قبل انطلاقه.. ألغام تهدد معرض القاهرة الدولي: سور الأزبكية يعلن العصيان.. وأيادٍ خفية وراء تشجيع "تُجار الكتب الرخيصة"

رغم الجُرح الذي حدث في جسد الأمة، لكن السير على الطريق الصحيح لم يكن منه مناص، هناك دولة تستعيد أنفاسها بكل قوة، جيش يعيد ترتيب أوراقه ويخوض حرب استنزافه من أجل معركة تحرير الأرض، وفي المقابل هناك وزير ثقافة يعرف أن الطريق إلى تحرير الأرض يبدأ من تحرير الإنسان أولًا، لذلك لم يكن من المستغرب أن يكون ثروت عكاشة هو من يؤسس معرض القاهرة الدولي للكتاب في عام 1969، والطيارات تشن الغارات على أهدافها المعادية، وعلى الأرض هناك الكتاب طريق الإنسان للتقدم.

ثروت عكاشة يبدأ الفكرة، وسهير القلماوي تشرف على المعرض، وجمال عبد الناصر يعطي الضوء الأخضر للإنجاز، أما الموعد فكان في نهاية شهر يناير لتكون في إجازة منتصف العام ما يعني فرصة جيدة لإقبال الطلاب على هذا المعرض، وبالفعل بدأ الأمر وجرت عجلة الثقافة، ومع مرور الوقت بات معرض القاهرة الدولي للكتاب الثاني عالميًا بعد معرض فرانكفورت الدولي، ويزوره سنويًا بحسب بعض الاستطلاعات ما يقارب من الـ2 مليون نسمة.

استمرت الأمور على هذا النحو، وعامًا بعد عام يزداد المعرض بريقًا ويزوره آلاف المثقفين حول العالم، وفي جنباته دارت أرقى المناقشات، وبعد ثورة يناير كان الأمر مختلف كثيرًا، فبات المعرض هو قبلة الجيل الذي تشكل وعيه السياسي مع الأحداث، وظهرت طبقة من الكتّاب الشباب، وبات موعد يناير من كل عام في مدينة نصر له صدى مقدس عند المصريين.

بعد 49 عامًا بدأت المنظومة الراسخة لدي المصريين تهتز قليلًا، ففي عام 2016 بدأ الحديث لأول مرة عن إمكانية نقل معرض الكتاب من مكانه الحالي في مدينة نصر إلى التجمع الخامس أو مدينة السادس من أكتوبر، لكن ردود الفعل لم تكن إيجابية، فالكثيرون حذروا من تلك الخطوة، بداية من دور النشر التي عرفت أن بعد المسافات سيؤثر عليها اقتصاديًا سواء من خلال حركة البيع والشراء، أو من خلال تأجير الأماكن المخصصة لهم، أما ردود فعل المواطنين فكانت مخيبة لآمال وزارة الثقافة التي نّحت هذا الاقتراح مؤقتًا، لكن في منتصف 2018 كانت وزارة الثقافة حسمت أمرها بنقل المعرض إلى معرض الكتاب، وتشير المصادر إلى «أهل مصر» أن القرار لم يكن فيه مراجعة من قبل القائمين على المعرض سواء من خلال دور النشر، أو المثقفين، بل جاء هكذا حاسمًا ودون أي تردد.

هذا الحسم دون السماح بإبداء الرأي كان سبب بداية المشاكل حتى جاءت المعركة الكبرى مع سور الأزبكية الذي قرر أن يُنظم معرضه وحده في ضربة قوية لمعرض الكتاب، ويتجمع سور الأزبكية من 300 ناشر في أكثر من محافظة لعل أبرزهم في منطقة الأزبكية بالقاهرة والنبي دانيا بالإسكندرية، ويعد جناحهم هو الأكثر إقبالًا من قبل القراء نظرًا لانخفاض أسعاره.

ورغم تلك الأهمية إلا أن المشكلات بدأت سريعًا منذ عدة أشهر، حين أعلن هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب عدد من الشروط وصفها محمود سيد صاحب دور نشر في دور الأزبكية بـ«التعجيزية» فكان المتعارف عليه أن أصحاب سور الأزبكية يقومون بنقل كتبهم وهو من يتولون إقامة جناحهم، لكن أول الشروط جاءت بأن ذلك لم يعد مرحب به، وسيتم تأجير الأرفف والطاولات والكراسي منها مقابل مبالغ مالية قد لا تناسب بعضنا، لكننا وافقنا، وكذلك اشترطوا تأجير متر العرض لكل مكتبة من السور مقابل 1200 جنيه ووافقنا، على الرغم من أن ذات الهيئة تؤجر المتر بـ950 جنيه لمكتبات اتحاد الناشرين وهم بالتأكيد لديهم قدرات وإمكانيات أكبر منا.

الشروط التعجيزية لم تقف عند هذا الحد، فيوضح «سيد» في حديثه لـ«أهل مصر» أن الهيئة بعد الموافقة على كل تلك الشروط، وافقت على 33 دارا من أصل 133 دارا في السور، بحجة المكان فقط.

معرض موازي

وردًا على هذا أوضح هيثم الحاج علي في حديثه لـ«أهل مصر» أن السبب في عدم قبول كل دور نشر سور الأزبكية هو محدودية الأماكن في المعرض الجديد في ظل إقبال غير مسبوق من دور النشر الأجنبية، بجانب ذلك فإن هناك الكثير من الكتب المزورة التي نريد القضاء عليها خاصة أن منفذها الوحيد هو سور الأزبكية.

