السلطان العثمانى فى عام ٢٠١٠ بعد اعتراض قوات الاحتلال الإسرائيلية لسفينة مرمرة التركية التى كانت متوجه لكسر الحصار على غزة وقتل وإصابة عدد من الأتراك على متنها، قرر أردوغان قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ورغم أن التعاون على الصعيد العسكرى ظل قائمًا، وهذا ما أكده تصريح وزير الدفاع التركى حينها بأن تركيا لن تعمل على إلغاء أى من الاتفاقيات العسكرية الموقعة بين البلدين وإنها قائمة على الرغم من خطورة الهجوم الإسرائيلى على المركب ما فى مرمرة، وإزعاج هذا التصريح حينها حزب أردوغان والنخبة السياسية والإعلامية فى تركيا، ولكن الرجل كان يعبر عن واقع الأمر دون تزييف لأن أردوغان تاجر وزايد بهذه القضية لكسب تعاطف العالم الإسلامى هذا فى الوقت الذى أنهت فيه القضية على أرض الواقع2013٣ حينما تقدم نتنياهو باعتذار رسمى لأردوغان وقبلة الأخير.
أذا من الواضح أن تركيا لا تستطيع الاستغناء عن حليفتها العسكرية إسرائيل، خاصة أن التعاون العسكرى بين البلدين يرجع لعام ١٩٨٨.. وجاء الاتفاق السرى بين البلدين عام ١٩٩٤، فكان خاصًا بتبادل المعلومات الاستخباراتية، وأيضًا أهم هذه الاتفاقيات هى التعاون فى مجال تدريب السلاح الجوي، وبموجب الاتفاق تجرى التدريبات ثمانى مرات فى السنة ويتم خلالها فتح المجال الجوى التركى أمام الطيارين الإسرائيليين للتدريب فى الأجواء التركية، وهذا بالطبع لأن المجال الجوى الإسرائيلى محدود وخطر فيتم تدريب الطيارين الجدد تحت مظله آمنة.
ولكن لماذا هذا الاتفاق الآن وإعلان التطبيع التركى الإسرائيلى بهذه الفجاجة؟
عدة أسباب ربما الأهم هو انزعاج تركيا من التعاون اليونانى القبرصى المصري، خاصة فى ترسيم الحدود المائية، والذى يحدد الثروات النفطية والمعدنية لكل بلد، وأيضًا التعاون العسكرى بين مصر، وهذا الثنائى الذى يعادى تركيا خصوصا أن الأخرى تحتل جزءًا من جزيرة قبرص، هذا ما دفع تركيا للعودة إلى أحضان الحليف القديم "إسرائيل" مع وعود إسرائيلية ربما بلعب دور الوساطة بين إسرائيل، وهذه الدول وأيضا مع روسيا خاصة أن العلاقات الروسية التركية فى خطر بعد إسقاط تركيا لمقاتلة سوريا فى روسيا، وأيضا دعم تركيا للقوات المعادية للأسد.
إذا تركيا وجدت نفسها وحيدة فى المنطقة بعد أن خسرت علاقاتها مع كل من مصر واليونان وقبرص، وأيضًا روسيا، فلم يتبقّ لها سوى إسرائيل، فقرر أردوغان مغازلة أمريكا بهذا الاتفاق خصوصًا قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهذا لإثبات حسن النوايا للرئيس الأمريكى القادم.
هذا فى الوقت الذى قام فيه أردوغان بإرسال رسالة للكرملين يعتذر فيها عن إسقاط الطائرة الروسية فى سوريا، الأمر الذى يوضح أن تركيا تحاول السيطرة على مجريات الأحداث بعد أن انفرط العقد منه وخسرت الكثير من علاقاتها الخارجية.
وما يؤكد هذه الرؤية هى تصريحات الساسة والصحفيين فى كلا الجانبين أن إعادة العلاقات بين البلدين سيعيد الاتزان إلى منطقة الشرق الأوسط، الأمر نفسه الذى أحدث خلافات بين نتنياهو وليبرمان وزير الدفاع، الذى عارض الاتفاق المبرم مع تركيا.
وقالت صحيفة معاريف أن ليبرمان تعهد لعائلات الجنود الأسرى فى قطاع غزة أنه سيصوت ضد هذه الاتفاقية عند تقدمه للتصويت فى مجلس الوزراء الإسرائيلي، ليبرمان ربما يرفض أن تكتسب تركيا مكاسب فى المنطقة على حساب إسرائيل.
