يشهد التاريخ على عراقة مصر التي كان لها الفضل على العالم منذ آلاف السنين أرست أسس الدولة بمفهومها الواضح فأنشأت الدواوين والوزارات، ومنذ عهد الأسرات الفرعونية ومصر مركزا للتجارة العالمية حيث كان الاهتمام بالغ بإرسال البعثات التجارية شمالا وجنوبا – شرقا وغربا فتعلم العالم من مصر معاني ومفاهيم الدولة والحضارة والتطور.
وقد اهتمت مصر عبر تاريخها المعاصر بالتجارة الخارجية من خلال البعثات التجارية التي كانت تشرف عليها نظارة التجارة، وكان لمحمد على نظرة نافذة في بداية القرن قبل الماضي عندما اعتمد على البعثات التجارية وممثليها لتحقيق التواصل الفعال مع الدول الأجنبية، وقد تطور الأمر على مر العصور التالية لينتهي في عام 1958 إلى إنشاء هيئة وطنية متخصصة في مجال العلاقات التجارية والاقتصادية الدولية وهي جهاز التمثيل التجاري المصري، الذي يمكن تعريفه أيضا على أنه الذراع الاقتصادية للدبلوماسية المصرية. وقد كان المشرع عبقريا فى صبغ أعضاء هذا الجهاز بالصفة " الدبلوماسية " ليتيح لأعضائه القدرة على التحرك والتواصل الفعال مع دوائر صنع القرار الاقتصادى فى الدول المختلفة وقد دأب جهاز التمثيل التجاري على دعم وتطوير وتوطيد علاقات مصر مع شركائها التجاريين على مدار أكثر من ستين عاما كاملة.
لقد حقق التمثيل التجاري المصري منذ نشأته - من أكثر من ستين عاما - العديد من النجاحات التى اضافت بعدا قويا لمنظومة علاقات مصر الدولية وليس أدل على ذلك من تحمل هذا الكيان مسئولية التفاوض فى كافة المحافل الدولية من منظمات وتكتلات اقتصادية مثل منظمة التجارة العالمية والمفوضية الاوروبية ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ، ويتسع المجال لسرد نجاحات المفاوض التجارى المصرى فى صياغة وبلورة المصلحة الاقتصادية المصرية فى هذه المحافل تاريخيا، ولمن لا يعرف هذا الكيان دعونا نذكر بعض الحقائق لنرى ونقيم وندرس تاريخ أحد أجهزة الدولة المصرية العريقة الذي كان له – ومازال – شرف تمثيل مصر والدفاع عن مصالحها التجارية والاقتصادية ضمن منظومة متكاملة تحدد نمط وشكل سياسة مصر الخارجية ، لا سيما وان التمثيل التجاري المصري هو الأداة الفريدة التي تستخدمها الدولة للتكامل مع الدول الأجنبية ضمن منظومة التنمية المستدامة وسلسلة القيمة العالمية.
سبق وأن أشرنا إلي دور التمثيل التجاري المصري في المفاوضات التجارية الدولية والإقليمية إلا أننا لم نتطرق الي دور هذا الجهاز العريق في رسم خارطة العلاقات التجارية و الاقتصادية مع دول العالم على المستوي الثنائي، فالتمثيل التجاري هو من رسم وصاغ محاور سياسة مصر الدولية – بالتعاون مع مؤسسات الدولة المعنية – في التفاوض لإبرام اتفاقيات تجارة حره مع أكثر من 68 دولة حول العالم ، وبذلك فقد أوجدت هذا الجهود التفاوضية الناجحة سوقا شاسعا أمام الصادرات السلعية المصرية ، فحجم السوق في هذه الدول الــ 68 يقدر بنحو 1.6 مليار مستهلك حول العالم ، تتمتع فيها كافة الصادرات المصرية بإعفاء جمركي كامل تقريبا.
لم يقتصر دور جهاز التمثيل التجاري تاريخيا علي هذا النجاح ، بل مد يده ليرشد بها أرباب الأعمال والشركات المصرية نحو طريقهم لغزو تلك الأسواق والنفاذ بصادراتهم إليها ، ونزعم بأن جهود التمثيل التجاري المصري بالمشاركة والتنسيق مع باقي أجهزة الدولة ممثلة في وزارات المجموعة الاقتصادية ومن بينها وزارات النقل والاستثمار والتعاون الدولي والتخطيط، وكذا بالتعاون مع تجمعات رجال الأعمال واتحادات الغرف التجارية والمجالس التصديرية المصرية، على مدار الستين عاما الماضية قد ترتب عليها كثير من النجاحات على صعيد تنمية العلاقات الاقتصادية لمصر مع الخارج وأيضا على صعيد القدرة على فتح أسواق جديدة تتواكب مع قدرات مصر الإنتاجية.
أما وقد ذكرنا قيمة وتاريخ هذا الكيان العريق، بقي لنا ان نعرض لأهم ما يتميز به التمثيل التجاري المصري من خصائص تجعله في مصاف المؤسسات الحكومية من حيث الجدارة والمتمثلة في أعضاء هذه المؤسسة ومعظمهم من الشباب المصري الحاصل علي اعلي مراتب التعليم ومنهم من درس في جامعات اجنبية وحملة الدكتوراة والماجستير مجالات تنموية واقتصادية مختلفة. والذين يتم اختيارهم من خلال معايير شديدة الصرامة والاحترافية.
إن التمثيل التجاري المصري، وبعد مرور نحو ستين عاما على انشائه، يتشرف بأن يكون الذراع الاقتصادية لمصر في الخارج، من خلال ما يمتلكه من تاريخ كبير حافل بالإنجازات والنجاحات وحاضر قوي يمثله جيل من الشباب المخلص للوطن ومستقبل مبشر نسعى جميعا لتحقيقه بفعالية وكفاءة بالتعاون مع كافة أجهزة الوطن تحت قياداتها السياسية الواثقة.