حاولت صحيفة الاندبندنت كشف ملابسات كيفية التحاق بعض رجال داعش بالتنظيم الإرهابي من خلال إجراء حوار مع أحد المنشقين عنهم، كشف فيه أساليب "غسيل المخ" وما يمارسه التنظيم داخل صفوفه في سوريا والذي لا يمت للإسلام أو الدين بصلة.
حيث بدأ "لوقاس جلاس" الذي التحق بداعش في 2014 قصته مع التنظيم الإرهابي بعدما أشهر إسلامه وحاول تعلم الدين الصحيح فترك بلدته في المانيا، مؤكدا أن تنظيم داعش كان يفرض الشريعة الإسلامية ويحارب بشار الأسد، يقول والجدية تبدو عليه تحت عيون معتقليه في منشأة عسكرية شمال سوريا.
وجلاس مواطن ألماني، هو الآن في ٢٣ من العمر، وكان واحداً من آلاف الأجانب الذين توجهوا إلى هذا البلد في خضم حرب أهلية للعيش في تفسير متشدد للإسلام التزمه تنظيم داعش أمام أتباعه، ولكن التنظيم لم يكتفِ بهذا، وكثيرون لعبوا دوراً بارزاً في حُكم الإرهابي، ومنهم أدوا دور الجنود ومنهم الجلادون منفذو الأحكام، والمجندون.
وفي الأشهر الأخيرة، على مشارف نهاية الخلافة، اعتقلت قوات سوريا الديموقراطية مئات الأجانب حين مغادرتهم إقليم داعش المتقلص باطراد، ولكن اعتقالهم هو بداية عملية معقدة لا تلوح نهايتها في الأفق، ومعظم الدول لا تريد عودة هؤلاء المواطنين الذين غادروا للالتحاق بالخلافة تخوفاً من تحولهم الى مصدر خطر أمني إذا ما عادوا.
ويقول مسؤول استخباراتي كردي ومحاكمتهم بالغة الصعوبة في غياب أدلة على ما ارتكبه هؤلاء الأفراد خلال عيشهم في ظل داعش، وهذا ما لا يَخفى الأجانب المغادرين الخلافة، ومعظمهم ينكرون الارتباط بداعش أو يقولون إنهم لم يكونوا مقاتلين، ويزعمون أنهم كانوا طباخين أو أطباء أو عمال إغاثة وجدوا أنفسهم بطريق المصادفة في أرض الخلافة "كلهم يقولون الامر نفسه".
وليس غلاس من هؤلاء. فهو يقرّ بأنه عضو في داعش، وأنه عمل في جهاز الشرطة التابع لها طوال عامين. ولكنه يزعم أن بروباغندا التنظيم غررت به، ولم يكتشف حقيقة داعش إلا بعد فوات الأوان. وتلقي قصة غلاس الضوء على كيفية عمل أكثر التنظيمات إرهاباً في العالم المعاصر، وتبدد أوهام كثير من أتباعه مع انقلاب أحوالهم.
والتحق بالجيش الأمريكي حيث قال إن من دواعي التحاقهم بالتنظيم بلكنة إنكليزية، فلماذا يلتحق بالجيش الأميركي ويذهب الى أفغانستان أو العراق أو سوريا للتضحية بحياته في سبيل الديموقراطية؟ بلغنا أنهم أعلنوا تنظيم داعش، لذا جئنا".
واعتنق غلاس الإسلام في 2010، بعد عشر سنوات على تحول أمه إلى هذه الديانة،وطوال شطر راجح من حياته، كان يألف هذه الديانة. ولكنه لم يكتشف إيمانه إلا حين تقدم في السن. ويقول إنه شعر بأنه لا ينتمي إلى ألمانيا ولا يسعه عيش فيها الحياة الدينية التي يشاء. وفي يوليو 2014، دعا زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، المسلمين في أنحاء العالم إلى سوريا والعراق لبناء دولة إسلامية،"هلموا يا مسلمين إلى دولتكم، نعم، دولتكم، هلموا، فسوريا ليست للسوريين والعراق ليس للعراقيين.
يقول أراد غلاس القتال مع التنظيم ضد الحكومة السورية، ولكن إصابته لم تخوله القتال في الجبهات الأمامية، فعُيِّن في شرطة محافظة حلب، كانت مهمتي الأساسية تولي الحراسة في حواجز على الطريق.
ولكن في 2016، صارت غالبية الجهات المتقاتلة في الحرب الأهلية السورية على عداء مع داعش، وبدأ التنظيم يخسر في حلب في وقت كانت تتقدم المعارضة السورية. فانسحب مقاتلو التنظيم من حلب إلى الرقة، وغادر برفقتهم غلاس وأسرته. فهو رزق وزوجته أولاداً.
ولكن حين كان غلاس عنصراً في شرطة داعش، كان التنظيم يرتكب أفظع انتهاكاته،ففي أغسطس 2014، اجتاح مقاتلو داعش بلدة سنجار حيث سفكوا دماء المدنيين اليزيديين وخطفوا آلاف النساء وسبوهن واستعبدوهن جنسياً،ثم قتل داعشيون الصحافي الأميركي، جايمس فولي.
وفي سبتمبر من العام نفسه، نشر التنظيم شريط فيديو يظهر قطع رأس الصحافي الأميركي - الإسرائيلي، ستيفن سوتلوف، ثم نشر شريط تصفية عامل الإغاثة البريطاني، ديفيد هينس، وجميع هذه العمليات رمت إلى الترويج إلى اقصى حد للتنظيم، ونُشرت على قنوات البروباغندا الداعشية، وكانت الغاية منها صدم العالم وبث الخوف في أوصال أعدائه.
وواصل غلاس عمله في حراسة نقاط الحواجز الداعشية في حين كان التنظيم يعيث الخراب في المنطقة،وهو يصر على أنه لم يعرف بارتكاب هذه الجرائم، على الرغم من نشرها على نطاق واسع،ولم يغير رأيه إلا في 2006 بالرقة. "
وحين أدرك غلاس، بحسب قوله، حقيقة التنظيم، كان الأخير يشن هجمات قاتلة بعيداً عن حدوده،ففي فرنسا والولايات المتحدة وتونس، أودت هجمات مستوحاة من داعش بالمئات، ولكن داعش كان يتراجع في العراق وسوريا، ويخسر الأرض في البلدين هذين، فالولايات المتحدة دخلت النزاع، وبدأت تقصف قصفاً عنيفاً كل مناطق الخلافة التي أعلنها داعش أحادياً. "فطلبتُ الرحيل" يقول غلاس، "أعطوني ورقة ذيلها بختمهم أشخاص كانوا مسؤولين عني، ومنذ تلك اللحظة صرتُ مدنياً ولكن في أراضي الخلافة".
وأضاف "لم أرغب في الانتماء إلى داعش بعدَ اليوم. ورغبت في أن أكون براءً من هذه الأشياء"،وهو يقول إنه حاول الفرار ذات مرة مع عائلته، ولكن شرطة داعش السرية قبضت عليهم، "سجنوني طوال شهر ونصف الشهر،وأطلقوا سراحي سراحاً مشروطاً بأنني لو حاولتُ المغادرة مرةً ثانية فسيقتلونني".
منذ تلك اللحظة يقول إنه صار سجين داعش، وأُجبر على الانسحاب معهم من الرقة إلى دير الزور، وتقلصت رقعة خلافة داعش أكثر فأكثر، ومُني مقاتلوها بهزيمة تلو أخرى، وفي نهاية الأمر، صارت سلسلة من البلدات على طول الفرات آخر معاقله.
وشنّت قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، بدعم أميركي، هجومها على آخر معاقل التنظيم في ديسمبر،فالخلافة صارت محاصرة، وتتعرض يومياً لضربات جوية، في موقعة داعش الأخيرة.
وفي الأشهر الأخيرة، رحل الناس من مناطق سيطرة داعش. ولم يعد يُحكم القبضة على حركة الناس، وغادر آلاف من النسوة والأطفال مناطق داعش، ويُعتقد أن كثيرين منهم هم أقارب مقاتلي داعش، ويقول غلاس إن شعوراً بالتخلي عمَّ صفوف مؤيدي داعش ومقاتليه حين اختفى قادته.
يقول "كان لسان حال الجميع سؤالاً واحداً: أين هم؟ لماذا لا يظهرون؟ وهم يزعمون أنهم مسؤولون عنا وعن المسلمين، فلماذا لا يساعدوننا؟ وصارت غالبية الناس من مناطق داعش. حتى مقاتلو التنظيم، يكرهون القادة هؤلاء".
وفي نهاية المطاف، وقع غلاس في الأسر حين عبر الحدود شرق بلدة السوسة في 6 يناير، وأُبعد عن عائلته ولا يزال معتقلاً الى اليوم، وزوجته وأولاده موقوفون في معسكر اعتقال مع آلاف من العائلات التي يُشتبه في أنها عائلات عناصر داعش.
والى اليوم، فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تقول إنها ستقبل عودتهم، كذلك قالت الولايات المتحدة إنها ستقاضي مواطنيها الذين يشتبه في "داعشيتهم" على أرضها، ولكن المملكة المتحدة ترفض عودة مواطنيها.
وأعلن وزير الدفاع البريطاني، غافين وليامسون، العام الماضي "يجب منع أي إرهابي، سواء كان يتحدر من هذا البلد أو من غيره، من العودة الى بلده"،وموقف ألمانيا، الى اليوم مماثل.
ويقول غلاس "آمل أن تقبل ألمانيا عودتي، ولكنني أستبعدُ ذلك، أعتقد أنهم سيسلمونني الى الحكومة السورية".
ففي نهاية يناير من ذلك العام، كانت المجموعات المتمردة الأخرى تنتقد بربرية داعش أشد انتقاد"، يقول شيراز ماهر، وهو خبير في شؤون المقاتلين الأجانب في النزاع السوري ومدير المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في جامعة كينغ بلندن.
أضاف شيراز ماهر "صحيح أن بعض الأفراد في داعش كانوا أصحاب اختصاص، وكانوا أطباء ومهندسين وهكذا دواليك، ولكن المقابلات التي أجريتها توحي أنهم كانوا يؤدون كذلك أدواراً قتالية. وأظهر شريط بروباغندا داعشي أن الطبيب الأسترالي النافذ، طارق كمالة، كان يؤدي عمله طبيباً تارةً وتارةً أخرى يُقاتل على الجبهة الأمامية".
وأكد غلاي أن داعش ارتكب جرائم باسم الإسلام وكلما قد تم خداعنا.