«سترة البنات»، هذه الكلمة ما زالت السبب الأساسى فى جريمة زواج القاصرات فى المجتمعات الريفية، فكم من فتاة ماتت على قيد الحياة بسبب الخوف من العادات والتقاليد أو الخوف من شبح العنوسة، فتيات صغيرات حرمن من أبسط حقوقهن فى التمتع بطفولتهن، وبين ليلة وأخرى، أصبحن زوجات يتحملن مسؤولية منزل بأكمله، فأصبح زواج القاصرات ظاهرة منتشرة في قرى محافظة الغربية.
جلست «أمنية» ذات السبعة عشر ربيعا، بمحافظة الغربية على أحد الكراسى، كـ«كومة عظام» داخل إحدى العبايات الرثة، تحمل رضيعا على ذراعها والآخر يمسك بطرف ثوبها ويختبئ فيها، تظهر على وجوههما أثار المرض والاصفرار، بدأت كلماتها قائلة: «تشتهر قريتى بزواج البنات الصغار وخاصة من العرب، بياخدوا البنت من الدار للنار»، لتتحمل مسئولية بيت وأسرة وزوج ، وسرعان ما تحمل وتلد للدنيا طفلا لا ذنب له غير أنه ناتج عن علاقة مدفوعة الأجر تحت اسم الزواج، لتصبح طفلة مسئولة عن طفل».
وأضافت «أمنية»، أنا كنت ضحية عملية بيع، فبعد وفاة والدى، أرادت أمى الزواج وكنت أنا العائق الوحيد أمامها، ولا نملك من الأهل من يتحمل مسئوليتنا، فزوجتنى أمى عرفيا لأحد الرجال بقرية أخرى، كان متزوجا ولديه من الأطفال ثلاثة، متهرب من نفقتهم، وعليه أحكام بالسجن، ولم أتجاوز حينها الـ13 عاما، لتبدأ رحلتى مع الشقاء والإذلال بمنزل أهله، كنت أخدم الجميع بلا كلل أو تعب، وبعد عام حملت فى طفلتى «ساجدة»، ولأنى لا أملك بطاقة أو حتى عقد زواج، لم أستخرج لها شهادة ميلاد، وكنت أعطيها التطعيمات كلما مرت الحملة على المنازل، وحملت فى طفلى الثانى والثالث، وهم أيضا غير مقيدين فى سجلات الحكومة، وبعد أن ثقل الحمل عليه، سرق عقد الزواج العرفى وهرب مرة أخرى، ولم تتحملنا والدته، فطردتنى وأولادى فى الشارع.
وتابعت كلماتها باكية: عندما ذهبت للاستنجاد بأمى، كان ردها الوحيد: «جوزى مش هيصرف عليا وعليكوا روحى اشتغلى مش مشكلتى أنه طفش منك»، بعد أن اسودت الدنيا فى وجهى وأغلقت كافة الأبواب أمامى استقبلنى الشارع أنا وأولادى ولم أتجاوز 16 عاما، جلست فى البداية أسفل كوبرى «محلة زيادة» أبيع المناديل، ودلنى البعض على أحد الجمعيات الأهلية، التي توفر لي ولأولادى وجبة كل يومين أو ثلاثة، وتعطينى بعض الملابس المستعملة من حين لأخر، لكن الطامة الكبرى عندما مرض طفلى «أحمد» وذهبت به لمستشفى المحلة العام، وأخبرونى أن علاجه بمستشفى المنصورة الجامعى لأنه يعانى من قصور بالكلى وفيرس بالكبد وبدء فى النزيف، فركبت القطار وذهبت به إلى هناك، لكنهم لم يستلموه وذلك لأنه غير مقيد بالسجلات ولا نملك شهاده ميلاد.
وأضافت، حاول أحد الأطباء مساعدتى وإنهاء إجراءات علاجه على نفقة الدولة لكنى لا أملك قسيمة زواج أوحتى بطاقة، وحدثت تلك المشكلة أيضا مع طفلتى «ساجدة» عندما ارتفعت حرارتها وذهبت بها إلى المستشفى ليشخص الطبيب حالتها على أنها اشتباه بسرطان النخاع، ولا أستطيع علاجها فى مركز الأورام لأنى لأ أملك شهاده ميلاد، كل ما جنيته من زواجى أطفال مريضة وهشاشة عظام، والتسول فى الشوارع، ولا أملك البديل، كل ما أطلبه قسيمه زواج وبطاقه لإثبات أولادى، وسأتحمل كل ما يصيبنى على الرغم من أنى لست السبب فيه، وأطالب الأباء والأمهات بالحرص على أبنائهم «تجوع فى بيت أبوها ولا الغرب يقهروها».
وعلى صعيد متصل، قال الدكتور محمدالسجيني، أخصائي أمراض نساء وتوليد بمستشفى المحلة العام: "خلال عملي بالمستشفى العام تفاجاءت بعدد كبير من الأمهات تحت سن 18 عاما، حتى أنني في أحد المرات تفاجأت بطفلة حامل، وظننت في البداية أنها نتيجه اغتصاب لكن علمت بعدها أنها متزوجه في قرية من قرى مركز المحلة، وتم تسنينها في الوحده الصحية بأكبر من السن الحقيقى بـ6 سنوات، موضحًا أن تلك الأمهات تتعرض للأجهاض بنسبه كبيرة؛ وذلك لضعف أنسجه الرحم التىيلا تتحمل الجنين.
وفي ذات السياق، قال الشيخ محمدعطية عزام، إمام مسجد بقرية الجابرية بمركز المحلة، إن زواج القاصر يعد جريمه في حق الطفلة، ولم يشرع الله أن تضر تلك الصغيرة ، فلا يحق للرجل معاشره الفتاه حتى تبلغ وتستطيع تحمل تبعات العلاقه من حمل وولاده مسئوليه أطفال، وإلا تعد جريمه في حقها يعاقب عليها القانون، كما شرع القانون المصرى فى مادته"31" لعام 1994 أن لا يجوز عقد القران ما لم يبلغ الطرفين الـ18عاما، وبذلك وضع حد للتلاعب من قبل الأهل وتزوير الأوراق.