الصناعات اليدوية في مصر كثيرة وهي أشبه بالفنون، تحول المواد الخام إلى منتجات تستطيع أن تنافس في الأسواق العالمية بشكل كبير، وتحتاج إلى دقة كبيرة في العمل ووقت طويل حتى يكتمل الإنتاج وتكون المنتجات جاهزة للبيع، وأصحابها يتمسكون بها ويورثونها للأجيال جيلًا بعد جيل، ولكن أوشكت هذه الصناعات على الاندثار في الوقت الحالي بسبب الأسعار وانتشار المنتجات المصنعة آليا وغزو الأسواق بالمنتجات المستوردة مما يجعل المصنة يدويا غير قادرة على المنافسة.
ورصدت كاميرا "أهل مصر" العاملين بالصناعات اليدوية والحرف الفنية لمعرفة حالها وإلى أين تذهب في ظل ارتفاع أسعار المواد الخام وتطورات الإنتاج وغزو الأسواق المحلية بالمنتجات الصينية.
"بيومي محمد حامد" يبلغ من العمر 72عامًا، من مواليد محافظة الشرقية، ملقب بـ"الشيخ بيومي" ويعمل بالرسم والنقش على النحاس منذ أن كان طفلًا عمره 12عامًا، كان بدايته مع الرسم بحالة نفسية، حيث إنه كان يحب الهروب من المدرسة ليجلس في ساحتها يرسم ولا يذاكر أو يحضر الدروس، لا يفعل شئ في حياته إلا الرسم، حاول معه والداه كثيرا ليلتزم بالدراسة، وجاءوا إليه بالأطباء النفسيين، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل، وترك المدرسة، وظل يعبر عن كل ما يدور حوله بالرسم، وتعرف على أحد النقاشين بالصدفة وعرض عليه رسمه فتعجب من جماله وعرض عليه العمل معه، وبالفعل وافق "بيومي" وبدأ بالنقش على النحاس وكان بارعًا فيه، وأصبح اسمه معروفا في السوق المصرية بمنطقة خان الخليلي، وكان من الغريب دخول طفل إلى هذه المهنة الصعبة ويصل لدرجة الاحتراف ويتفوق على كثير من العاملين بها.
كشف "حامد" مراحل النقش على النحاس؛ تستخدم العشرات من الشواكيش والأقلام المختلفة في عملية النقش على النحاس وتشطيبه، يأتي النحاس خام بالأحجام المطلوبة، والرسم هو المرحلة الاولى وفيها يتم رسم الأشكال المطلوبة على النحاس الخام، ثم ينتقل إلى عملية نقش أو حفر هذه الرسومات، ومنها إلى التلميع، وينتقل إلى المرحلة الرابعة وهي صنفرة اللوحة، وأخيرًا يصل إلى المرحلة الأخيرة وهي التشطيب وفيها يتم تفريغ الرسومات وإعادة النقش عليها بمجموعة من أقلام النقش المختلفة، وبعد الانتهاء من نقش اللوحة تذهب إلى مرحلة التلميع لتلميعها ومنها إلى الطلاء لتأخذ الشكل والبريق النهائي، وبذلك نكون جاهزة لعرضها بالأسواق.
أكد الشيخ "بيومي" لـ"أهل مصر" "أكبر المشاكل التي تواجه المهنة هو غلاء أسعار النحاس بشكل مبالغ فيه، والاستيراد أكبر المصاعب، نشتري كيلوا النحاس الخام بـ200جنيها، والمنتجات الصينية تضخ بالأسواق بكميات كبيرة فهناك ألآف اللوحات، سعر اللوحة جاهزة "متشطبة" يصل إلى 25 جنيها! فكيف للمنتجات المصنعة يدويًا أن تنافس في الاسواق أمام السلع الصينية".
وأضاف "حامد" أن الدولة لا تُقدر العاملين بالحرف اليدوية، أنا أعمل في النقش على النحاس منذ 60 عامًا، والآن زوجتي جالسة على ناصية الشارع تبيع الجبن كي نستطيع العيش، فالظروف المادية معدومة، لا أمتلك إيجار المحل وغير قادر علي معالجة زوجتي، بعد أن كانت المهنة في عز شبابها وصلت إلى مرحلة الشيخوخة وكادت أن تموت، والإقبال على المهنة ضعيف جدًا ولا نستطيع التسويق لمنتجاتنا، وغزو الأسواق المحلية بالمنتجات الصينية وتحطيم الأسعار وعدم قدرة المنتجات المصنعة يدويًا على المنافسة، بالإضافة إلى أن الشباب دائما يلجأون إلى الطرق السهلة والسريعة للكسب، ولا أحد يفكر في تعلم الرسم على النحاس مما يجعل الصناعات اليدوية تمشي في خطى ثابتة نحو الانقراض".