تمثل المخدرات أحد الأسلحة الفتاكة التي تستخدمها الدول المعادية لاختراق قلب الوطن العربي بأكمله، ومصر خاصة للوصول إلى عماد مستقبلها وهم الشباب، بهدف القضاء عليه، وهو ما تنتبه له القيادة السياسية بوعي شديد، الأمر الذي دفع الرئيس السيسي لتكليف الحكومة بعدد من الإجراءات المهمة لمواجهة الظاهرة.
وحول الإجراءات الجديدة والتوجيهات المشددة التي أصدرها رئيس الجمهورية بشأن إجراء تحليل تعاطي المخدرات للعاملين بالدولة وفصل المتعاطين واتخاذ الإجراءات القانونية الفورية حيالهم، حاورت "أهل مصر"، أحد قيادات وزارة الداخلية، صاحب باع طويل وخبرة كبيرة في مجال مكافحة المخدرات وهو اللواء أحمد عمر، مساعد وزير الداخلية مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والهجرة غير الشرعية السابق.
وكان أول ما نبه له اللواء أحمد عمر، مقولة الرئيس السيسي، التي اعتبرها بداية الطريق لحل مشكلة تعاطي المخدرات، وذلك حين قال: "بأيدينا نؤذي أنفسنا إلا لو كنّا على قلب رجل واحد، فإن الخوف علينا ليس من الخارج بل من الداخل ولن يستطيع أحد أن يتمكن منا إلا إذا استطاع أن يخترقنا، والمخدرات إحدى وسائل وأسلحة الاختراق، لو تم إدراك خطورتها علينا سنهزم هذا السلاح الفتاك بنجاح".
وإلى نص الحوار..
_ هل هناك إحصائية بعدد المتعاطين ومدمني المخدرات في مصر؟
وفقا للمسح الذي أجرته الأجهزة المختصة بوزارة الصحة والمركز القومي لعلاج الإدمان ومركز مقاومة ومكافحة الإدمان، يمثل المدمنون نحو 2,7% وهو يتناسب مع المعدل العالمي، فيما يمثل المتعاطون نحو 10%، وهو معدل مرتفع جدا، وهذه مجرد مؤشرات ولا نستطيع أن نعتبرها إحصاءات، إذ لا تملك الأجهزة الأمنية إحصاءات بذلك.
_ هل ستتراجع نسب التعاطي بعد إجراء التحليل المفاجئ؟
قطعا الإجراءات التي ستتخذ تجاه المتعاطين أو المدمنين ستكون رادعة، وستساعد بشكل كبير جدا في انحسار الظاهرة وتقليصها، وقريبا ستكون هناك عقوبة فاعلة وسيكون لها مردود إيجابي جدا، وكما نرى فالموظفون يقدمون من الآن على العلاج من تلقاء أنفسهم قبل القانون وقبل تفعيله، هذا بجانب برامج التوعية وخاصة في سن الطفولة، إذ يجب أن تبدأ التوعية في المرحلة الابتدائية لأنها مرحلة تشكيل الوعي والفكر والشخصية، ويجب الاهتمام بالتنشئة السليمة.
ــ ما الفرق بين المدمن والمتعاطي من حيث التأثير والأخطار؟
التعاطي يكون لأنواع معينة من المخدرات، وإدمانها يكون نفسيا وليس جسديا، لكن المدمن هو من متعاط وصل إلى حد الإدمان الجسدي بحيث يصبح الإقلاع عن المخدرات أمرا بالغ الصعوبة وقد يسبب حالات مرضية وظهور أعراض جسمانية، وقد تحدث الوفاة عند محاولة الإقلاع بطريقة عشوائية ودون إشراف طبي، فالمضاعفات الجسيمة قد تصل لحد الوفاة.
ــ هل هناك أنواع من المتعاطين وكيف يتم تصنيفهم؟
نعم، المتعاطون أنواع، منهم المتعاطي بالصدفة، في المناسبات، وهناك المتعاطي المستمر "المدمن"، والعقوبات والإجراءات التي ستتخذها الدولة لا تفرق بين هؤلاء، فالقانون يضعهم على قدم المساواة ولا يفرق بينهم على الإطلاق، حيث إن الإجرات واحدة سواء ضد الموظفين أو السائقين وغيرهم، والفرق الوحيد هو في برامج العلاج.
فهناك متعاطٍ بالمناسبة يمكن علاجه سريعا، لكن المتعاطي المستمر "المدمن" يتم علاجه على مراحل، أولاها سحب المخدر من الجسم، وتعرف بمرحلة الديتوكس، ثم التأهيل، ثم إعادة الدمج في المجتمع، ولابد أن تكتمل هذه المراحل حتى يكون العلاج متكاملا ومجديا، لكن المشكلة أن البعض يكتفي بالمرحلة الأولى "الديتوكس" والتي تستغرق من 3 أسابيع إلى شهر حسب قدرة الشخص المدمن، وحسب البرنامج العلاجي، ولكن المشكلة أن هذه المرحلة وحدها ليست كافية، ويجب استكمالها بالمرحلتين التاليتين التأهيل وإعادة الدمج، حتى لا تحدث انتكاسة بالعودة مرة أخرى إلى الإدمان، وهذا يحدث كثيرا في لحظات الضعف أو عند لقاء أصدقاء السوء.
ــ كيف يتم تحليل المخدرات وما الإجراءات التي ستتخذ ضد من يثبت تعاطيه؟
يتم تحليل المخدرات من خلال نوعين من التحاليل، تحليل مبدئي وآخر تأكيدي، ويتم التحليل المبدئي بأشرطة الاختبار، وتستخدم في حملات المرور على الطرق، وهي تعطي نتيجة "إيجابي أو سلبي" وتحلل أكثر من مادة للمخدر حسب رغبة مجري التحليل، وهناك أشرطة تكشف عن ٦ أنواع من المواد المخدرة، وهذه الأشرطة تعطي نتيجة مبدئية.
وإذا ثبتت إيجابية التحليل المبدئي، تأخذ النيابة العامة عينة وترسلها إلى الطب الشرعي لإجراء التحليل "التأكيدي الكيمائي" الذي لا يقبل أي تشكيك في صحته، وهذا تحليل قائم على فصل مكونات الدم، ويستطيع أن يحدد كل مكون من مكونات الدم ونسبتها، ومنها المخدرات، وإذا كان التحليل المبدئي قادرا على إظهار المخدر في البول لمدة معينة فإن التحليل "الكيميائي" الذي يجرى في المعامل بواسطة أجهزة الكموتوجرفيا وأجهزة الفصل يثبت التعاطي حتى لو مضى عليه عدة أشهر، فهو يقوم بتحليل عضوي لـ"بصيلة الشعر" وهي أكثر منطقة تحتفظ بالمادة المخدرة ولمدة تصل لـ6 أشهر.
وما يقال من أنه يمكن التلاعب في التحليل المبدئي، مردود عليه بالفجائية، أما التحليل الكيمائي المعملي فلا يمكن التلاعب فيه مطلقا، فهو يحدد مكونات الدم كافة، بما فيها المادة المخدرة ونسبتها وكمية تعاطيها، فبصيلة الشعر تحتفظ بالمادة المخدرة لمدة 6 أشهر وهي من التحاليل المتقدمة.
ــ ماهي الفئات المستهدفة بالتحليل ؟
وفق توجيه الرئيس السيسي، فالفئات المستهدفة بالتحديد هم العاملون بالدولة عموما، وكل المخاطبين بقانون الخدمة المدنية الذي نصت مادته 177 على أن من يثبت تعاطيه للمادة المخدرة يفصل مباشرة من العمل، وبالإضافة إلى هذه الفئات التي صدر بها التوجيه، كانت وزارة التضامن الاجتماعي، بالتنسيق مع وزارة الداخلية ممثلة في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، والإدارة العامة للمرور، ووزارة الصحة، بتفعيل لجان، بدأت عملها منذ ٤ سنوات، اهتمت في البداية بإجراء تحليل لسائقي حافلات المدارس، ثم تطور الأمر لفحص سائقين على الطرق، ثم تطور إلى لجان مصاحبة للحملات الأمنية، وصولا إلى العاملين في الدولة وكل الوزارات، وبعد التوجيه سيكون هناك مسح شامل لكل فئات المتعاملين مع الجمهور بالدولة، وسيتم بصفة دورية كل عام وفقا للتوجيه.
ــ كيف سيتم التعامل مع من يثبت تعاطيه؟
ناقش مجلس الوزارء في الأيام القليلة الماضية عبر عدة اجتماعات، هذه المسألة، وهو بصدد إصدار لائحة لتنفيذ القانون بشكل يجعل آلية الفصل مباشرة، وبمجرد أن يثبت التعاطي، ووفقا لتوجيه الرئيس أيضا، فسيتم التعامل مع هذه المسألة بحساسية، بحيث لا يضار شخص أو يفقد وظيفته إلا إذا كان هناك تأكيد على تعاطيه، ولا يشترط أن يكون مدمنا فمجرد أن يثبت تعاطى المخدر ولو لمرة واحدة فسوف يطبق عليه القانون، لأن قانون مكافحة المخدرات لا يفرق بين المتعاطي والمدمن في العقوبة.
