كل فكر يسعى إلى التضليل، يعتمد فى نشر أفكاره على عاملين، أحدهما يرتبط بهشاشة الفكر للعناصر المستهدفة التى لا تستخدم العقل التحليلي الذى يمكن من خلاله ربط الأحداث ليتلمس التضليل، ومن ثم يواجهه، والعامل الثانى يعتمد على قيادات هذا الفكر أو سائسي العقول، الرقبة الرابطة بين الممول والدُمى المستهدفة، حيث يبرز هؤلاء أخلاق الفضيلة، وأن لهم يقظة داخلية ورقابة ضميرية تحول بينه وبين الإنحرافات التفسيرية، ويقدم هذه الفضيلة كضمان لصحة تفسيراته، هذا ما أفطنت له "أهل مصر"، فى سلسلة مقالات تحليلية لأفكار الجماعات المتطرفة، التى قدمت مشروعها الفكرى بأنه مشروع تنقية الرؤية، وأسردت "أهل مصر" تفسيراتها، بلغة هادئة تعتمد على البراهين لا العاطفة، لمخاطبة العقل، وسد الطريق على سائسي العقول.
وإذا نظرنا إلى الجزء الثانى من سلسلة حلقات "أهل مصر"، سنرى أن الغاية الممثلة فى نشر هذا الفكر، فضحت الوسيلة التى تعتمد على مهارات لغوية، وصلت إلى تلبيس آيات الله تعالى، معانى ليست فى سياقها اللغوى ولا فى سياقها القرآنى، وضرب "أهل مصر" مثالًا لتفسير الجماعات للآية 65 من سورة النساء، فى قول الله تعالى «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما»، وذكر "أهل مصر"، أن هذه الآية الكريمة، نزلت فى قضية قضى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، بين أنصارى والزبير، الذى قضى له الرسول صلى الله عليه وسلم، والذى حالت خشيته من الله أن يقطع فى سبب نزول الآية، مقتضياً بأبى بكر الصديق رضى الله عنه، الذى كان ينأى بنفسه عن تفسير آيات القرآن الكريم لعظم المسئولية، وهو الصحابى الذى شهد مهد ونشأة ومظلة الدين الإسلامى الحنيف، كما ذكر "أهل مصر" فى مقارنة لا يمكن أن تتهم بالتقليل من قيمة الصحابى الجليل رضى الله عنه، ولكنها مقارنة تفضح تبجح قيادات هذا الفكر المتطرف، واصرارهم على استكمال طريق التضليل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، حتى لو كانت الوسيلة استخدام المهارات اللغوية فى تفسير الآية، وأخذها إلى مكان وموضع آخر غير الذى نزلت فيه، وتفسر أنها "الحاكمية"، تلك الكلمة الدخيلة على اللغة العربية، وأن من يكفر بها فقد كفر بالله سبحانه وتعالى.
وفى تسلسل منطقى، وفى إنسيابية تحليلة، يذهب "أهل مصر"، مختلس الخطى نحو سؤال، هل وقع قادة هذا الفكر فى شرك أخفى من دبيب النمل؟ كقول الله عز وجل فى سورة الأعراف الآية 33 «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، صدق الله العظيم.
ويترك "أهل مصر"، الإجابة للقارئ من خلال تفسير الآية الكريمة، ولم يقدم "أهل مصر" على وصف قيادات الفكر المتطرف، بأدنى درجات الكفر، حتى لا ننصب من أنفسنا قضاة، بل نتمسك بكوننا، جهاز إعلامى يعتمد على العلم والوطنية، لذلك التمسنا العذر لهؤلاء المغيبين، معللين أن إسقاطهم مثل هذه التفسيرات للآيات القرآنية كان عن دون قصد، وتبقى رسالة "أهل مصر"، التى تهدف نشر الوعى الحقيقي الذى يساهم فى بناء مصر المستقبل.