اعلان

الحاكمية ..الطاغوت ..متوالية الخداع اللغوى للفكر التكفيري (الجزء الثاني )

كتب :

مع ظهور مفردة الحاكمية في القاموس السياسي للجماعات الجهادية بعد أن استنساخ هذا اللفظ من ثقافة مختلفة وبشكل لا يتناسب مع قواعد اللغة، وجدنا أن متوالية الخداع اللغوي التي استخدمها تيار الإسلام التكفيري قد تحولت إلى أداة لتحميل اللغة معاني لا تحملها والتحول بالسياق اللغوي من سياقه الطبيعي إلى سياق مخالف للمعاني المتعارف عليها في اللغة العربية، بما جعل السياق الديني التي تدور فيها هذه المفردات وتتفاعل من خلالها سياقا مخالفا للتفكير العلمي المنطقي وفقا للقاعدة المنطقية التي تعتبر أن اللغة هى وعاء الفكر، وأن الإنسان يفكركما يتكلم، وهو ما يجعل أي تلاعب عمدي في معاني اللغة يرقى إلى جريمة التلاعب بالعقول وخداعها..

وبعد أن نجح التيار التكفيري في تسويق مفردة " الحاكمية" وهى مفردة غير صحيحة لغويا لجأ نفس التيار لتسويق مفردة جديدة تتماهي مع فكره التكفيري وتصب في اتجاه التأسيس لخطاب من نوع غريب لم تألفه الثقافة الإسلامية لا في عصر النبوة الأولى، ولا في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، بل أن مثل هذه المفردات لم تظهر حتى في فترات الفتن التي عصفت بالمسلمين.

ومن متوالية المفردات التي روج لها أصحاب مفردة الحاكمية لفظ الطاغوت، وعن طريق توصيف خاطئ لسياق القرآن الكريم تم إسقاط هذا اللفظ على الحكومات المدنية التي تحكم دولها بناء على اختيارات مدنية لا دينية، وللتأسيس للفظ الطاغوت كلفظ ديني تكفيري ومفردة سياسية تخدم هدف التسويق للتيار التكفير لجأ أصحاب مفردة الحاكمية لاستخدام آية قرآنية ورد فيها لفظ الطاغوت بشكل يسقط المعنى الدلالي للآية وللمفردة على الحكومات المدنية في العالم الإسلامي، وهو إسقاط كاذب يرقى إلى درجة الافتراء على القرآن الكريم وتزييف معاني الآية التي وردت فيها هذه اللفظ والتقول على المولى سبحانه وتعالي بما لم يقله.

يقول المولى عز وجل في الآية 60 من سورة النساء : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )،وهذه الآية هي أكثر الآيات التي وظفها التيار التكفيري وأسقط عليها في وصف الأنظمة المدنية بالطاغوت، فضلا عن تكفيرها وتكفير كل من يعمل في خدمتها سواء في الجيش أو الشرطة أو المؤسسات السيادية أو حتى في دوائر الحكومة ووظائفها العادية، وبسبب نجاح التيار التكفيري في التسويق السياسي لهذه المفردة شهد عقد الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وحتي بداية الألفية الجديدة ترك عدد كبير من الشباب لوظائفهم الحكومية ليتحولوا لباعة جائلين أو سائقي سيارات أجرة على اعتبار أن وجودهم في وظائفهم يجعلهم في خدمة الطاغوت الذي جري التسويق لها سياسيا على أنه يساوي أنظمة الحكم المدنية.

وبالرجوع إلى الآية ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) فإن سبب نزول هذه الآية خصومة كانت بين نزلت في رجلين: رجل من منافقي المدينة أظهر إسلامه وأبطن الكفر يقال له"بشر"، وفي رجل من اليهود، فدعا اليهودي المنافق "بشر"، للاحتكام للنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن المنافق "بشر" أصر على أن يحتكم إلى بردة الأسلمي وكان كاهنا لليهود في المدينة ويعرف عنه أنه يأخذ الرشوة، فنزلت الآية : يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، أما معنى الطاغوت اللغوي المشار له في المعاجم اللغوية فهو الكاهن، فالعرب كانوا يقولون عن الكاهن طاغوتا، وكان العرب يقولون أيضا عن الساخر طاغوتا، والمعنى الظاهر من الآية هنا الذي لا يحتمل الالتباس أن الله سبحانه وتعالى قد ضرب المثل بالمنافق بشر الذي رفض أن يذهب للنبى صلى الله عليه وسلم ليحكم في الخلاف بينه وبين اليهودي، وفضل أن يذهب لشخص آخر وظيفته "طاغوت" أى كاهن أو ساخر كما كان يجري على لسان العرب، فالمقصود بمفردة الطاغوت في هذه الآية الكريمة هي وظيفة الكاهن أو الساحر الذي أراد أن يحتكم له المنافق بشر مع خصمه اليهودي، وهو ما يظهر من سبب نزول الآية وهو ما يخالف السياق التكفيري الذي وظفه تيار الإسلام السياسي في تحميل هذه الآية فوق سياقها اللغوي والتاريخي، والاستمرار في لعبة مجافاة اللغة والخداع اللغوي بمتواليات لفظية تخدم الإسقاط السياسي الخاطئ لسياق مجتزأ من بعض الآيات القرآنية للتأسيس لخطاب تكفيري يجافي اللغة والمنطق..

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً