يعتبر الإمام شمس الدين الذهبي (673 هـ - 748 هـ / 1274م - 1348م) من أشهر علماء الحديث في التاريخ الإسلامي، هو محدث وإمام حافظ. جمع بين ميزتين لم يجتمعا إلا للأفذاذ القلائل في تاريخنا، فهو يجمع إلى جانب الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي حوادث ورجالاً، المعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال، فكان وحده مدرسة قائمة بذاتها. والإمام الذهبي من العلماء الذين دخلوا ميدان التاريخ من باب الحديث النبوي وعلومه، وظهر ذلك في عنايته الفائقة بالتراجم التي صارت أساس كثير من كتبه ومحور تفكيره التاريخي ، وقيل ان سُمي الإمام الذهبي بالذهبي لانه كان يزن الرجال كما يزن الجوهرجي الذهب، وقد سمع بدمشق، ومصر، وبعلبك، والإسكندرية. وسمع منه الجمع الكثير، وكان شديد الميل إلى رأي الحنابلة، وله تصانيف في الحديث، وأسماء الرجال؛ قرأ القرآن، وأقرأه بالروايات، وقد بلغت مؤلفاته التاريخية وحدها نحو مائتي كتابًا، بعضها مجلدات ضخمة.
الإمام الذهبي نشأته وشيوخه وتلقيه للعلم
ولد أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في كفر بطنا قرب مدينة دمشق في ربيع الآخر 673 هـ الموافق لشهر أكتوبر 1274م. نشأ في أسرة كريمة تركية الأصل كانت تسكن دمشق ، ثم سكنت مدينة ميافارقين من أشهر مدن ديار بكر، ويبدو أن جد أبيه قايماز قضى حياته فيها. يعمل والده في صناعة الذهب، فبرع فيه وتميز حتى عُرف بالذهبي ، وكان رجلا صالحًا محبًا للعلم، فعني بتربية ولده وتنشئته على حب العلم. وكان كثير من أفراد عائلته لهم انشغال بالعلم، فشب الوليد يتنسم عبق العلم في كل ركن مته ست الأهل بنت عثمان لها رواية في الحديث، وخاله علي بن سنجر، وزوج خالته من أهل الحديث.
وفي سن مبكرة انضم إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم حتى حفظه وأتقن تلاوته. ثم اتجهت عنايته لما بلغ مبلغ الشباب إلى تعلم القراءات وهو في الثامنة عشرة من عمره، فتتلمذ على شيوخ الإقراء في زمانه كـجمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن داود العسقلاني المتوفى سنة 692 هـ الموافقة لسنة 1292م، والشيخ جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غال المتوفى سنة 708 هـ الموافقة لسنة 1308م، وقرأ عليهما القرآن بالقراءات السبع، وقرء على غيرهما من أهل هذا العلم حتى أتقن القراءات وأصولها ومسائلها. وبلغ من إتقانه لهذا الفن وهو في هذه السن المبكرة أن تنازل له شيخه محمد عبد العزيز الدمياطي عن حلقته في الجامع الأموي حين اشتد به المرض .
في الوقت الذي كان يتلقى فيه القراءات مال الذهبي إلى سماع الحديث الذي ملك عليه نفسه، فاتجه إليه، واستغرق وقته، ولازم شيوخه، وبدأ رحلته الطويلة في طلبه.