من الفجر لـ"الضهرية".. صيد السمك غية (تقرير مصور)

من الفجر لـ"الضهرية".. صيد السمك غية

50 عامًا قضاها في حضن النيل. اعتاد أن يهرع إليه مبكرًا جدًا بمجرد بزوغ الخيط الأول من الفجر الذي يُعلن رحيل الليل وقدوم النهار، مرتديًا بنطالًا باليًا وسترة ورثها عن أبيه و"طاقية بيضاء"، وحاملًا "شبكة" يضعها بجواره على "الفلوكة"؛ ليبدأ "عم سمارة" -صاحب الـ55 عامًا- رحلته اليومية في ممارسة مهنة الصيد اليدوي.

اقرأ أيضًا.. "مين يشتريه مني".. حكايات العشاق مع الورد البلدي (تقرير مصور)

يمارس "سمارة" مهنة الصيد منذ نعومة أظافره؛ فقد ورث هذه المهنة من والده، وأصبح شغوفًا بها إلى درجة العشق رغم قلة العائد المادي الذي تدره عليه، ويقول حول هذا: "الصيد بالنسبة لي غية أكثر منه مهنة، ومن صغري تعودت أن أبقى في حضن النيل منذ الفجر وحتى وقت الظهيرة، ولا استطيع تحمل البعد عن النيل ولو يومًا واحدًا".

لهذه المهنة طقوس عرفها "سمارة" من والده، وبدونها يضن عليه النيل ويعود دون صيد سمكة واحدة، وعن هذه الطقوس يشير إلى أن "أهمها الاستيقاظ مبكرًا، ثم ارتداء ملابس الصيد التي ورثتها عن والدي، وتجهيز الطُعم الصالح والقادر على جذب السمك للشبكة، والتمتع بقدر كبير من الصبر والخبرة التي تمكنك من معرفة المكان المناسب لرمي الشبكة الذي يشترط فيه أن يكون مع اتجاه المياه، وكذلك الوقت الأنسب لسحبها من الماء بحيث لا تتعدى الفترة ما بين رمي الشبكة وسحبها على الخمس دقائق، والأهم من كل هذا هو أن يكون الصياد مشبعًا بالرضا حتى وإن كان الرزق الذي اصطاده قليلًا؛ لأن الرضا هو سر حياة من يعمل في هذه المهنة".

اقرأ أيضًا.. هنا دفن "داهية العرب".. "أهل مصر" تكشف النقاب عن قبر عمرو بن العاص

"سمارة"، يؤكد أن "البلطي" هو أكثر أنواع الأسماك التي يصطادها، والسبب في هذا هو ندرة باقي الأنواع مثل: "البياض، والقراميط" والتي لا تعيش في النيل، موضحًا أن الشبكة التي يصطاد بها مصنوعة من ثلاث طبقات، الأولى بها فتحات واسعة تسمح للأسماك بالنفاذ إلى الداخل بسهولة، والثانية تشبه العيون الضيقة وبمجرد أن تدخل إليها الأسماك لا تستطيع الخروج مرة أخرى، أما الثالثة فهي ضيقة جدًا ومهمتها الإطباق على الأسماك والحفاظ عليها حتى يقوم الصياد باستخراجها. 

بمجرد أن يخرج "عم سمارة" الشبكة من الماء، يضعها في منتصف القارب ويجلس بجوارها ليفرغ ما بداخلها من أسماك، ثم يقوم بتعبئة الكمية التي اصطادها داخل "طرود" مخصصة لهذا الغرض، وينتظر حتى عودته إلى البر ليُقسم ما رُزق به إلى جزئين، أحدهما يُرسل به إلى أحد التجار الذين اعتاد التعامل معهم، والجزء الثاني يدخره للأهالي الذين ينتظرونه يوميًا ليبتاعوا منه أسماكًا طازجة.

اقرأ أيضًا.. "مفيش فايدة".. الإهمال يعصف بتاريخ الزعيم سعد زغلول

كغيرها من المهن العتيقة؛ تواجه مهنة الصيد اليدوي الكثير من المشكلات التي تهدد بقائها، ومن أبرزها عزوف النشء الصغير عن ممارستها، إضافة إلى رفضه المطلق تعلم أسرارها وطقوسها، ويرجع "سمارة" هذا إلى أن الشباب ليس طاقة على الصبر، ويسعى إلى تعلم المهن التي تدر عليهم ربحًا كثيرًا، قائلًا: "المهنة مهددة بالانقراض؛ فالذين يمارسونها داخل نطاق القاهرة أصبحوا قلائل. يعدون على أصابع اليد الواحدة".

ليس عزوف الشباب عن ممارسة الصيد اليدوي هو وحده المشكلة التي تواجهها المهنة؛ فهناك حملات تطهير مياه نهر النيل من الأعشاب (تنظيف العفش والحشائش) التي تقوم بها وزارة الري، وتتسبب هذه الحملات في هجرة الأسماك من الأماكن التي تستوطنها وهو ما يعني عدم مقدرة الصيادين على العمل.

أما "سرطان البحر"؛ فيأتي كأحد أبرز المشكلات التي تهدد الصيادين في أرزاقهم، حيث يهاجم هذا الكائن الأسماك العالقة داخل "شبكة الصياد" ويأكلها بكل شراهة، وهو ما يجعل العاملين بهذه المهنة يعودون في كثير من الأيام خالين الوفاض من أي صيد.

شاهد.. حكاية "سمارة" عاشق صيد الأسماك منذ 50 عامًا

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً