اعلان

الحاكمية .. إن الحكم إلا لله .. ماذا أراد بها نبي الله يوسف؟ وهل أنكر يوسف حكم فرعون بعد أن أصبح وزيرا له؟ الحلقة السادسة

كتب :

قلنا في حلقات سابقة إن سيد قطب استغل مهارته اللغوية وقدرته الفائقة على الصياغة في أن يلبس بآيات الله تعالى معاني ليست واردة لا في سياقها اللغوي ولا في سياقها القرآني، بل أن سيد قطب لم يتردد لحظة في أن يقحم بين السياق القرآني ما اعتبره تفسيرا للآيات القرآنية التي تعرض لها بالتفسير بحيث يمكن أن يسود اعتقاد بين كثير من قراء سيد قطب بأنه تقول على الله تعالي بشكل كان الصحابة الأوائل حريصين على عدم الخوض فيه بل وهناك من يعتقد أن سيد قطب قد وقع في الشرك الخفي الذي يشبه دبيب النمل من خلال اجترائه على بعض آيات القرآن الكريم وتحميلها بما لا تحتمل من معاني تخالف تماما المعاني الظاهرة للأيات أو سياقها القرآني بين غيرها من آيات القرآن الكريم أو سبب نزولها.

وفي واحدة من أكبر التناقضات التي وقع فيها سيد قطب وأسس بناء عليها فكرته عن الحاكمية، وهى لفظ لا ينتمي للغة العربية بأى حال من الأحوال، فإن سيد قطب أسس جزء كبير من رؤيته بما أسماه بالحاكمية على جزء اقتطعه سيد قطب من الأية الكريمة التي وردت على لسان نبى الله يوسف وهو في السجن مخاطبا صاحبيه في السجن :

ونص الآية :

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ

فالمفارقة هنا التي يستغرب أي باحث مدقق من أن كل من قرأ لسيد قطب لم ينتبه لها، هو أن سيد قطب قد اجتزأ من بين كل ما ورد على لسان نبى الله يوسف من بين الايتين الكريمتين اللتين اشتلمتا على نحو 44 كلمة اربع كلمات فقط بنى عليهم الجزء الاساسي من تنظيره حول ما إسماه بالحاكمية، فقد اجتزأ سيد قطب من بين ما ورد على لسان نبى الله يوسف فقط 4 كلمات هي : إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ

واعتبر سيد قطب أن هذه الكلمات الأربعة في سياق الأيتين هما دليله القاطع على الفكرة التي روج لها تحت اسم الحاكمية

فنبي الله يوسف لم يكن مكلفا بتليغ أى رسالة من السماء لغير المؤمنين بالله، بل أن كل أنبياء بني إسرائيل لم يكن أحد منهم مكلفا بتبليغ أى رسالة سماوية لغير المؤمنين، وحتى رسول الله موسى فقد كانت رسالته في بني إسرائيل ولم يصدع بها لغير بني قومه، وحتى مجادلته لفرعون كانت بناء على أمر الله له بأن يذهب إلى فرعون لكن رسول الله موسى قضى كل عمره يدعو فقط بين بني إسرائيل.لذلك فإنه ليس من المقبول أن يكون حديث نبي الله يوسف وهو في السجن لرفاق السجن على سبيل التمييز بين الاتيان بأحكام الله أو بغيرها، لأن وقت وجود نبى الله يوسف في السجن لم تكن قضية الحكم بما انزل الله او عدم الحكم به مطروحة منطقيا ولا واقعيا في هذه الفترة التاريخية، بل أن يوسف عند خرج من السجن وأصطفاه فرعون ليكون قائما أو وزيرا علي خزائن مصر، ولم يكن ذلك بناء على اختيار فرعون أو إجبار من فرعون ليوسف على ذلك، بل أن نبى الله يوسف هو نفسه الذي طلب الاقتراب من الفرعون عندما قال للذي يعتقد انه سينجو اذكرني عند ربك ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ، ثم طالب من فرعون أن يجعله على خزائن الأرض  ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، وحيث قام نبى الله يوسف بهذه المهمة في إطار مؤسسات الدولة المصرية التي كانت قائمة في هذا الوقت وهى مؤسسات دولة تعبد الفرعون أو تعتبره ابن الاله، ولم يرد أبدا في اي اثر تاريخي أو ديني أن نبي الله يوسف الذي قال لصاحبي السجن له إن الحكم إلا لله، قد أنكر هذا او حاول تغييره، وهو ما يؤكد أن المعنى الذي كان نبي الله يوسف يريد أو ينقله لصاحبيه في السجن بقوله: إن الحكم إلا الله لا يمت من قريب ولا من بعيد للحاكمية التي يتحدث عنها سيد قطب وبالغ في تقديسها لدرجة أنها تحولت لديه إلى عقيدة أو دين مستقل بذاته

 

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً