كشف خالد محي الدين عضو مجلس قيادة ثورة يوليو وأحد مؤسسي الضباط الأحرار، إرهاصات ما قبل التنظيم، ومن أهم أول الملتحقين بهذا الكيان الذي سيصبح هو المسيطر على حكم مصر خلال سنوات طويلة، وذلك في كتابه "والآن أتكلم".
في البداية يؤكد محي الدين، حقيقة أن الخلية الأولى للضباط الأحرار كان في النصف الثاني من عام 1949، مؤكدًا أن تلك هي الحقيقة أما من حاولوا تقديم روايات مختلفة ومنهم أنور السادات فهي على غير صواب، لافتًا إلى الوقت ذاته أن هناك مجموعات كانوا داخل الجيش قبل الضباط الأحرار.
ويقول محي الدين، "في ذلك الوقت تعرفت على عزيز المصري وهو قدوة كل ضابط وطني في تلك الفترة، وكان المصري يؤيد الاغتيالات نظرًا لعدم القدرة على المواجهة المباشرة أو حتى غير المباشرة مع الاحتلال، وبالفعل شرعت في اغتيال أحد المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ لإنه حاول الاستعانة بالانجليز ضد الحكومة المصرية وذلك بالاشتراك مع حسن عزت لكن المحاولة فشلت، عبدالناصر وقع ايضًا في تلك المحاولة في محاولة لاغتيال حسين سري عامر".
ويضيف، "حدتو والإخوان كان لهما ايضًا تنظيمات عسكرية داخل الجيش وحين تكلمت مع احمد فؤاد القيادي البارز في حدتو عن تنظيم الضباط الأحرار اهتم الأخير وطلب مني ترتيب مقابلة مع عبدالناصر، وتمت المقابلة في بيتي وتكلم أحمد فؤاد عن ضرورة التنظيم وأعجب عبدالناصر به كثيرًا، وبعد انتهاء اللقاء سألني "ناصر" هل رتبت اللقاء عن عمد وجاوبت نعم، فلم يبدي أي حساسية من التعامل مع الشيوعيين".
وتابع: "أسفرت العلاقة بين حدتو وتنظيم الضباط الأحرار إلى عرض احمد فؤاد فكرة انضمام ضباط حدتو إلى الضباط الاحرار فوافق عبدالناصر لكنه اشترط أن ينضم الأعضاء كأفراد وليس كمجموعة منظمة وكان شرطه مع من يريد الانضمام سواء الإخوان وغيرهم،
واستمرت علاقة ناصر بأحمد فؤاد كثيرا حتى كان لقاء الرفيق "بدر" وهو السكرتير العام لإيسكرا".
وعن تلك المقابلة يقول عضو مجلس قيادة الثورة، "التقى ناصر بالرفيق بدر في أحد اللقاءات وانبهر به كثيرًا وحين سألني عن مهنة "بدر" وعرف إنه ميكانيكي كان رده انت ممكن تقبل تبقى في حزب زعيمه ميكانيكي وكان كلما غضب ناصر مني قال ده زعيمه ميكانيكي".
ويكمل محي الدين، "في تلك الفترة كانت حرب فلسطين، وفلسطين هي الجرح ولم أزل حتى الآن أتذكر كيف كانت حرب فلسطين هي الجرح الحقيقي في قلب كل منا، عبدالناصر كان في الفالوجا، حوصر وصمد وفي خنادقها تفتحت مواهبه العسكرية والقيادية وبرز كضابط شجاع ووطني قادر على الصمود والتضحية وعلى امتلاك رؤية استراتيجية صافية فقد كان يرى ضرورة ايجاد سبيل للإنسحاب من الفالوجا حتى لا تصبح القوات المصرية المحاصرة ورقة في يد المفاوض لإسرائيل، وزكريا محي الدين وصلاح سالم كانا هناك أيضًا في الفالوجا ذهبا مع قافلة طعام وذخيرة وحوصروا هناك.
ويستطرد: "في ظل ذلك كانن مهمتي تدريب المتطوعين ضمن جامعة القاهرة، وفي هذا الوقت نشبت مظاهرات وهي التي باعدت بينه وبين إيسكر عندما أيد الشيوعيون قرار التقسيم، أما عوامل النكبة في 48 فإننا منذ البداية نعرف أن الجيش ليس لديه ذخيرة كافية، الوحدات لم يكن لديها سوى ذخيرة تكفي ليوم أو يومين على الأكثر لكن المسئولين عن البلد وعن الجيش وعن المأساة أكدوا أن لدينا كميات كبيرة من الذخيرة في المخازن ثم همسوا في ادعاء ساذج ودهاء بأن الإنجليز سوق يقدمون لنا ما نريد من سلاح وذخيرة".
ويكمل: "لم يقتصر الأمر على نقص الذخيرة ولا حتى على قصة الأسلحة الفاسدة التي استخدمت فالجيش كان خاويًا في أعماقه ونقص الذخيرة أدى بالوحدات إلى القيام بعمليات ضرب نار للتدريب مرة واحدة في العام وهو بكل المعايير غير كاف، ضف إلى ذلك افتقاد التدريب فالجيش المصري اُلقي به إلى أتون الحرب بلا تدريب ولم يقم بأي مناورة طوال عامين، لقد ذهب الجنود والضباط إلى الحرب مشحونين بشحنات من الحماس الدافق والوطنية والرغبة الحقيقية في التضحية لكنهم فوجئوا بالعدو وهو متمرس في دشم محصنة".