لا يكمن ثقل جامعة الأزهر باعتبارها الأكبر في مصر فقط، فهي تشكل قوة ناعمة تفرض نفسها في العالم الإسلامي والقارة الإفريقية، ومنارة علم يتجه صوبها الآلاف سنويًا من الأشقاء في الدول العربية والإفريقية وشرق آسيا، لذلك فإن رئاستها ليس بالمنصب السهل، وإنما يتطلب مواصفات خاصة، مثل تلك التي يتمتع بها الدكتور محمد المحرصاوي رئيس الجامعة الحالي.
حاورت «أهل مصر» المحرصاوي، والذي تحدث عن العديد من الأمور المتعلقة بالجامعة وأنشطتها ودروها في المنطقة والقارة السمراء. وإلى نص الحوار..
حدثنا عن علاقة جامعة الأزهر بأفريقيا ؟
الأزهر يمثل القوة الناعمة لمصر على مستوى العالم، والأزهر يولي القارة السمراء اهتماما خاصًا في جميع المجالات وعلى مختلف أبعادها التعليمية والدعوية والاجتماعية والإنسانية على مدار التاريخ فعلى المستوى العلمي يستقبل الطلاب الأفارقة منذ القدم حتى وصل الأمر أن أنشئت أروقة بالجامع الأزهر للوافدين رواق البرابرة، وكان يسكن به أهل تشاد وما جاور بحيرة تشاد، رواق السنارية لأهل طلبة السودان وما جاوره غربا، ويعد من أشهر أروقة الأزهر، رواق الشوام، رواق المغاربة وغيرها، أما على المستوى الطبي فإن الأزهر الشريف يوفد القوافل الطبية والمساعدات إلى كافة أرجاء القارة، انطلاقًا من مبدأ أبناء القارة الواحدة أسرة واحدة، وعلى المستوى الدعوي فإن الأمام الأكبر يأمر بإيفاد البعثات الدعوية في مختلف البلدان لتعليم الناس الدين الصحيح، وكذلك تدريب أئمة ووعاظ الدول الإفريقية بالأزهر، إضافة إلى القوافل الطبية والمساعدات التي يقدمها الأزهر إلى الأشقاء في بلدان القارة من مبدأ راسخ لدى الأزهر«قوتنا فى وحدتنا.. معًا نستطيع قهر المستحيل».
ما دور جامعة الأزهر في القارة السمراء تزامنًا مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي؟
ترتبط جامعة الأزهر بالقارة، وتعزيزًا لتوثيق العلاقات في الوقت الحالي تم التواصل مع اتحاد الجامعات الإفريقية ولجنة التصنيف الإفريقي الأوربي منذ أكثر من سنة ونصف، وتم ترشيح جامعة الأزهر لتكون ممثلة لجامعات مصر ضمن 15 جامعة على مستوى القارة، وقامت لجنة التصنيف الإفريقي الأوربي بزيارة الجامعة وتم تصنيفها برقم واحد وتقدير قطاع الطب بالجامعة بتقدير امتياز، وتم التواصل مع اتحاد الجامعات الإفريقية لتكون جامعة الأزهر عضو مجلس إدارة الاتحاد، بعد ذلك قمنا بعمل ورش عمل لرقمنة الأبحاث العلمية وصناعة الدواء في إفريقيا، وتم الواصل مع اتحاد الجامعات الإفريقية، وحصلنا على موافقته لإنشاء مكتب إقليمي للاتحاد بجامعة الأزهر وسوف يتم افتتاحه في احتفال رسمي يوم ١٢ مارس المقبل، كما ستشهد الجامعة تنظيم الأولمبياد الأول لاتحاد الجامعات الأفريقية خلال الفترة من ١٤ إلى ١٨ مارس المقبل، فى كرة القدم، والسلة، وألعاب القوى، بمشاركة ٦٦٠ طالبًا يُمثلون جامعات القارة بمختلف أقاليمها، وينتمون إلى ٢٢ دولة أفريقية، وأخيرًا سوف يتم تنظيم المؤتمر الدولى للتعليم العالى بالقارة الأفريقية بمركز الأزهر الدولى للمؤتمرات، فى يوليو المقبل.
ماذا عن استضافت جامعة الأزهر للنجم المصري محمد صلاح؟
نحن نحاول بشتي الطرق أن نتواصل مع النجم المصري محمد صلاح ونسعى للانتهاء من الموافقات والتجهيزات على أن يكون تكريم جامعة الأزهر له وحضوره مفاجأة الأوليمبياد الرياضي في شهر مارس المقبل.
هل تقوم الجامعة بتنقية التراث والمناهج الأزهرية كما نادى البعض؟
مناهج الأزهر لا توجد بها شوائب حتى نحتاج إلى تنقيتها لكننا نعيد النظر فيها حتى تحتفظ بأصالتها مع مواكبتها للعصر، وأنا أتكلم عن المناهج داخل الجامعة التي تدرس أما الكتب التي توجد في المكتبات الخارجية لسنا مسئولين عنها، ولكننا اتجهنا اتجاها جديدا بتوحيد الكتاب على مستوى الجامعة لضبط الأفكار التي تبث للطلاب، فعلى سبيل المثال كلية أصول الدين بالقاهرة لها فروع بالمحافظات لكنها تنبثق منها وليست كليات على حدة فقمنا بتوحيد المنهج على الطلاب بجميع الفروع فلا نقبل أن يدرس طالب منهج مختلف عن زميله في نفس الكلية.
ألا يُعد توحيد الكتب والمناهج الدراسية قتلاً للإبداع والبحث العلمي؟
لا بالعكس هذا قمة الإبداع والبحث العلمي.
لماذا؟
لأن هذا الكتاب يشترك فيه أكثر من أستاذ كلٌ بفكره وقلمه فهذا تنويع في الأفكار وكذلك يتم تجديد الكتاب كل عام فهذا إيقاظ للبحث العلمي، أما ما كان يحدث من تدريس مناهج أو كتب طبعت منذ أكثر من عشرين عاما هذا ما يعد قتلًا للإبداع، فنحن نقوم بتدريس تلك المناهج بما يتوافق مع أصالتها ومواكبتها للعصر، فقمنا بتجديد الكتاب والمنهج الدراسي، كذلك بالنسبة للمواد الشرعية التي كانت مقررة على الكليات فقسمنا الكليات إلي قطاعات متعددة، بحيث يتم تدريس كل قطاع ما يخدم أهدافه ويتوافق مع مناهجه، فعلى سبيل المثال قطاع الطب ويشمل الكليات الطبية من «طب بشري وأسنان وصيدلة وعلوم» تم تجهيز منهج فقهي عن نقل الأعضاء وتشريح الجثث والتبرع بالأعضاء وعمليات التجميل وبنك اللبن وأحكام الصيام وغيرها من الأمور التي تتوافق مع الكلية والجانب الشرعي الفقهي حتى تحدث إفادة للطلاب، وكذلك في جميع الكليات.
هل تري أن المؤسسات الدينية نجحت في تكليف الرئيس بتجديد الخطاب الديني؟
إذا أردنا أن نتحدث عن تجديد الخطاب الديني لابد أن نتحدث أولا عن من له حق الخطاب الديني، لأن الكلام في الدين أصبح مهنة من لا مهنة له، فالذي له حق الخطاب الديني من تسلح بالعلوم التي تؤهله لفهم القرآن وللإفتاء والتصدي للأفكار المتطرفة، من علوم شرعية وعربية، فبسبب الفهم الخاطئ لبعض النصوص الدينية تحدث البلبلة والفتن والفوضى، فالأفكار المتطرفة نشأت من الفهم الخاطئ من غير الدارسين من علوم الدين واللغة، فعلى سبيل المثال قول النبي صلي الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله» فغير الفاهم يقول إن الإسلام دين العنف والنبي يدعو إلى القتال والإسلام جاء بحد السيف، ولكن هذا إن دل فيدل على منتهي الجهل فأقاتل هذا فعل مضارع للفعل قاتل وهو علي وزن فاعل وفاعل من الأفعال التي تدل علي وقوع الفعل بين شخصين مثل سابق وسارع فلا يمكن أن يسابق الإنسان نفسه، كذلك فإن المقصد من الحديث أنه يوجد من بدأ بالقتال وأنت تدافع عن نفسك.
ماذا عن قرار جامعة الأزهر بمنع الظهور الإعلامي لأساتذتها إلا بتصريح؟
هذا ليس من باب تكميم الأفواه ولا الحجر على الآراء بل هو تنظيم المسألة، كذلك ليس هذا القرار بجديد ولكن تطبيقًا للقانون المتواجد والذي ينص على من يقوم بإلقاء محاضرات بمقابل لابد من الحصول على ترخيص، وهو موجود في كل الهيئات والمؤسسات بالدولة، وللتأكيد لم يتقدم أي أستاذ وتم منعه، لكن الشرط الذي تم اشتراطه هو أن المتحدث يلتزم بالمنهج الأزهري وأن حديثه هو معبر عن قناعته الشخصية وليس معبرًا عن الأزهر كمؤسسة، الأمر الثاني هو الالتزام بالتخصص الدقيق فغير مقبول أن يكون شخصًا متخصصا في العلوم التطبيقية ويتكلم في الإفتاء.
كيف واجهت جامعة الأزهر حملات التشويه التي تتعرض لها المؤسسة؟
من وجهة نظري أننا نسير في الطريق الصحيح وأحرزنا نجاحا منقطع النظير لأن الشجرة المثمرة دائما ما تلقى بالحجارة، فلولا نجاح الأزهر ما توجه هؤلاء بحملاتهم وإنما هم يتوجهون إلى الناجحين فتوجد العديد من المؤسسات الخاملة وبالرغم من ذلك لا يتوجهون إليها بأي شيء.
دور جامعة الأزهر في تفعيل وثيقة «الأخوة الإنسانية»؟
بمجرد عودتي من الإمارات عقب توقيع فضيلة الإمام الأكبر والبابا فرنسيس على وثيقة الأخوة الإنسانية، أصدرت تعليمات بتنظيم ندوات للتعريف بمضمون الوثيقة، كذلك توجيه رعاية الشباب بكل الكليات بإقامة مسابقات حول الوثيقة والإعلان عن جوائز قيمة لأفضل بحث مقدم، كذلك سوف نقوم بطباعة الوثيقة على بنرات كبيرة الحجم لتعليقها على الجدران داخل الجامعة وخارجها للعامة، لنعلن للجميع أن هذا هو منهج الأزهر وفكره.
ماذا فعل الدكتور المحرصاوي لتحويل جامعة الأزهر إلى ذكية؟
أنا لا أحب أن أتكلم عن نفسي فالناظر بعينه يعلم أننا نسابق الليل بالنهار لتطوير الجامعة واللحاق بركب الجامعات الذكية بل بالعكس هدفنا أن نكون في مقدمة الجامعات المصرية بل والعالمية.
هل ترى أن ميزانية جامعة الأزهر كافية للتطوير ومواكبة العصر؟
للأسف يظن البعض أن جامعة الأزهر من أغنى الجامعات ظنًا منهم أننا نملك أوقافًا أو يوجد لدينا صندوق تبرعات، وهذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة، فجامعة الأزهر شأنها شأن أي جامعة تأخد ميزانيتها من الدولة، وهذه الميزانية لا تكفي أساسا نظرًا لعدم امتلاك جامعة الأزهر تعليم مفتوح أو تعليم مدمج الذي يدر ربحا للجامعات نظرًا لحساسية جامعة الأزهر، فلا يمكن أن يتم قبول أشخاصًا من خارج التعليم الأزهري يتعلمون بمقابل ويتم منحهم شهادة يتكلمون باسم الأزهر، ونظرًا لضعف الميزانية هناك العديد من المشاريع البحثية والمشروعات التي وقف تنفيذها نظرًا لعدم وجود ميزانية تسمح لإنشائها.
هل تم اتخاذ إجراءات تطبيقية بشأن الحوادث المتكررة على طريق النصر أمام بوابة الجامعة؟
كنا عقدنا اجتماعًا طارئًا وناشدنا السيد الرئيس بالتدخل للحفاظ على حياة المواطنين سواء كانوا طلابًا أو من المواطنين، وتم إصدار تعليمات من الرئيس بالبدء بتنفيذ مسارات آمنة للطلاب في هذه الطرق التي حدثت بها تلك الحوادث.
هل يشهد العام المقبل إجراء انتخابات اتحاد الطلاب بجامعة الأزهر؟
بالنسبة لانتخابات اتحاد الطلاب تم تنفيذها بالجامعات الأخرى ولم يتم تنفيذها بجامعة الأزهر لأن الجامعات الأخرى تابعة للمجلس الأعلى للجامعات أما جامعة الأزهر تابعة للمجلس الأعلى للأزهر ولها خصوصية تختلف عن غيرها ، ومع ذلك أتينا باللائحة التي تم إقرارها هناك، حتى يتم النظر فيها لتتناسب مع جامعتنا وفي طريقنا للانتهاء من ذلك ومخاطبة الجهات المعنية للانتهاء منها، ومع ذلك لم نمنع أي من الطلاب من إجراء أي نشاط وذلك من خلال رعاية الشباب فالرحلات مستمرة والمسابقات والأبحاث ومشاركتنا في أسبوع الجامعات والمسابقات التي تقوم بها وزارة الشباب.
هل من الممكن أن نرى كليات جديدة بجامعة الأزهر؟
هذا الأمر يعتمد على الميزانية، نحن الآن في طريقنا لتقديم تصور كامل عن كلية الذكاء الاصطناعي وبعد الانتهاء من وضع التصور يعرض على لجنة الخطط والمناهج بعدها يتم عرضه على مجلس الجامعة، بعدها يعرض التصور على المجلس الأعلى للأزهر، على أن يتم استصدار قرار من رئيس مجلس الوزراء، لكننا الآن أوشكنا على الانتهاء من وضع التصور الكامل للكلية، كذلك لدينا آمال كبيرة لكن تحكمنا الميزانية فنأمل أن ننشئ كلية للعلاج الطبيعي كذلك كلية زراعة للبنات كلية هندسة للفتيات بفرع الجامعة بقنا.
ماذا عن شكاوى المواطنين في المستشفيات التابعة لجامعة الأزهر؟
هذا الأمر متواجد في جميع المستشفيات وليست مستشفيات جامعة الأزهر فقط والسبب يتمثل في منظومة متكاملة في وجود حالة عجز مالي لمحاولة الارتقاء بالمستشفيات، فعلي سبيل المثال مستشفي الحسين الجامعي تتعامل مع من هم تحت خط الفقر وليس الفقراء ويتردد عليها يوميا ما يقدر بثلاثة آلاف مواطن، إضافة إلي أن تقديم العلاج مجانًا وإجراء العمليات مجانية، فنحن نطالب بزيادة ميزانية الجامعة للارتقاء بالجامعة وكذلك المستشفيات التابعة لها، وللعلم الميزانية لا تكفي فلولا التبرعات ما كانت لهذه المستشفيات أن تكون بهذه الصورة.
نقلا عن العدد الورقي.