لكن تصريح هيثم الحاج علي لم يكن على هوى أصحاب دور نشر سور الأزبكية، ما دفعهم إلى تنظيم معرض موازي خلال الأيام الماضية، وشهد إقبال كبير من مواطنين أكدوا أنهم لن يذهبوا إلى التجمع رافعين شعار «التجمع مش بتاعنا والأزبكية تبعنا»، وهو أمر يهدد تنظيم المعرض خلال الساعات القليلة المقبلة.

الأيادي الخفية

لم يكن الأمر يتعلق فقط بدور النشر في سور الأزبكية، فتزوير الكتب كانت قضية حاضرة على طاولة وزارة الثقافة التي أكدت على تشديدها على منع دخول كتب مزورة إلى معرض الكتاب، وبالتالي فإن عدد من سور الأزبكية ممنوعون من دخول المعرض بسبب تلك الجريمة، ورغم وجاهة الحجة كما يوضح ربيع فتحي صاحب دور نشر في سور الأزبكية، إلا أن الأمر لا يتعلق بهم وحدهم فتلك تجارة متشعبة وفي كل الأماكن ولا يجوز أن يختص به سور الأزبكية فقط.

لكن من وراء الستار كان هناك عدد من المثقفين يدعمون سور الأزبكية في مطالبهم ويرون الدولة تتعامل معهم كلصوص وليس رواد ثقافة، ربما ظهر ذلك في الكاتب عمر طاهر الذي يخوض 2019 بروايته «كُحل وحبهان» والتي تعد أشهر الروايات في معرض الكتاب 2019.

زيارة عمر طاهر إلى سور الأزبكية لم تكن إعلانًا فقط بتضامنه مع سور الأزبكية، بل إنه علق على تزوير روايته بـ«مش مهم تبقى مزورة المهم تبقى كاملة»، ومن خلال زيارة عدد آخر من الكتاب إلى سور الأزبكية في تشجيع للمواطنين على الإقبال، ظهرت أن هناك أيادي خفية ربما يكونون هما الكتاب أنفسهم الذين لا يهمهم تزور كتبهم قدر شهرتها.

التجمع البعيد

لغم آخر يهدد معرض الكتاب الذي ينطلق بعد ساعات وهو بُعد المسافات، فمدينة نصر حيث أرض المعارض كانت قريبة من أي مكان، فبالنسبة للوافدين من المحافظات فنصف ساعة من رمسيس لمدينة نصر، وبالنسبة لباقي المناطق الأخرى فهناك مترو الأنفاق القريب جدًا من المعرض، ما يعني أن الانتقال إليه سهل ويسير، أما التجمع الخامس فهو بعيد عن كثيرون.

تلك المشكلة إلتفت إليها هيثم الحاج علي رئيس الهيئة العامة للكتاب، وضمن الحلول التي وجدها لتلك الأزمة، توفير مواصلات من وسط البلد للتجمع وبسعر زهيد جدًا 3 جنيهات تسهيلًا على المواطنين، لكن مع تلك التسهيلات لم تكن الأمور سهلة، فعلى وسائل التواصل الاجتماعي أعلن الكثير من رواد المعرض أن نقله إلى التجمع الخامس يعني ضربه في مقتل، إذ لا يقبل الكثيرون أن يذهبوا إلى هذا المكان البعيد من أجل شراء الكتب، كما أن تنظيم معرض موازي لمعرض الكتاب - ويقصدون سور الأزبكية - سيوفر عليهم الكثير، فكثيرًا منهم يذهبون إلى المعرض للشراء من سور الأزبكية من الأساس وبالتالي فإن هذا النقل لن يدفع ثمنه سوى منظمي معرض الكتاب.

ورغم تلك الاعتراض يؤكد هيثم الحاج علي لـ«أهل مصر» أن الإقبال على معرض الكتاب في التجمع الخامس لن يختلف قليلًا عن الإقبال في مدينة نصر، وذلك تم بعد دراسات مستفيضة حول نوعية الجمهور وشبكة المواصلات والتسهيلات التي توفرها وزارة الثقافة للرواد.

بجانب تلك المشاكل تبقى مشكلة أخرى تعرض معرض الكتاب إلى التهديد دومًا، فبرغم التشديد على الكتب التي تبث أفكار مسمومة واتخاذ إجراء يتمثل في تقديم دور النشر كشف بكافة الأسماء التي ستعرضها في معرض الكتاب، حتى لا يكون من بينها كتابات تروّج للإرهاب، إلا أن مصدر داخل الهيئة العامة للثقافة كشف في أن المشكلة الحقيقية ليست في عرض الأسماء ولكن في التفتيش عليها والتغلب على حيل دور النشر خاصة الأجنبية.

وأوضح المصدر أن الكتب تأتي في «كراتين» من الخارج، ووفق النظام الجديد سيكون هناك كشف بكافة أسماء تلك الكتب، ومن المفترض أن يتم فحص كل الكتب والتأكد من مطابقة الكشوف لما داخل «الكراتين»، ولكن لا أحد داخل الهيئة يفحص الكراتين لأن دور النشر اصلًا تأتي بكتبها قبل ساعات من العمل وبذلك يصبح الخطر دائم.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
مقتل شخص أطلق النار على آخر واشتبك مع رجال الأمن في السعودية