هل كلمة "لا اله الا الله" وحدها تنجي من النار؟.. حلقة من صراع مصطفى محمود وصديقه الملحد

«صديقى رجل يحب الجدل ويهوى الكلام وهو يعتقد أننا نحن المؤمنون السذج نقتات بالأوهام ونضحك على أنفسنا بالجنة والحور العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها، وصديقى بهذه المناسبة تخرج من فرنسا وحصل على شهادة دكتوراه وعاش مع الهيبيز وأصبح ينكر كل شئ» .. هكذا كان الصراع دائرًا بين العالم الجليل والفيلسوف الدكتور مصطفى محمود وصديقه الرمزي في كتابه الشهير«حوار مع صديقي الملحد» وهو الكتاب الذي أحدث ضجة سنة ظهوره عام 1986 ومنع نشره لفتره ثم عاد مره أخرى، وفي هذه الحلقة من حلقات كثيرة في الكتاب، رد فيها الدكتور مصطفى محمود على صديقه الذي يرى أن كلمة "لا اله الا الله" بها الكثير من المبالغة من قِبل المسلمين.

قال صاحبي:

- ألست معي في أنكم تبالغون في استخدام كلمة لا اله إلا الله وكأنها مفتاح لكل باب.. تشيعون بها الميت وتستقبلون الوليد وتطبعونها على الأختام وتنقشونها على القلائد وتصكون بها العملات وتعلقونها على الجدران. من ينطق بها منكم تقولون أن جسمه أعتق من النار.. فإذا نطق بها 100 ألف مرة دخل الجنة وكأنها طلسم سحري أو تعويذة لطرد الجن أو قمقم لحبس المردة، هل أنجو من العذاب إذا قلت لا اله إلا الله؟ .. إذن فإني أقولها وأشهدك وأشهد الحضور على ذلك.. لا اله إلا الله.. هل انتهى الأمر؟

-بل لم تقل شيئًا.

إن لا إله إلا الله لمن يعمل بها وليست لمن يشقشق بها لسانه لا إله إلا الله منهج عمل وخطة حياة وليست مجرد حروف.. ودعنا نفكر قليلًا في معناها.. إننا حينما نقول لا إله إلا الله معنى أنه لا معبود إلا الله وبين لا والا بين النفي والإثبات في العبارة بين هاتين الدفتين تقع العقيدة كلها لا النافية تنفي الألوهية عن كل شئ.. عن كل ما نعبد من مشتهيات في الدنيا.. عن المال والجاه والسلطان واللذات وترف العيش والنساء الباهرات والعز الفاره.. لكل هذا نقول لا.. لا نعبدك.. لست إلهًا.. ثم نقول لا لنفوسنا التي تشتهي تلك الأشياء لأن الإنسان يعبد نفسه في العادة ويعبدة رأيه ويعبد هواه واختياره ومزاجه ويعبد ذكاءه ومواهبه وشهرته ويتصور أن بيده مقاليد الأمور وأقدار الناس والمجتمع.. ويجعل من نفسه إلهًا دون أن يدري.. لهذه النفس نحن نقول لا.. لا نعبدك .. لست إلهًا

نقول لا - للمدير والرئيس والحاكم.. لست إلهًا .. ومعنى كلمة اله أي فاعل.. والفاعل بحق عندنا هو الله، أما كل هذه الأشياء فوسائط وأسباب.. والمدير والوزير والرئيس والمال والجاه والسطان والنفس بذكائها ومواهبها.. لكل هذا نقول لا.. ليت إلهًا.

((ألا)) - واحد نستثنيه ونثبت له تلك الفاعلية والقدرة هو الله. 

وبين لا والا بين هذا النفي وهذا الأثبات تقع العقيدة كلها فمن كان مشغولًا بجمع المال وتكديس الثروات وتملق السلطات والتزلف للرؤساء وتحري اللذات واتباع هوى نفسه وتعشق رأيه والتعصب لوجهة نظره.. فهو لم يقل لا لكل هذه المعبودات وهو ساجد في محرابها دون أن يدري وحينما يقول لا اله إلا الله فهو يقولها كاذبًا.. يقول بلسانه ما لا يفعل بيديه ورجليه.

ومعنى "لا اله إلا الله" أنه لا حسيب ولا رقيب إلا الله.. هو وحده الجدير بالخشية والخوف والمراقبة.. فمن كان يخاف المرض ومن كان يخاف الميكروب ومن كان يخاف عصا الشرطي وجند الحاكم فانه لم يقل "لا".. لكل تلك الآلهة الوهمية.. وانما هو ما زال ساجدًا لها وقد أشرك مع خالقه كل تلك الآلهة المزيفة.. فهو كاذب في كلمة "لا اله إلا الله" 

ومعنى أن لا اله إلا الله عهد ودستور ومنهج حياة والمقصود بها.. العمل بها. 

قمن عمل بها كانت له طلسمًا بالفعل يفتح له كل الأبواب العصية.. وكانت نجاة في الدنيا والآخرة ومدخلًا للجنة، أما نطق اللسان بدون تصديق القلب وعمل الجوارح.. فإنه لا يغني. 

ياتك قدر خردلة. 

و"لا اله إلا الله" تعني أكثر من هذا موقفًا فلسفيًا.. يقول الدكتور زكي نجيب محمود أن "شهادة لا اله إلا الله" تتضمن الإقرار بثلاث حقائق.. أن الشاهد موجود والمشهود موجود. والحضور الذين تلقى أمامهم الشهادة موجودون أيضًا أي أنها اقرار صريح بأن الذات والله والآخرين لهم جميعًا وجود حقيقي. 

وبهذا يرفض الإسلام الفلسفة المثالية كما يرفض الفلسفة المادية في ذات الوقت.. يرفض اليمين واليسار معًا ويختار موقفًا وسطًا. 

اقرأ أيضًا... الرسول وتعدد الزوجات.. ورقة من كتاب "عبقرية محمد"

يرفض المثالية الفلسفية.. لأن المثالية الفلسفية لا تعترف بوجود الآخرين ولا بوجود العالم الموضوعي كحقيقة خارجية مستقلة عن العقل.. وإنما كل شئ في نظر الفلسفة المثالية يجري كأنه حلم في دماغ.. أو أفكار في عقل,, أنت والراديو والشارع والمجتمع والصحيفة والحرب كلها حوادث ومرائي وأحلام تجري في عقلي.. لا وجود حقيقي للعالم الخارجي. 

وهذا الموقف المثالي المتطرف يرفضه الإسلام وترفضه الشهادة لأنها كما قلنا إقرار صريح بأن الشاهد المشهود والحضور الذين تلقى أمامهم الشهادة أي الذات والله والآخرين حقائق مقررة. 

كما يرفض الإسلام أيضًا الفلسفة المادية لأن الفلسفة المادية تعترف بالعالم الموضوعي ولكنها تنكر ما وراءه.. تنكر الغيب والله. 

والإسلام بهذا يقدم فلسفة واقعية وفكرا واقعيًا فيعترف بالعالم الموضوعي ثم يضيف إلي هذا العالم كل الثراء الذي يتضمنه الوجود الإلهي الغيبي.. ويقدم تركيبًا جلديًا جامعًا بين فكر السمسن وفكر اليسار في فلسفة جامعة ما زالت تتحدى كل اجتهاد المفكرين فتسبق ما سطروا من نظريات ظنية لا تقوم على يقين. 

اقرأ أيضًا... تعرف على سنن الوضوء في المذاهب الفقهية

شهادة ألا اله إلا الله تعني اذن منهج حياة وموقفًا فلسفيًا.. ولهذا فأنت تكذب وأنت الرجل المادي الذي اخترت موقفًا فلسفيًا ماديًا وأنت تنطق بالشهادة كذبًا: 

الكذبة الأولى - أنك تشهد بما ينافي فلسفتك ، والكذبة الثانية أنك لا تعمل بهذه الشهادة في حياتك.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً