ads

كعك العيد.. محشو بالذهب في العصر الفاطمي

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ, وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)) ، و لعيد الفطر مكانة في قلوب المسلمين ، إذ فيه يفرحون لأنهم قاموا بتأدية فريضة الصوم على خير ما يؤديه المسلم المؤمن. فابتهاجهم بالعيد هو في الحقيقة ابتهاج كل من أدى واجبه نحو الله ونحو نفسه، هذا هو معنى عيد الفطر عند كل عاقل مفكر. ولكن جماهير الشعب والأطفال لا يفهمون العيد على هذا النحو، إنما هو عندهم لون من ألوان الانطلاق في الإنفاق وليس الجديد من الثياب وصنع الكعك وألوان الفطائر والحلوى والذهاب إلى دور اللهو.

ولعيد الفطر في مصر طقوسه ، إذ يُصنع الكعك وهو أكبر مظهر من مظاهر العيد، فلا يخلو بيت من بيوتنا من هذا اللون من الحلوى في هذا العيد، ويظهر أن هذه العادة أصيلة في الشعب المصري واتخذها المسلمون في القرن الأول من الهجرة بل لا أغالي إذا قلت أن المسلمين في مصر عرفوا كعك العيد منذ دخل الإسلام مصر، وبمرور الزمن تطور صنع كعك العيد تطوراً كبيراً ولا سيما عند أغنياء المصريين، إذ كانوا يتفننون في طريقة صنعه وتشكيله ونقشه وحشوه. فنحن نعلم أن بعض الأغنياء كانوا يحشون الكعك بقلوب الفستق واللوز، كما أن بعضهم كان يحشوه بالحلوى.

ويشير " محمد قنديل البقلي " ، في كتابه " ، صور من أدبنا الشعبي أو الفولكلور المصري " ، أنه في العصر الإخشيدي كان الوزير أبو بكر المادراني يحشو الكعك بقطع من العملة الذهبية، وكذلك كان يفعل من قبله الإمام الليث بن سعد الذي يقال إنه أهدى إلى الإمام مالك بن أنس بالمدينة، صينية وضع فيها الكعك المصري وكان حشوها من الذهب، كما كان يهدي إلى أصدقائه أمثال هديته إلى الإمام مالك.

ويوضح " البقلي " ، أن الدولة قامت في العصر الفاطمي بتخيص داراً عرفت بدار "الفطرة" لعمل ما يحمل إلى الناس في العيد ومكانها الآن بجوار الباب الأخضر بالمشهد لحسيني. وكان العمل في دار الفطرة يبدأ في النصف الثاني من رجب ليلاً ونهاراً، كان يصنع فيها ألوان مختلفة من الكعك، ويذكر " البقلي "" ، من هذه الألوان: الخشكنانج "وهو الذي لا يزال بعض عامة الشعب يطلقون عليه الآن اسم "خشنينة" وصنف آخر يقال له "كعب الغزال" وصنف ثالث يعرف "بالبرما ورد" وصنف رابع يقال له "البسندور" وكان يقوم بصنع هذه الألوان مائة عامل ويعدون ما يصنعونه ليفرق على الخاصة والعامة قبل العيد بيوم واحد.

وفي آخر العصر الفاطمي قدر ما يستخدم في صنع الكعك والحلوى في دار الفطرة بألف أردب دقيق و 700 قنطار سكر و 6 قناطير قلب فستق و 8 قناطير قلب لوز و 4 قناطير قلب بندق و 200 أردب زبيب و 200 قنطار زيت و 3 قناطير عسل نحل و 200 أردب سمسم و 20 قنطار ماورد وأردبين أينسون و 50 رطل مسك وعشرة مثاقيل زعفران مطحون بخلاف بيض الدجاج. وكانت توضع أصناف الكعك المختلفة على صوان أو أطباق من الذهب الخالص للخاصة أو من الفضة للعامة مع ما كان يحمل إليهم من ثياب وحلي. فلا غرابة إذن أن كان الشعب في العصر الفاطمي يفرح بالعيد ويبتهج بقدومه ابتهاجاً لا مزيد عليه.

ويظهر أن المصريين كانوا يختارون دقيقاً خاصاً يصنعون به الكعك حتى أنهم أطلقوا على القاضي القشيري عندما رأوه يلبس طيلساناً أبيض لقب "دقيق العيد" وعرفت أسرته بأسرة "ابن دقيق العيد" نسبة لذلك.

وكما كان الفاطميون يفتنون في صنع الكعك والحلوى ابتهاجاً بعيد الفطر كانوا يمدون الولائم في ليالي العيد. ويصف لنا أحد المؤرخين أن المائدة كانت 200 ذراع طولاً في عرض سبعة أذرع كان يوضع عليها أنواع الكعك التي صنعت في دار الفطرة، فإذا صلى الخليفة الفاطمي الفجر وقف في شباك القصر وأمر بدخول العامة فيدخل الناس ويتخاطفون الكعك ويحملونه إلى دورهم، فإذا خرج الخليفة لصلاة العيد ركب في موكبه ثم يذهب بعد الصلاة إلى قاعة الذهب حيث أعدت له مائدة من الفضة يقال لها - المدورة- وعليها أواني الفضة والذهب التي تحمل الأطعمة المختلفة، وفي نفس الوقت كان يمد السماط الكبير، وهو من خشب مدهون مزين بالأزهار والورود ليتناول خاصة الخليفة الطعام، وعلى هذه المائدة ترص الأطعمة بطريقة خاصة في صحون يبلغ عددها 500 صحن.

هكذا كانت أسمطة الفاطميين في عيد الفطر وهي إن دلت على شيء إنما تدل على مدى البذخ الذي كانت عليه البلاد إبان الدولة الفاطمية. ويظهر أن مصر طوال عمرها الإسلامي استمرت على هذا التقليد الذي دأب عليه المسلمون في مصر منذ دخول الإسلام فأخذوا يتبعون هذه السنة الموروثة، ولم يشذ عصر من العصور عن هذه العادات. فألوان الكعك الذي يصنع من أصناف الدقيق الفاخر لا تزال إلى يومنا الحالي، وكذلك الحلوى. وحيث نرى الأسرة المصرية تباهي بما تصنعه من كعك وبكميته ولا يقصّر فقير لضيق ذات يده في صنع الكعك 1.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً