يتداول كثير من الوعاظ حديث منسوب للنبى صلى الله عليه وسلم جاء فيه : « أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»، ورواية هذا الحديث جاءت عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله؛ كأنها موعظة مودع، فأوصِنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة».
أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة علل الإسناد
ورد هذا الحديث في كل من صحيح الترمذي، وأبي داود، وابن ماجة، ومسند أحمد، ومستدرك الحاكم. وهو من أخبار الآحاد، إذ أن العرباض بن سارية هو الصحابي الوحيد الذي روى هذا الحديث عن النبي، عليه الصلاة والسلام، و للحديث ألفاظ عدة، وفي بعضها ما ليس في الأخرى من الزيادات مثل : وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلال، وإياكم ومحدثات الأمور وكل محدثة ضلالة، وأوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة؛ وإن عبدا حبشيا، وعلل الأسانيد
روى هذا الحديث الصحابي الجليل العرباض بن سارية، وقد وصلنا من طرق ثمانية، كلها جميعاً عن العرباض و لم يسلم منها واحد:
1- طريق عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وقد رواه عنه أربعة، لا يسلم منها إلا طريق خالد بن معدان، عن عبد الرحمن، إلا أن عبد الرحمن بن عمرو نفسه مجهول.
2- طريق حجر بن حجر، ففيه جهالة حجر وتفرد بروايته الوليد بن مسلم، وهو مدلس تدليس التسوية.
3- طريق يحيى بن أبي المطاع، وهي منقطعة لا تثبت عن العرباض.
4- طريق مهاصر بن حبيب، ففيه ضعف مهاصر، وهو إلى الجهالة أقرب. وقد تفرد بحديثه إسماعيل بن عياش، وله مناكير وأخطاء.
5- وأما طريق خالد بن معدان عن عبد الله بن أبي بلال، فيه جهالة عبد الله، وقد جاءت من طريقين فيهما مدلسان كثيرا التدليس، وقد رواياه بالعنعنة، كما إنها مخالفة لما عرف من اشتهار الحديث عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن السلمي.
- وأما طريق عم خالد فمجهول، وتفرد بها محمد بن إبراهيم بن الحارث عن خالد بن معدان، وقد قال أحمد في محمد بن إبراهيم: يروي مناكير أ.هـ. وهذا من تفرداته، وخالف ما عرف واشتهر من رواية خالد بن معدان عن عبد الرحمن السلمي.
7- طريق جبير بن نفير، فيه مجاهيل.
8- طريق معبد بن عبد الله، مجهول، ولم يصح الطريق إليه.
أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة علل الإسناد علل المتن
ومن علل المتن التي تضعف الحديث وجعلت المحدثين يذهبون إلى أنه حديث موضوع :
1 - علة التفرد بهذا السياق والمخالفة لما اشتهر من مضامين خطبه (صلى الله عليه وسلم) عند وفاته.
نقلت لنا عدد من مصادر الحديث ما عرف من خطبه صلى الله عليه وسلم بين يدي وفاته مما ودع به أصحابه والناس، وليس في واحد منها سياق يشبه هذا السياق ولا يقاربه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد ذكرت رواية العرباض الأمر باتباع السنة وسنة الخلفاء الراشدين، بينما كل خطبه، صلى الله عليه وسلم، تؤكد على اتباع الكتاب مثل ما أخرجه مسلم عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: «وإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»، أو كما أخرج البخاري عن ابن مسعود موقوفاً: « إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشرُّ الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين» .
فكيف يخطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة جليلة بليغة ويعظ عظة تذرف لها العيون أمام جمع من الصحابة، وحري بها أن تنقل وأن يهتم بها؛ لما أنها وصية مودع، ولكونها بليغة عظيمة؛ ثم لا تعرف إلا من طريق صحابي واحد، ثم لا تثبت عنه من طريق صحيح أو حسن لذاته؟