الحق فى العمل يُعد من الحقوق التى يقرها العهد الدولى لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، من خلال إتاحة الفرص لعمل يقبله ويختاره بحرية، كما يتضمن الحق فى العمل المساواة فى المعاملة والأجر عند تساوى قيمة العمل، وعلى الدولة أن تُحقق تكافئ الفُرص بين أبناء المُجتمع، ففى وقتٍ يمرُ فيه المُجتمع المصرى بأزمةٍ اقتصاديةٍ حادة، ويعيشُ أكثرُ من 40 % من أبنائِه على أقلِ من دولارين فى اليوم، وترتفع معدلات البطالةِ بين شبابِه إلى 37 %، لجأ قطاعُ صناعة الذهبِ والمجوهرات إلى الاستعانة بالعمالة الأجنبية، بطرق قانونية وغير قانونية، مما أثر حتمًا على فُرص العمالة المصرية بسوق الذهب، وهى سياسة تُكرسُ للفقرِ والتهميش والإقصاء وعدم المساواة.
يُقدر حجم قطاع صناعة الذهب والمجوهرات فى مصر بـ 5 آلاف ورشة ومصنع، يعمل بها أكثر من 10 آلاف عامل، بالإضافة إلى أكثر من 20 ألف تاجر تجزئة يستوعبون عمالة تقدر بـ 60 ألف عامل، ويقدر قيمة حجم إنتاجه نحو 40 مليار جنيه، وذلك وفقا لدراسة أعدتها شعبة الذهب بغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات لعام 2013، استهدفت أوضاع صناعة الذهب والمجوهرات، وألقت الضوء على أهم معوقات الارتقاء به.
واتضح من الدراسة أن سوق الذهب يُعانى من نقصٍ فى المدارس الفنية ومراكز التدريب، وكذلك نقصٍ فى العمالة المصرية المؤهلة والمدربة، بالإضافة إلى ضعف مستوى خريجى كليات الفنون، والتى لا تتوافق مع احتياجات السوق، ولا تتواكب مع متغيرات التقدم التكنولوجى الحديث لصناعة الذهب والمجوهرات، لذلك يتجه مُصنعى الذهب إلى الاستعانة بالمُصممين والفنيين الأجانب.
غير أن القائمين على العملية التعليمية فى هذا المجال يرون غير ذلك، حيث يؤكد د. جمال السيد الأحول رئيس قسم المعادن والحُلى بكلية الفنون التطبيقية، أن خريجى كلية الفنون التطبيقية مؤهلون بالفعل للعمل وعلى درجة عالية من الكفاءة، هم فقط يحتاجون إلى تدريبات بسيطة للاندماج داخل سوق المجوهرات، كما أن الاستعانة بالعمالة الأجنبية تقلل من فرص تواجدهم داخل السوق.
يُذكر أن قانون القوى العاملة يحد من الاستعانة بالعمالة الأجنبية، ويُخضعها لعدد من الشروط والقواعد التنظيمية، فينص القانون على ألا تزيد نسبة العمالة الأجنبية فى أى منشأة على 10 % من إجمالى أعداد العمالة بها، وأن لا تزيد مدة الترخيص عن عام يقومون فيه بتدريب العمالة المصرية لتحل محلهم فى المستقبل، بالإضافة إلى الاحتياج الفعلى للمنشأة لهذه العمالة، وعدم مزاحمة الأجنبى للأيدى العاملة الوطنية.
كما يُلزم قانون وزارة القوى العاملة مُصممى المجوهرات الأجانب، بالحصول على تصريح لمزاولة مهنة التصميم من نقابة مُصممى الفنون التطبيقية، لكن شركات الذهب تتحايل على ذلك وتقوم بتعيينهم دون تصاريح لمزاولة عملهم، وفقا لما صرح به “ وليم رشيد “ المدير الإدارى لنقابة مُصممى الفنون التطبيقية.
مرت صناعة الذهب فى مصر بمرحلة انهيار بداية من فترة الخمسينات إلى بداية السبعينات، بعدها بدأت تخرج من كبوتها وتنفتح على العالم الخارجى، ولكنها وجدت نفسها أمام خضم هائل من التكنولوجيا الحديثة، مما اضطر المُصنعين للاستعانة بالعمالة الأجنبية للعمل على هذه التكنولوجية، حيث لجأت بعض شركات الذهب خلال فترة التسعينات، باستقدام عمالة أجنبية بصورة كثيفة، والاعتماد عليهم كعمالة إنتاجية وليس خبراء لتدريب العمالة المصرية.
مما لا شك فيه أن الاستعانة بخبرات أجنبيه، له مميزاته وعيوبه، فنقل الخبرات والاطلاع على ثقافات وتجارب صناعية مختلفة هو مكسب للصناعة المصرية، قد نحتاج إلى المُصمم الأجنبى سواء الهندى والتايلاندى أو غيرهم، لتبادل الخبرات أو لتصميم خطوط من المجوهرات المستوحاة عن تراث بلدهم وحضارتهم، ومعظم شركات المجوهرات داخل مصر سواء إيجيبت جولد أو لازوردى أو داماس أو غسان، بها أقسام للمجوهرات الهندية، وذلك لإقبال المجتمع المصرى عليها.
أدى ارتفاع مستوى خبرات ومهارات العمالة الهندية واطلاعهم على أحدث تكنولوجيا تصميم وإنتاج الذهب والمجوهرات، إلى زيادة الطلب عليها بسوق الذهب المصرى والخليجى أيضًا، لكن ليس من المقبول أن يعتمد سُوق الذهب المصرى عليهم بصورة تُقلص فُرص العامل المصرى، وتُغرق السوق بمشغولات ذهبية ذات تصميمات بعيدة عن التُراث المصرى، فالمُصمم المصرى على الأقل لديه دراية باحتياجات السوق، واتجاهات وميول المرأة المصرية فى اقتناء الذهب.
فى عام 2006 قامت إحدى شركات المجوهرات المصرية بتوجيه مُصممين هنود يعملون لديها، بتصميم مشغولات مستوحاة من الفن الفرعونى، فكانت النتيجة كارثية، نتيجة لعدم دراية أو دراسة هؤلاء لأُسس الفن الفرعونى.
فالتصميم علم ودراسة، هناك ما يُعرف باعتبارات تصميم المجوهرات، كمواصفات قطعة المجوهرات، ومواصفات جسد المرأة، فنسب جسد المراة تختلف من مجتمع لأخر فقوام جسد المرأة فى مصر يختلف عنه فى الخليج أو الهند أو أُوربا، وكذلك شكل ووزن قطعة المجوهرات، وفقا للوضع الاقتصادى، فما تقتنيه المرأة من ذهب فى الخليج أو الهند، يختلف عن مصر، حيث تتسم قطع المجوهرات فى الخليج أو الهند بكبر حجمها وثُقل وزنها.
وفى تصريحات صحفية أشار “ رفيق عباسى “ عضو شعبة الذهب بغرفة الصناعات المعدنية، (سوء الأحوال الاقتصادية بمصر أدى إلى تقلص وتسرب العمالة الأجنبية بنسبة كبيرة، وقد طالبنا من وزراة القوى العاملة توفير عمالة لتدريبها، لكن الشباب المصرى لا يريد أن يتعلم مهنة فالكل يريد أن يجلس على مكتب ويصبح مديرًا، وهذا ما اضطرنا كمصنعين للاستعانة بالعمالة الأجنبية).
بينما أشار “ صلاح عبدالهادى “ سكرتير شعبة الذهب بالغرفة التجارية، فى تصريحات لجريدة “ الفجر “ المصرية، “ لن نقف بجانب العامل المصرى فى هذه القضية لأنه لا يريد تطوير نفسه، ولا إعمال ضميره فى مهنة تصنيع المصوغات التى تشترط الفن والإبداع، موضحًا أن العامل الهندى يمتلك العديد من المقومات التى تساعده على تطوير مهنة فن المصوغات الذهبية، وابتكار أحدث أساليب التصميمات الفنية والإبداعية لهذه المهنة، مشيرًا إلى أن الهنود غزوا منطقة الصاغة بالجمالية، لأنهم ماهرون فى هذه الصناعة، ويحصلون على رواتب أقل من العمالة المصرية التى لا تقدم تشكيلات مبهرة مثل الهنود”.
وقد أشارت الدراسة إلى أن الاعتماد على العمالة الأجنبية يُمثل عبئًا ماديًا وقانونيًا على مُصنعى الذهب، حيث أنهم يلجأون إلى تعيينهم بطُرق غير قانونية، مما يُشكل عبئًا ماليًا لا يظهر فى تكاليف تلك المصانع.
كما يُساهم فى انتشار العمالة الأجنبية بسوق الذهب المصرى، ما يعرف “ بالسمسار “، الذى يقوم بجلب العمالة الآسيوية إلى مصر، وهى أسماء معروفة لمن يعملون بسوق الذهب، حيث يحصل هؤلاء على عُمولات شهرية تصل إلى 15 % من راتب العامل الأجنبى.
وكثيرا من هذه العمالة تأتى لمصر كزيارة ثم تكسر الفيزا، وتقوم الشركة بفرض نوع من الحصار على حركاتهم حتى لا يتعرضوا لمشاكل أمنية.
هناك كثير من الحالات التى يرويها شهود عِيان داخل شركات الذهب والمجوهرات، لمُحاولة قيام سماسرة العمالة، بتفريغ أقسام من العمالة المصرية واستبدالها بعمالة أجنبية، لتحقيق عائد مادى ضخم كنسبة شهرية من مراتبات العمالة الأجنبية.
كما يُشير بعض من العاملين داخل شركات المجوهرات، أن هناك أقسام، يُسيطر عليها عمالة أجنبية، ولا يوجد بها عامل مصرى واحد، مثل قسم موديلات الشمع، وقسم التزكة (نشر وتشطيب قطعة الذهب)، وتركيب الأحجار، أما بالنسبة إلى العمالة المصرية فتتواجد فى أقسام مثل التلميع والكنترول والسبك والتجهيزات، وهى أقسام لا تحتاج إلى حرفية، بالإضافة إلى الأعمال الإدراية مثل المحاسبين والتسويق والمبيعات والأمن وغيرها.
ومن العمالة الأجنبية المرغوبة فى سوق الذهب المصرى هى الهندى والتايلاندى والسيرلانكى والباكستانى واللبنانى، ولكل جنسية راتب متعارف عليها، فالهندى مرتبه يتراوح بين 900 إلى 1200 دولار، والتايلاندى مرتبه يتراوح بين 1500 إلى 2500 دولار، والسيرلانكى مرتبه يتراوح بين 500 إلى 1000 دولار، واللبنانى والأرمن مرتب كل منهما يتراوح بين 1500 إلى 3000 دولار.
كما تتضمن تكاليف العامل الأجنبى فى سوق الذهب(تذاكر الطيران، مرتب شهرى، مسكن، سيارة انتقالات جماعية، ثلاث وجبات يومية (بمواصفات تتوافق مع كل جنسية)، الرعاية الصحية).
أصبح العامل المصرى عامل درجة ثانية داخل شركات الذهب فى مصر، وعلى الرغم من الانتقادات التى تواجّه له، الإ أن لديه المهارة ليتواكب مع الأساليب الحديثة فى صناعة المجوهرات، لو توافرت له الإمتيازات التى يحصل عليها العامل الاجنبى، فكيف بعامل يعمل لمدة تزيد عن 10 ساعات يوميا بخلاف وقت الانتقال مقابل رواتب هزيلة تتراوح بين 400 و800 جنيه شهريا بالإضافة إلى وجبة واحدة فى اليوم سيئة للغاية، البعض يلقى بها فى سلة المهملات.
وذلك لأن الدولة فى سُبات عميق، تسن قوانين فقط دون تطبيق أو متابعة أو حماية لحقوق العامل المصرى.