صحيح أن القانون أعطى المتعاطي والمدمن فرصة، إذ يحق لهما التقدم بطلب علاج للجنة المختصة في جميع المحافظات، والمشكلة بقرار وزير العدل برئاسة أحد رؤساء محكمة الاستئناف، وعضوية عضو من النيابة العامة وضابطين من وزارة الداخلية والقوات المسلحة، وموظف بوزارة التضامن الاجتماعي، وهذه اللجنة مكلفة بمتابعة هذه المسألة وتسطيع أن تحيل المدمن إذا طلب العلاج إلى المستشفيات الحكومية على نفقة الدولة، ليخضع للعلاج مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن 3 سنوات أو انتهاء العقوبة أيهما أقرب، وهذه المدة تستنزل من مدة العقوبة.
ــ ماذا لو تعافى المدمن بعد الحكم عليه بالحبس، وماذا إذا فشل في الإقلاع؟
إذا نجح "المدمن أو المتعاطي"، فكما قلنا لا يُفَرقَ بينهما في الاجراءات والعقوبة، وإذا تمكن المدمن من التعافي والعلاج من الإدمان فإنه يعفى من الغرامات المقررة وفقا لقانون مكافحة المخدرات، كما يعفي القانون من يتقدم من تلقاء نفسه من عقوبات مقررة قبل ضبطه، لكن بعد ضبطه وإذا وصدر ضده حكم الحبس، يمكن له التقدم بطلب للعلاج داخل إحدى المستشفيات وهو أيضا مقيد الحرية وتستنزل كذلك العقوبة، لكن إذا فشل في التعافي يقضي عقوبته كاملة.
ــ كيف يتم التنسيق بين الداخلية بإداراتها وباقي الوزارت والموسسات في مجال المكافحة؟
وزارة الداخلية تلبي جميع طلبات المحاضرات والندوات ويشارك فيها الضباط والمتخصصون ولكن الشريحة التي تقدم لها هذه المحاضرات صغيرة، ونحتاج إلى "الجهاز البوقي" الإعلامي الكبير الذي له مفعول السحر، أن يعمل على توجيه برامج توعية مختصة تجمع رجال دين وأطباء نفسيين ومختصين ورجال الأمن حتى تكون المشاهدة أقوى وتصل التوعية لقطاع أكبر.
وهناك "المجلس القومي لمكافحة الإدمان" الذي أنشئ بقرار جمهوري، ويضم 14 وزيرا وترأسه وزيرة التضامن الاجتماعي، وهذا المجلس أيضا لابد أن يكون له دوره في المرحلة القادمة في تنشيط التعاون بين الوزارت ولكن تظل التوعية بمخاطر الإدمان تحتاج إلى أجهزة إعلامية نتمنى أن تتبناها الشاشات بالاستعانة بالمختصين من وزارة الصحة والشباب والرياضة والداخلية والتضامن للتوعية في هذه القضية.
ــ ما أثر التوجيه الرئاسي الأخير على هذه المجهودات؟
بعد توجيهات الرئيس السيسي الأخيرة، وضعت ظاهرة تعاطي المخدرات على أولويات عمل الحكومة والمجتمع، وتفعيل هذه التوجيهات التي بدأت بالفل سيؤدي إلى انحسار الظاهرة، وذلك بالتوازي مع جهود إدارة مكافحة المخدرات والتنسيق بينها وبين إداراتها على مستوى الجمهورية، بكوادرها وأسلوب المراقبة الذي تتبعه من ناحية، وبين وزارت التضامن والصحة والدفاع، من ناحية أخرى، وبالعلاقات الدولية وتبادل المعلومات ووجود المصادر السرية لنا في مختلف دول الإنتاج والدول التي تمر بها شحنات المخدرات من ناحية ثالثة.
هذا فضلا عن مع التلاحم والتناغم بين الجيش والشرطة، حيث نجد عمليات تهريب لشحنات مخدرات ضخمة تحبط في أعالي البحار على مسافات بعيدة جدا من الشواطئ المصرية، فهنا يكون الفضل للتنسيق بين القوات المسلحة والشرطة باشتراك القوات البحرية والجوية وحرس الحدود وأجهزة المعلومات "المخابرات والأمن الوطني والأمن العام"، فكل هذه الجهود مع توجيه الرئيس ستزيد التأثير بشكل قوي في الفترة القادمة.
ـ هل هناك إجراءات توعوية متوازية مع إجراءات الردع والمنع.. وما الجهات القائمة عليها؟
التوعية بالتأكيد عامل مهم في المكافحة، فمكافحة المخدرات تعمل على محورين بالتوازي هما "مكافحة العرض وخفض الطلب"، ومكافحة العرض هي دور الأجهزة الأمنية ممثلة في الشرطة ووزارة الدفاع وحرس الحدود ودوره في إحباط عمليات التهريب.
المحور الثاني هو خفض الطلب، وجميع الاتجاهات الدولية في الـ20 سنة الأخيرة تعمل وتهتم بإجراءات خفض الطلب، وإذا وجد المتعاطي ووجد الطلب القوي على المخدرات سيوفره المهربون، وهذه نظرية اقتصادية معروفة "الطلب القوي يخلق العرض" وهنا، لابد من إجراءات التوعية التي تبدأ من الأسرة لتنشئة شخص واع بمخاطر التدخين أولا والمخدرات، ولديه ثقه في نفسه، فالمتعاطي شخص غير سوي في تنشئته.
والشيء المهم الذي يجب أن تلتفت إليه الأسرة هو التدخين، فانخفاض سن التدخين في مصر شيء مزعج فـ95% من المدمنين هم في الأصل مدخنون والمشكلة تزداد صعوبة إذا كان التعاطي في هذا السن الصغير.
ــ وهل هناك دور للمدرسة والمؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية والدراما والسينما؟
بعد دور الأسرة يأتي دور المدرسة وأوكد على أن دور المدرسة في التوعية ضد أخطار المخدرات يجب أن يبدأ في المرحلة الإبتدائية، من خلال محتوى تعليمي لهذا السن لأنه السن الذي تتشكل فيه قيم ومبادئ وشخصية الطفل.
ثم يأتي دور رجال الدين المسيحي والإسلامي ودور النوادي ووزارة الشباب والرياضة واهتمامها بممارسة الشباب للرياضة، وأركز على دور منظمات المجتمع المدني والإعلام، ولكني أعتب على الدراما التي تؤدي دورا سلبيا بتسطيح عملية تعاطي المخدرات حتى إن بعض الناس أصبحت تتقبل فكرة التعاطي بسبب الأداء الدرامي، فيجب تجريم الأعمال التي تعد تحريضا على التعاطي، وقانون مكافحة المخدرات به بنود ومواد تجرم التحريض أو الحث على تعاطي المخدرات أو الدعاية لها، وأقترح أن يحتوي قانون المصنفات الفنية على مواد لتجريم الأعمال التي تتضمن مشاهد تعاطٍ أو إتجار بالمخدرات.
ــ هل تعتقد أن تشديد العقوبة سيسهم في تراجع المخدرات؟
قانون مكافحة المخدرات المعمول به من القوانين الشاملة التي تجرم كل الأفعال التي تتعلق بالمخدرات، ومعظم هذه الأفعال عقوباتها مشددة وتصل إلى الإعدام سواء عمليات التهريب أو الجلب أو التصنيع أو الزراعة، والتعاطي أيضا هو جناية عقوبتها الأشغال الشاقة الموقتة، تصل إلى 15 سنة.
القانون أيضا عاقب الناقل والوسيط وأعطاهما عقوبة الفاعل الأصلي وعاقب كذلك من يدير مكانا للتعاطي أو يقدم مخدرات حتى بدون أجر بعقوبات مشددة، كما عاقب من يتواجد في مكان يدار للتعاطي حتى لو لم يشترك في التعاطي بعقوبة الحبس عامين، وعاقب أيضا الأشخاص المكلفين بعمل في مجال المكافحة مثل رجال الشرطة والصيادلة والأطباء وغلظها إلى حد الإعدام إذا ثبت عملهم بالمخدرات، وشددها في حالة تقديمها في دور العبادة والنوادي، وفي حالة تقديمها للأطفال صغار السن وإذا استخدام فيها الأحداث.
قانون مكافحة المخدرات من القوانين الشاملة، والعقوبات فيه كافية جدا اللهم إلا التعديل الخاص بالمواد المخدرة المستحدثة غير المدرجة ونترقب صدوره قريبا، وأتمنى بمناسبة التعديل عليه أن تتم زيادة الغرامات على تجار المخدرات ورفع الحد الأقصى المقرر منذ عام 1989 أي منذ 30 عاما وهو500 ألف جنيه، فالأسعار اليوم تصاعدت، وطن الحشيش مكسبه 10 ملايين جنيه، لذلك غرامة الـ500 ألف جنيه غير كافية خاصة في جرائم التهريب والجلب والجرائم المنصوص عليها في المواد 33/34/35 لأن المال هو عصب تجارة المخدرات ولابد أن نتخذ كل الوسائل والحيل التي تحرم تاجر المخرات من هذه الأموال.
نقلا عن العدد الورقي.