي بيرنشتاين" في تعليقات مع محطة "سي.إن.بي.سي" الأمريكية أن شركات مراكز البيانات التي تشتري رقائق الذاكرة من سامسونج وشركات صناعة الرقائق الأخرى أبطأت وتيرة طلباتها بالأشهر القليلة الماضية بفعل التباطؤ الاقتصادي.
وأضاف أن هذا التوقف جاء بعد حوالي 24 شهراً من النمو الشديد للغاية، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الضعف واسع النطاق في الطلب الكلي على التكنولوجيا والكثير منها يتركز في الصين.
ويرجع الضعف في أرقام سامسونج المتوقعة إلى تهاوي الطلب من جانب شركات مراكز البيانات مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون إلى جانب هبوط قوي في الطلب على الهواتف الذكية، حسبما ذكر "نيومان".
ويقول "مهدي حسيني" كبير محللي الأجهزة التقنية في "سسكويهانا فاينانشيال جروب" إنه بالنظر إلى شركة مثل سامسونج للإلكترونيات تجد أن لديهم عملية مكلفة للغاية، وبالتالي عندما تنخفض الإيرادات والشحن دون مستويات معينة يكون هناك ضغط هام على هامش الربح.
ومن المستبعد أن تشهد أساسيات سامسونج تحسناً في الربع الذي سينتهي في مارس المقبل وربما يمتد الضعف للربع حتى نهاية يونيو 2019، بحسب توقعات "حسيني".
وفي ديسمبر الماضي، توقع تقرير نشره موقع "كوريا إنترناشونيال تريد أسوسيشن" أن تشكل الحرب التجارية مخاطر مرتفعة على كل من "سامسونج" ومنافستها في صناعة الرقائق "إس.كيه هاينكس".
أداء الأسهم في 3 أشهر
في الواقع، لم يكن خفض التقديرات المتوقعة بشأن أداء شركات التكنولوجيا الثلاثة منفصلاً عن سوق الأسهم، حيث كانت الخسائر من نصيب الأسهم كذلك.
وبالنسبة لآبل والتي حصدت لقب أول شركة تبلغ قيمتها السوقية تريليون بتاريخ البورصة في العام الماضي، فإن السهم فقد أكثر من 22% من قيمته بعد أن تراجع من 225.74 دولار إلى 175.74 دولار في بورصة ناسداك بالثلاثة أشهر من بداية أكتوبروحتى نهاية ديسمبر الماضي.
وعلى نفس الوتيرة، كانت بورصة كوريا الجنوبية شاهدة على خسائر بنحو 16.7% و12.2% على الترتيب في سهمي "سامسونج" و"إل.جي" على الترتيب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي.