لم تكن مي زيادة مجرد سيدة مثقفة في زمن زيّنه أهم الكتاب والشعراء في الوسط الثقافي في مصر والشام، حيث كانت الأجواء المشحونة بالعلم والثقافة على أشدها كانت شاهدة على زمن ظهور فيه أهم وأعرق الشعراء والكتاب، وكانت مي زيادة فراشة الكلمة في فترة العشرينات والثلاثينات.. خلال الأسبوع تحتفل صالونات الأدب والثقافة بإحياء ذكرى الشاعرة والأديبة واللبنانية الفلسطينية مي زيادة، التي اشتهرت في مصر حيث جاءت إليها وهي في سن العشرين من عمرها، وكانت منفتحة على ثقافات العالم، وتُجيد ثلاث لغات بجانب العربية، الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
كانت حياة "زيادة" مختلفة عن حياة النساء المتعارف عليها في مصر، فأصبحت مكللة بالغموض والشغف، فكانت متحررة ، وبرغم التفاف النخبة حولها، بدت بينهم متّزنة وملتزمة.
وذكر الكاتب الكبير "كمال الشناوي" في كتابه " الذين أحبوا مي .. وأوبريت جميلة" روايات عن مي زيادة ومواقفها الطريفة مع العقاد وحبها ليكن متعاطفة معه، وموقافها مع جبران الذي لم تلتقي به رغم شهرة رسائلهما، وأشار "الشناوي" في كتابه أيضًا إلى وجود رسائل رومانسية أرسلت إلى "مي" من 100 مثقف وأديب ومفكر وفيلسوف من عدة بلدان. وبعد وفاة مي أراد أهلها والمقربين منها نشر تلك الرسائل في كتاب إلا أن الكاتب لطفي السيد رفض الأمر.
التف حولها مجموعة كبيرة من أكبر الأدباء والكتاب في تلك الحقبة الثقافية، وكلما اقتربوا منها إزدادوا حبًا وولعًا بها، وكل منهم أحبها على طريقته الخاصة.
الصالون كانت فرصتهم السانحة لإرضاء أشواقهم، وإشباع رغباتهم ولو بالنظر إليها ونيل قسط من الوصال المستتر بغطاء الصداقة الأدبية، لكن قلب مي لم يخفق إلَّا لثلاثة، حسب ما تفيد تلك الروايات الموثقة بالرسائل المتبادلة بينهم.
أحبها العقاد وعشقها جبران، ومات "يكن" حبًا فيها، فكان لكل اسمًا منهم حكاية مع "مي" رصدها خلال التقرير.
جبران ومي
كان يقيم جبران خليل جبران في أمريكا وهي في مصر وحين قررت السفر لا تذهب إلا لفرنسا وألمانيا، ولا تحرص على زيارة أمريكا أبدًا، رغم رسائل الغرام بينهما وبين جبران إلا أن كل منهما لا يسعى إلى لقاء الآخر.
وفي أكثر من مرة دعت "مي" جبران لزيارتها في أوروبا ولا يفعل هو، وكأنهما تعمدا عدم اللقاء، وكأن الحب القائم على الورق أكثر ملائمة، حيث يتيح لهما قسطاً من الفضفضة تناسب مي وطريقتها في الحب.
طه حسين
استمع إليها طه حسين لأول مرة في حفل تكريم خليل مطران، ولم يرض في ذلك الحفل عن شيء مثلما رضي عن صوتها، وكان صوت «مي» كفيلا بخفقان قلب "الفتى"، كما يعرّف نفسه في "الأيام" حتى إنه خصص فصلا كاملا في سيرته الذاتية للحديث عن "مي"، بعنوان "كنت في ذلك المساء هلالًا"، حيث كان لديه رغبة شديدة في التعرف عليها بعدما تحدث عنها أستاذه أحمد لطفي السيد.
عباس العقاد
كان معروف بنضوجه وكبريائه، لكنه أحب مي بهذا الكبرياء لكنه رويدًا، بدأ يذعن لعاطفته حتى امتلكت قلبه وعقله، وبعد أن كان يحرص على زيارة صالونها الأدبي، بدأ يُطورعلاقته بها فيقضي معها ساعة أو أقل سيراً في صحراء مصر الجديدة، وتطور الأمر أكثر ليدعوها إلى السينما ويذهب بصحبتها إلى سينما الكنيسة كما أحبت هي.
مصطفى عبد الرازق
أما الشيخ مصطفى عبد الرازق الذي عُرف عنه القيم والوقار، لم يكن بإمكانه أن يتنصل من حب مي، أخذ يحبها بصمت وحياء ولم يعبّر عن حبه بالكلمة المسموعة، حتى سنحت الفرصة بكتابة رسالة أرسلها لها عبر بعض الرسائل التي كان يراسلها بها وهم ثلاث رسائل، وكتب فيها " وإني أحب باريس، إن فيها شبابي وأملي، ومع ذلك فإني أتعجل العودة إلى القاهرة، يظهر أن في القاهرة ما هو أحب إليَّ من الشباب والأمل".
كما كان يحرص على زيارتها في صالونها الثقافي يوم الثلاثاء من كل أسبوع.
ولي الدين يكن
كان "يكن" عاشق جسور لـ"مى"، وأنه أحبها وأحبته منذ بداية تعارفهما عام 1914، ويُذكر أن مي توشحت بالأسود عامين بعد رحيله، حتى إذا ذُكر اسمه أدمعت عيناها للبكاء.
أعلمت الهوى الذي أخفيه؟ أي سر يا مي لم تعلميه؟
ببيت الشعر صرّح يكن بحبه لمي لكن شقيقه يوسف حمدي يكن حذف كلمة "مي" من البيت وأضاف "في القلب" وهو يجمع ديوان شقيقه، وكانت مي تطمئن عليه دائمًا، وتسأل شقيقه يوسف عن أخباره الصحية، إلى أن رحل يكن عام 1921.