من جديد لا مجال للمزايدات الأردوغانية بشأن القضية الفلسطينية أو حتى قضايا الأمة الإسلامية والعربية فهو نفسة هو أكثر الحلفاء ولاء للكيان الصهيونى خاصة عند قراءة عده بنود فى الاتفاق الجديد للتطبيع بين تركيا وإسرائيل فوفقًا لما نشر فى صحيفة يديعوت أحرونوت، سوف تعود إسرائيل وتركيا إلى التطبيع الكامل للعلاقات، بما فى ذلك تبادل السفراء والزيارات المتبادلة والتعهد بعدم العمل ضد بعضهم البعض فى المنظمات الدولية مثل منظمة حلف شمال الأطلسى والأمم المتحدة، ما يعنى تحالفا سياسيًا دبلوماسيًا منتظمًا ومكتمل الأركان يدل على توافق الرؤى السياسية تجاه قضاية المنطقة.
أيضا تراجع الأتراك عن متطلباتهم برفع الحصار عن غزة، ولكن "إسرائيل" وافقت على السماح لتركيا بنقل المعدات والمساعدات الإنسانية إلى غزة من خلال ميناء أشدود الذى يشرف عليه الجيش الإسرائيلي، كما أن إسرائيل سوف تسمح أيضا للأتراك ببناء محطة لتوليد الكهرباء فى غزة، ومحطة لتحلية المياه بالتعاون مع ألمانيا ومستشفى.
هذا البند يؤكد ما سبقه من فكرة توافق الرؤى السياسة وتغليب المصلحة العامة للدولتين على حساب قضايا المنطقة خاصة أن الاتفاق لا يوجد فيه بند يلزم بالعمل على إعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين أورون شاؤول وهدار غولدن، فقد وعدت تركيا باستغلال جميع علاقاتها مع حماس لإقناع المنظمة بإعادة جثث الجنود المفقودين.
وستعمل إسرائيل على دفع 21 مليون دولار فى صندوق إنسانى لدفع تعويضات لأسر ضحايا مرمرة التركية سواء القتلى أو الجرحى كتعويض مُرضى للجانب التركى، تنازلت بموجبة عن حقوق سيادة الدولة على سفنها البحرية وأيضا التنازل عن حق أُسر الضحايا مقابل تعويض مالى خصوصا أنه بموجب هذا البند ووفقا للبند الذى ياليه تتعهد تركيا بإلغاء القضية المرفوعة ضد ضباط الجيش الإسرائيلى التى يجرى النظر فيها فى محكمة بإسطنبول حول ما يتعلق بالمسؤولية عن هجوم مرمرة.
كما تتعهد تركيا بإقناع حماس بألا تعمل ضد إسرائيل من أرض تركيا، وتتراجع إسرائيل عن مطلب إغلاق مقر حماس فى تركيا، مع التحفظ على عودة بعض المسؤولين فى حركة حماس إلى تركيا أمثال صلاح العاروري.
سيعود التعاون الأمنى والإستخباراتى بين البلدين. هذا البند يعنى أن إسرائيل تثق فى ولاء تركيا الاستخباراتي ومحطة جديدة للاتفاق السرى الذى وقع بين البلدين عام ١٩٩٤ من أجل هذا الغرض على "إسرائيل" وتركيا بدء محادثات رسمية لإنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعى لـ"إسرائيل". وتركيا تبدى رغبتها فى شراء الغاز الطبيعى من "إسرائيل" وبيعه إلى الأسواق الأوروبية، وهذا البند يؤكد انزعاج تركيا وإسرائيل من التعاون المصرى اليونانى القبرصى الخاص بترسيم الحدود المائية والذى أسفر عن عده اكتشافات فى البحر المتوسط مما جعل الطرفين يقحمون هذا البند التجارى داخل اتفاقية سياسية لإرسال رسائل غير مباشرة للتحالف الأقوى والذى أصبح يسيطر على البحر الأبيض المتوسط.
هكذا أوصلت أحلام الخلافة بدوله أردوغان إلى دوله فى عزلة من قبل جريانها وأيضًا لديها نزاعات عرقية وطائفية على حدودها متمثلة فى الأكراد وحزب العمال الكردستانى وأيضًا نزاع داخلى بين الأتاتوركية القديمة التى تتجه نحو الانفتاح والعالمية وبين فكر أردوغان نحو إنشاء السلطنة العثمانية، هذا كلة جعلة يضع يده فى يد العدو الأصلى لمواجهة حلفائه الشرعيين الذى خسرهم بسبب حلم، ومن الأحلام ما قتل.