أثار محمد صلاح نجم منتخب مصر ولاعب نادي ليفربول الإنجليزي، ردود أفعال واسعة، عقب حديثه الأخير عن غياب الروح الرياضية في الشارع الكروي، واستيائه من زيادة التعصب والاحتقان بين مشجعي الأندية.
وكان صلاح قد غرد علي تويتر قائلا: "مش قادر أصدق أني كل ما أدخل تويتر ألاقي أكبر جمهورين في الوطن العربي بيشتموا بعض طول الوقت، هي خلاص حياتنا بقينا نصحى الصبح نشوف هنشتم بعض إزاي ؟”
وفي الوقت الذي أيد فيه الكثيرون، حديث محمد صلاح، واعتبروا أن ما يحدث منذ فترة، خطر كبير يشعل نيران الفتنة بين مشجعي الكرة خاصة الشباب منهم، ما ينذر بكارثة جديدة، قد تتسبب في أزمة للرياضة المصرية ويصعب تجاوزها هذه المرة، جاء رد فعل رئيس نادي الزمالك، سريعا كالعادة، حيث هاجم اللاعب الكبير، وطلب منه عدم الحديث في أمور الكرة المصرية، قائلا: "خليك يا صلاح في ليفربول وإهدي، إنت لا بتاكل أكلنا ولا بتشرب شربنا ولا عايش معانا، متتكلمش عن الكورة في مصر"
وحمل هجوم رئيس الزمالك، رفضا غريبا وغير مفهوم لدعوة نجم مصري كبير، يتحدث عن الروح الرياضية ويدعو إلى قيم الاحترام والمحبة بين الجميع، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول سبب الرفض ومن المستفيد من استمرار الأزمات ويزعجه عودة الروح الرياضية للشارع الكروي ؟
ويستعرض "أهل مصر" في التقرير التالي، أهم الأسباب التي ساهمت في ظهور الفتنة الكروية وأشعلت فتيل نيران التعصب وروح العدائية بين جماهير الساحرة المستديرة.
١ - تدخل رأس المال الأجنبي في الرياضة بدون ضوابط:
يأتي في مقدمة الأسباب، ظهور تركي آل شيخ رئيس هيئة الترفيه السعودي، باعتباره مستثمرا رياضيا، قام بعد خلافه مع إدارة النادي الأهلي، بالتدخل لشراء نادي الأسيوطي سبورت لصالح راكان الحارثي صاحب شركة صلة السعودية، ليصبح الوليد الجديد بيراميدز fc أحد الأندية المتواجدة في الدوري المصري، ويصبح هو متحكما فيه ومسؤولا عنه، ويصرف في ٦ أشهر فقط ما يزيد عن ٢ مليار جنيه ونصف، موزعة بين شراء النادي وشراء لاعبين ومدربين وعقود خيالية، بجانب فضائية النادي التي افتتحها وصرف ملايين أخري علي عقود مقدمي البرامج ومحللي مباريات واستضافة نجوم الكرة العالمية، وقام بإغلاقها بعد ٣ شهور فقط دون سبب واضح.
وبالرغم من أهمية الاستثمار الرياضي وتشجيع الدولة واهتمامها الكبير به، إلا أننا فشلنا للأسف في وضع الضوابط اللازمة والمنظمة له، ما أثر بالسلب علي الكرة ونتج عنه ما نري من عدم استقرار في الكرة المصرية، فلا يخفي علي أحد أن الاستثمار له قواعد وأسس يجب أن تتم من خلاله، كما هو الحال في أوروبا، والخطوة الأولي للاستثمار هي تحويل الأندية لشركات لها أسهم معلنة، ويتم تقييم سعر السهم بدقة وبشكل حقيقي، ثم الإعلان عنه، فهناك قواعد حاكمة لتسعير السهم وشفافية في اعلانه، ومن ثم يتقدم من يريد لشراء عدد الأسهم التي يرغبها.
وهناك أيضا قواعد لتسعير اللاعبين، كل وفقا لقيمته الفنية ومستواه الحقيقي، حيث الالتزام بقواعد اللعب النظيف التي أقرها الفيفا، بألا تكون المصروفات أكثر من الإيرادات، وذلك للتأكد من حدوث استثمار حقيقي في الأندية، وعدم فتح الباب لغسيل الأموال القذرة وأمور بعيدة عن الرياضة.
كل ذلك بالإضافة إلي الهجوم المستمر من جانب تركي آل شيخ، تجاه النادي الأهلي ومجلس إدارته، ونتج عن ذلك غضب كبير من الجماهير الحمراء، التي لا تقبل التجاوز في حق ناديها ورموزه ولاعبيه، وبدأت في الرد عليه علي مواقع السوشيال ميديا، بالإضافة لحدوث مشاكل بينها وبين جماهير الزمالك، زادت معها حدة التعصب والاحتقان بشكل غير مسبوق.
٢ - الإعلام الرياضي الموجه:
بدأ الإعلام الرياضي المصري، مؤخرا في الانحراف عن مساره، وأضحي بعيدا عن الاعتدال والموضوعية، في تناول الأحداث والموضوعات الرياضية، وظهرت للأسف برامج موجهة وإعلاميين وصحفيين موجهين، للدفاع عن شخصيات بعينها، علاوة علي الانحياز لأندية والهجوم علي أندية أخري، لأسباب ومصالح خاصة، ما زاد شدة الاحتقان وجعل جماهير الكرة لا تثق فيما يتم تقديمه من محتوى.
٣ - الصفحات وجروبات التواصل الاجتماعي المدفوعة مسبقا:
شهدت السنوات الأخيرة، ظهور الصفحات والجروبات الرياضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وزاد عدد المترددين عليها من الجماهير، التي أصبحت لا تثق في الإعلام الرياضي، ووجدت غايتها في التنفيس عن مشاعرها علي هذه الصفحات، وتدريجيا بدأت
مساحة التعصب تزيد وبدأ الدخول في صدامات والسباب بين الجماهير وبعضها البعض، بجانب قيام البعض بشراء هذه الصفحات والدفع للقائمين عليها، بهدف تلميعه من ناحية ومهاجمة منافسيه من ناحية أخري، والمؤسف أن هناك إدارات أندية ولاعبين تورطوا في شراء أدمن هذه الصفحات ودفع مبالغ مالية شهرية لهم، لتنفيذ ما يريدون، فأصبحت تجارة رائجة، تدر عليهم أموالا كثيرة.
٤ - هوس المسؤولين بالظهور والشو الإعلامي :
يأتي هوس البعض من القائمين علي الكرة في بلادنا، سواء من الأندية أو اتحاد الكرة المصري، كأحد الأسباب التي أوقدت الفتن خلال السنوات الماضية، فنجد من يتنقل من برنامج لآخر وفي مكالمات ومداخلات هاتفية، يخرج علينا ليهاجم منافسيه أو منتقديه، بأفظع الكلمات والمفردات، ومنهم من يهدد ويتوعد الجميع، دون حسيب أو رقيب، الأمر الذي ساهم في حدوث أزمات متكررة.
وأخيرا يبقي السؤال، متي نحاسب المسؤول عن تحويل كرة القدم من لعبة رياضية محبوبة هي مصدر للترفيه والمتعة والمشاكسات المقبولة بين المشجعين إلى مصانع للكراهية والبغضاء والتعديات اللفظية المشحونة بالكراهية غير المبررة؟